فيروس كورونا: ما بين "الخوف الهستيري" والدعوة إلى التحلي بالحكمة
(بي بي سي):
أدى انتشار فيروس كورنا المتحور (كوفيد-19) حول العالم إلى تعزيز مخاوف البعض من أن يتحول الأمر إلى سيناريو "كارثي"، مما دفعهم إلى شراء وتخزين السلع المختلفة بصورة مبالغ فيها، لكن هناك من يحذر من ردود الفعل غير المحسوبة التي قد تسهم في تحول الأمر إلى "فوضى" في بعض المجتمعات.
لكن هل يستحق الأمر حقا كل هذا القلق؟ وما هي أبرز المخاوف التي يعبر عنها هؤلاء؟
يقول جيسي كولومبو، الباحث الاقتصادي والكاتب بمجلة فوربس الاقتصادية الأمريكية، وهو من بين من تنبأوا بالأزمة المالية العالمية في 2008، لبي بي سي: "تداعيات فيروس كورونا هي الأخطر حاليا لأنها ستمتد إلى جميع مناحي الحياة، وخاصة الاقتصاد. وهناك بوادر أزمة اقتصادية عالمية بسبب تباطؤ الإنتاج في عدة دول وتعطل بعض مناحي الحياة".
وينشط الباحث الاقتصادي الأمريكي في الدعوة إلى الاستعداد لما هو أسوأ من خلال حسابه على موقع تويتر، الذي حوله إلى منصة للتحذير من المخاطر الاقتصادية المتوقعة في حال استمرار فيروس كورونا في الانتشار.
وقد باتت الصور التي تُظهر بعض المتاجر ذات الأرفف الخالية من المناديل الورقية، وقوارير المياه، وبعض السلع الأخرى، شائعة في بعض بلدان العالم، مثل أستراليا، والصين، وهونغ كونغ، وبعض مناطق الولايات المتحدة، وخاصة بعدما أعلنت ولاية كاليفورنيا الأمريكية حالة الطوارئ في الرابع من مارس، بعد تسجيل أول حالة وفاة في الولاية بسبب فيروس كورونا، وبعد أن بلغ عدد المصابين فيها أكثر من 50 شخصا.
لماذا تنتشر الأوبئة بسرعة في الوقت الحاضر؟
كما أعلنت ولاية نيويورك حالة الطوارئ أيضا يوم السابع من مارس الجاري، بعد أن بلغ عدد المصابين فيها 89 شخصا. وقد توفي 27 شخصا في الولايات المتحدة حتى الآن بسبب فيروس كورونا، وتجاوز العدد الإجمالي للإصابات أكثر من 700 شخص.
وعن كيفية الاستعداد لمواجهة تفشي الفيروس، قال كولومبو إنه بدأ في تكديس الطعام في قبو منزله استعدادا لذلك "السيناريو الأسوأ".
وأضاف: "اشتريت بالفعل أطناناً من الأغذية المختلفة، وأدوات النظافة، والمطهرات، والأدوية، وأشياء أخرى قد أحتاج إليها مستقبلا للنجاة لأطول فترة ممكنة".
وتابع كولومبو قائلاً: "إن قلقي المباشر ليس من الإصابة بفيروس كورونا، بل لأنه قد يتسبب في انهيار اقتصادي، وفوضى، وأزمات أمنية وعسكرية".
لكن رغم دعوة البعض للهدوء والتريث في التعامل مع مثل تلك الأزمات، هناك أيضا من ينظر للأمر بصورة تبدو أكثر تشاؤما للمستقبل.
ومن مدينة نورمان في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، تعبر الباحثة في شؤون المناخ إليزابيث ليتمان، عن قلق متزايد من انتشار فيروس كورونا، وقد بدأت بالفعل في تقديم نصائح لمتابعيها على موقع تويتر.
وقالت ليتمان لبي بي سي: "هناك عدد من الأشياء الأساسية التي ينبغي لكل من يتأهب لمواجهة فيروس كورونا أن يحصل عليها"، وأشارت على سبيل المثال إلى أجهزة شحن الهواتف النقالة، والأجهزة الأخرى التي يمكن أن تعمل بالطاقة الشمسية، تحسبا لانقطاع التيار الكهربائي، بالإضافة إلى التحسب لانتشار الفوضى ونقص الطعام.
وأضافت قائلة: "يجب تأمين المياه بتخزين كميات كافية منها، وكذلك فلاتر تنقية المياه الملوثة، التي قد تصبح وسيلة النجاة الوحيدة مستقبلا، بالإضافة إلى المطهرات، والأدوية".
أما عن الغذاء، فأكدت أنها اشترت كميات كبيرة من الأطعمة التي لا تفسد سريعا، مثل المعكرونة، والأرز، والفاصوليا الجافة، والشوفان.
كما نصحت متابعيها بالاحتفاظ بالكثير من الفواكه المجففة، التي تمنح الطاقة وتمد الجسم باحتياجاته، والكثير من الأطعمة المعلبة التي يمكن حفظها لفترة طويلة.
مخاطر "التهويل"
وقد تعطلت الدراسة بشكل مؤقت في العديد من الدول التي انتشر فيها الفيروس، وتأجلت مباريات رياضية، ومؤتمرات علمية، ومهرجانات ترفيهية في العديد من دول العالم، كما عطلت الشعائر الدينية في كثير من الأماكن المقدسة. وفي مثل هذه المواقف، قد يجد البعض بيئة مناسبة لنشر الشائعات والخوف في المجتمع، مما قد يؤدي إلى تداعيات لا تحمد عقباها.
وترى لبنى فايق، أستاذة إدارة الأزمات والمخاطر في جامعة القاهرة، أن هناك ضرورة لوضع خطط عاجلة لمواجهة مثل هذه المواقف.
وقالت فايق لبي بي سي: "يجب الاستعداد للتعامل مع مثل هذه الموقف بهدوء وشفافية، من خلال وجود خطط إدارة الأزمة، حتى لا تكون تداعايات الموقف أخطر من المرض نفسه".
وتؤكد فايق على ضرورة التعامل مع مثل هذه الأزمة بمنهج علمي، "يعتمد بصورة أساسية على طمأنة الناس، وتوعيتهم، وتهيئتهم لاحتمالات انتشار الفيروس، مع سرعة الاستجابة لأي حالات قلق جماعي، أو مواقف قد تخرج عن السيطرة".
وتضيف فايق: "يجب أيضا التصدي للشائعات، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد لا تشكل الأزمات خطورة كبيرة في حد ذاتها، لكن طرق التعامل السيء معها، والشائعات التي تتزامن معها، قد تكون أكثر خطورة منها".
وهناك أيضا من يرى أن المبالغة في الدعوات إلى تخزين السلع وأدوات النظافة بهذا الشكل، ليس لها ما يبررها، وقد تؤدي إلى مزيد من القلق الذي يدفع الناس إلى ما يعرف بـ "هستيريا" الشراء.
ويرى محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن حالة "الخوف الهستيري" التي تظهر في مثل هذه المواقف معروفة، ويجب التعامل معها بشكل دقيق، حتى لا تتحول إلى "هستيريا جماعية" تضر جميع أفراد المجتمع.
وقال المهدي لبي بي سي :"إن هذا النوع من الهستيريا الجماعية يمكن فهمه في إطار علمي، وهو أن النفس البشرية لديها استعداد سريع للتعامل مع حالة الفزع والخوف الشديد، والتفكير بشكل عشوائي، وهذا قد يدفع إلى اتخاذ قرارات سريعة للخروج من المأزق بأي شكل".
وأضاف :"الخوف من أن يكون هناك خطر على البشرية موجود لدي كثيرين منذ عقود"، ومع ظهور وانتشار فيروس كورونا يشعر البعض أنهم ربما يواجهون "قاتلا مجهولا" يهدد بفناء البشر، وبالتالي فإن التأثير النفسي لذلك يتزايد بشكل ملحوظ.
ويرى المهدي أن الأمور يجب أن توضع في حجمها الطبيعي بعيدا عن التهويل، وخاصة عندما يواجه الناس مخاوف تتعلق بمستقبلهم.
فيديو قد يعجبك: