أنتوني فوتشي.. أمل الأمريكيين في وقف "مبالغات ترامب" ومحاربة كورونا
كتبت- رنا أسامة:
قبل ظهوره إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي لإعلان حالة طوارئ وطنية لمواجهة وباء "كوفيد 19" في 13 مارس الجاري، لم يكن مألوفًا بالنسبة لكثير من الأمريكيين وجه الدكتور أنتوني فوتشي، قائد فريق عمل البيت الأبيض في حربه الشرسة ضد الوباء الفتّاك الذي أصاب أكثر من 164 ألفًا وأودى بحياة 3170 شخصًا في الولايات المتحدة منذ 20 يناير الفائت.
لكن الباحث المُخضرم في فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، -الذي شارك في حروب وبائية على مدى الأربعين عامًا الماضية، وحتى عالج مرضى "إيبولا"- معروف بالنسبة لمسؤولي الصحة والساسة الأمريكيين؛ إذ يُدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية لأكثر من 5 عقود.
"صوت عقلاني للعلم"
انضم فوتشي (79 عامًا) إلى المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة في عام 1968، وكان يقود المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية منذ عام 1984.
ومنذ ذلك الحين، خدم في عهد 6 رؤساء أمريكيين بدءًا من الرئيس الأسبق رونالد ريجان حتى صار بمثابة "صوت عقلاني للعلم" وشخصية عامة لها ثُقلها، كما وصفته مجلة "ساينس ماج" العلمية الأمريكية في تقرير سابق. وحصل على وسام الحرية في عام 2008.
في 2011، قال لجمعية الأمراض المُعدية الأمريكية: "لقد عشت أعوامًا سعيدة نجحت خلالها في أن أجعل حياة الناس أفضل، حتى دخلت فترة تقترب من عقد من الأعوام المظلمة، حيث مات مُعظم مرضاي"، وفق تقرير سابق لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
من وباء "الإيدز" إلى جائحة "كورونا" المُستشرية في الولايات المتحدة، التي تتصدر دول العالم من حيث أعداد الإصابات، يبدو فوتشي مُدركًا تمامًا للدور الذي يلعبه في إدارة الرئيس ترامب، ومُلمًا بخطورة وتبعات أزمة الوباء العالمي الفتّاك.
وفي خِضم ذلك، يُعوّل على تصريحاته عديد من الأمريكيين المعزولين في منازلهم بسبب الجائحة، باعتباره "صوتًا للعقل والحكمة" في وقت تسود فيه حالة من عدم اليقين الراسخ.
"نجم تليفزيوني كبير"
في المقابل، يبدو أن ترامب لا يكترث كثيرًا لخبرات فوتشي كخبير طبي، إذ يُقيّم العاملين في إدارته بمعيار "الشهرة" وليس الأداء الوظيفي، ويصفهم بـ"النجوم"، لذا وصف فوتشي بأنه "نجم تليفزيوني كبير"، حسبما ذكرت صحيفة "الإندبنت" البريطانية في تقرير سابق.
لكن حينما يبدأ "نجوم ترامب" في سحب بُساط الشهرة وخطف الأضواء منه- كما يفعل فوتشي الذي يلتف حوله الأمريكيون الآن في الحرب ضد الوباء الفتّاك- ينقلب الوضع.
ففي الآونة الأخيرة أصبح خبير الأوبئة المُخضرم أكثر جرأة في تعامله مع الرئيس حينما يتعلق الأمر بتصحيح "أخطائه" في أزمة الفيروس التاجي التي يتخوّف ترامب من تداعيتها على فُرص إعادة انتخابه. وفي تلك الأثناء يحاول رسم سيناريوهات "أكثر وردية" من فوتشي.
ومع ذلك، فإن فوتشي في المقام الأول "طبيب" وليس مهتمًا بالسياسة على الإطلاق، الأمر الذي يدفعه في كثير من الأحيان إلى تقديم إفادات "صادمة" بشأن الجائحة التي تؤرّق قادة وشعوب العالم أجمع باستثناء القارة القطبية الجنوبية، قد تكون "أكثر قتامة" من التي يريد الرئيس الأمريكي تقديمها للعامة.
قبل يومين، قال فوتشي إن الولايات المتحدة سينتهي بها المطاف على الأرجح بتسجيل ملايين الإصابات بـ"كورونا"، مُحذرا من احتمالية ارتفاع حصيلة الوفيات على الأراضي الأمريكية من 100 ألف إلى 200 ألف في نهاية المطاف، وبتعرض البلاد إلى موجة ثانية من الوباء في الخريف، فيما يضغط فريقه الطبي بقوة على الرئيس ترامب لتمديد فترة التباعد الاجتماعي لشهر آخر لمواجهة تداعيات الوباء.
بفضل تلك الشفافية، يتمتع فوتشي بمصداقية كبيرة بين الصحفيين والديمقراطيين في الكونجرس، وهو ما يمثل -في الوقت الحالي- "حائط صد" لأي محاولة علنية لإقصائه عن الأزمة من قِبل ترامب، كما تُرجح "الإندبندنت".
"عُملة نادرة للصدق الصريح"
في السياق ذاته، وصفته شبكة "سي إن إن" الأمريكية في تقرير سابق بأنه "عُملة نادرة للصدق الصريح" داخل فرق عمل البيت الأبيض المعنيّة بمواجهة الفيروس التاجي القاتل.
وأشارت إلى أنه حاز على إشادة علنية من الرئيس ترامب الذي قال في مؤتمر صحفي قبل أسبوعين إن فوتشي "كان يؤدي عملًا هائلًا" و"يعمل لساعات طوال".
جاء ذلك بعد يوم من انتقاد فوتشي لنظام الفحص الأمريكي الخاص بكورونا، وإقراره لأعضاء من الكونجرس بأنه "لا يتسق تمامًا مع ما نحتاجه الآن"، في تناقض صارخ مع الرئيس ترامب الذي أصرّ على أن "الاختبارات تُجرى بسلاسة بالغة".
ومع ذلك، فإن خبير الأوبئة المُخضرم لا ينفك يجادل ترامب بأدب وبحزم ويدحض تصريحاته وتوقعاته بشأن "كورونا".
فحينما سُئل ترامب عن موعد إنتاج لُقاح جديد للفيروس خلال اجتماع مع الصحفيين في البيت الأبيض، وأجاب بأنه سيتوافر في غضون أشهر، سارع فوتشي الذي كان متواجدًا في الغرفة نفسها إلى تصحيح الإجابة على الفور: "اللقاح الذي تُصنّعه لتختبره خلال عام ليس لقاحًا قابلًا للنشر"، فيما قام ترامب بطيّ ذراعيه فيما بدت إشارة لشعوره بالإحراج، وفق السي إن إن.
ومضى فوتشي في إحراج ترامب. وقال للصحفيين: "إذن ينبغي أن يُطرح السؤال هكذا: متي يُمكن للقاح أن يكون قابلًا للنشر؟ وحينها فإن الإجابة: سيكون ذلك في أقرب وقت في فترة تستغرق من عام إلى عام ونصف العام".
وفي جلسة إحاطة أخرى، بدا فوتشي حادًا في ردوده حينما سأله أحد الصحفيين بشأن فعالية عقار الملاريا المُتاح على نطاق واسع كعقار مُحتمل للوباء، وقال: "الإجابة هي لا".
"مهمة عسيرة"
وأوضح بلكنة منطقة بروكلين المميزة أن "العلم لم يكن موجودًا حينها بعد"، مؤكدًا أن تلك التقارير "محض قصص"، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وفي وقت سابق، قال فوتشي لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية: "لا يجب أن تدمر مصداقيتك أبدًا. ولا تخوض حربًا مع رئيس... لكن عليك أن توازن بين مختلف الرؤى للتأكد من أنك تواصل قول الحقيقة".
بيد أن خبير الأوبئة المُخضرم تمادى لما هو أبعد من الجدال مع ترامب. وصرّح الأسبوع الماضي بانه "يتعاون مع أعضاء لجنة العمل لضمان إعلان ترامب معلومات دقيقة من المنصة عن كورونا"، موضحًا أن ذلك قد يكون "مهمة عسيرة".
وقال في مقابلة مع مجلة "ساينس" الأمريكية للعلوم: "لكن لا يمكنني القفز أمام الميكروفون وطرحه (ترامب) أرضًا. صحيح أنه قال معلومات خاطئة، لكن دعونا نحاول تصحيحها في المرة القادمة"، وذلك ردًا على سبب تقديم ترامب معلومات غير مُثبتة علميًا خلال المؤتمرات الصحفية اليومية التي يعقدها في البيت الأبيض لبحث تطورات الجائحة التي تخطت أعداد الإصابة بها 800 ألف عالميًا.
فيديو قد يعجبك: