كيف يستغل القادة "المُتعطشون للسلطة" كورونا لتعزيز نفوذهم؟
كتبت- رنا أسامة:
فيما تواصل جائحة فيروس كورونا المُستجد "كوفيد 19" شلّ حركة العالم، حاصدة أرواح عشرات الآلاف، قالت شبكة "سي إن إن" الأمريكية إن بعض الحكومات المُتعطشة للسلطة استغلّت تلك الجائحة لتشديد قبضتها وتعزيز نفوذها، مُتذرعة في ذلك بحماية أرواح مواطنيها ومواجهة تفشي الوباء الفتاك.
واستشهدت الشبكة الأمريكية في تحليلها المنشور على موقعها الإلكتروني، الأربعاء، بمشروع قانون تم تمريره قبل يومين في المجر يمنح رئيس الوزراء فيكتور أوربان سلطة الحكم بمرسوم - إلى أجل غير مُسمى.
بموجب ذلك المشروع، تُخول إلى رئيس الوزراء المجري سلطة مُعاقبة الصحفيين في حال وجدت الحكومة أن التقارير الصحفية بشأن الجائحة غير دقيقة، ويُسمح لحكومته بتوقيع أشد العقوبات على المواطنين في حال انتهكوا قوانين الإغلاق. كما يُمنع أيضًا إجراء أية انتخابات أو استفتاءات أثناء سريان تلك التدابير.
- "الانتزاع الأكثر فظاظة"
الأمر الذي قاد إلى دعوات للاتحاد الأوروبي من أجل التحرك، وصلت إلى حدّ اقتراح رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي بطرد المجر من التكتّل إذا لم تتراجع عن تلك الإجراءات- وهو أمر ليس بالسهل تنفيذه.
ويُعد تحرك رئيس الوزراء المجري أوربان لانتزاع السلطة الأكثر فظاعة- بحسب السي إن إن- خلال ذلك الوباء. ومع ذلك، استغل قادة أقوياء آخرون فُرصة الجائحة للاستيلاء على مزيد من السلطات.
في الفلبين، سارع الرئيس رودريجو دوتيرتي -وهو رجل يدأب على اعتقال منتقديه وتفاخر في وقت سابق بقتله شخصيًا لمُجرمين مُشتبه فيهم خلال فترة عمله رئيسًا لبلدية مدينة دافاو- لإحكام قبضته على سلطات الطوارئ، ما منحه سيطرة أكبر على الخدمات العامة.
- "التتبع الإلكتروني"
وفي وقت سابق من الشهر الماضي، واجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي انتقادات بعد أن وافقت حكومته على تتبّع مرضى "كوفيد 19" إلكترونيًا، عبر تقنية استُخدِمت في مكافحة الإرهاب.
يسمح التتبع الإلكتروني الإسرائيلي لمرضى "كوفيد 19" لوكالة الأمن الإسرائيلية (شين بيت) بمراقبة المواطنين باستخدام أرقام الهوية الوطنية وأرقام الهواتف.
ودافع نتنياهو عن الموافقة على ذلك التشريع لتمريره دون إشراف برلماني، زاعمًا أن "الفيروس ينتشر بوتيرة هائلة، وقد يؤدي التأخير، حتى ولو لساعة واحدة، في وفاة عديد من الإسرائيليين".
ولاحقًا، أقرّ الكنيست الإسرائيلي استخدام تقنية التتبع لمراقبة مرضى الفيروس التاجي، وكلّف بتلقي تقارير منتظمة حول كيفية استخدام المعلومات التي يتم جمعها.
نتنياهو ليس القائد الوحيد، بالطبع، الذي يوظّف التكنولوجيا لتعقّب المواطنين خلال أزمة الوباء. ففي روسيا، تستخدم السلطات تقنية التعرّف على الوجه لقمع المواطنين الذين ينتهكون الحجر الصحي والعزل الذاتي.
وفي وقت سابق من الشهر الفائت، زعمت شرطة موسكو أن نظام التعرف على الوجه في روسيا ساهم في اعتقال وتغريم 200 شخص انتهكوا قواعد الإغلاق، في رسالة قوية يمكن أن تجد صداها بالنسبة للمواطنين في وقت الأزمات.
ومن كوريا الجنوبية إلى أوروبا الغربية، تستخدم الحكومات المُنتخبة ديمقراطيًا أدواتًا رقمية لتعقّب مكان تواجد مرضى "كوفيد 19"، ومراقبة مدى امتثال المواطنين لإجراءات التباعُد الاجتماعي، بحسب السي إن إن.
ومع أن تحركات كهذه تُثير بطبيعة الحال مخاوف من تجاوزات وانتهاكات سياسية قد تصدر عن القادة، لكنها تُثير أيضًا تساؤلات حول سيناريوهات ما بعد انتهاء هذا الوباء.
وفي هذا الصدد، اعتبرت الشبكة الأمريكية أن القلق الحقيقي الآن يكمن في أنه وبينما يتكيّف العالم مع الوضع الجديد في ظل أزمة الوباء، يُصبح المواطنون "مُخدّرين" وأكثر تساهلًا مع التدابير التي كانوا يعتبرونها ذي قبل مُشددة وغير عادية.
- "نافذة التجاوزات تتسع"
وقال بريان كلاس، أستاذ السياسات الدولية المُساعد بكلية لندن الجامعية: "خلال الأزمات، فإن النافذة التي يُمكن للحكومات من خلالها أن يفعلوا ما يحلوا لهم من تجاوزات أو أخطاء دون أن يلقوا مُساءلة من قِبل المواطنين، تميل إلى الاتساع".
في الدول ذات التقاليد الديمقراطية المُتجذرة، يمكن مُساءلة الحكومات بشكل أفضل يضمن للمواطنين أن تكون هذه السلطات "استثنائية" حقًا وقابلة للمراجعة. وهو الأمر الذي يستعصى تحقيقه قليلًا في البلدان التي تُقوّض المبادئ الديمقراطية، مثل المجر، وفق السي إن إن.
ومن ثمّ، فإن مشكلة الأنظمة الهشة في دول مثل المجر تكمن- من وجهة نظر كلاس- في تقويضها الديمقراطية لفترة طويلة حتى بات "أمرًا طبيعيًا جديدًا"، وتمضي قُدمًا في ترسيخه، لاسيّما خلال الأزمات، حيث يهرع المواطنون إلى القادة.
بيد أن هذا الأمر لا يسري في المجر وحسب. ففي كتاب "المستقبل آسيوي"، أوضح مؤلفه الهندي الأمريكي باراج خانا أن "السُلطويين الجدد الذين يستغلون الأغلبية الديمقراطية، مثل دوتيرتي في آسيا وأوربان في أوروبا، منحوا أنفسهم في السنوات الأخيرة (الحق في الحكم بمرسوم)".
وفي حين تبدو الإجراءات التي يتخذها هؤلاء "السلطويين الجُدد" لمواجهة الوباء متطرفة، لكنها قانونية إلى حد كبير، وتتواءم في عديد من الحالات مع تحدّي الفيروس التاجي الفتاك. وهو ما يضع قادة الأنظمة الديمقراطية الأقوى في موقف صعب.
"شيك على بياض"
يقول نيك تشيزمان، أستاذ الديمقراطية في جامعة برمنجهام البريطانية: "على القادة الديمقراطيين أن يتجنبوا إصدار أي بيان ينتقد تصرفات القادة الآخرين التي قد تقلل من أهمية الوباء". "لكن صمتهم الآن يخاطر بتسليم القادة المُستبدين (شيك على بياض) لصرفه لاحقًا".
الأسوأ من ذلك خلال الوباء، وفق السي إن إن، أن القادة الأقوياء يُمكن أن يفرضوا إجراءات "استثنائية" بالتزامن مع إجراءات مُشابهة في دول مثل بريطانيا وإيطاليا، لتبدو في النهاية إجراءات "أكثر طبيعية".
يقول شيزمان: "الشيء المقلق خلال الأزمة هو أن القادة ذوي الغرائز الاستبدادية يمكنهم الادعاء بأنهم يفعلون فقط ما تفعله بعض الديمقراطيات الراسخة".
ولكن وبينما يُتوقع أن ترفع الديمقراطيات القوية في نهاية الأزمة هذه الإجراءات، سينكشف الوجه القبيح للقادة المُتعطشين للسلطة، بحسب السي إن إن.
"ذئاب في ملابس أغنام"
في مرحلة ما، ستنتهي تلك الأزمة وسينعم المواطنون في كافة أنحاء العالم بالحرية في مغادرة منازلهم. ومع ذلك، أصبح من الواضح للغاية أن العالم بعد الوباء سيختلف كليًا عن سابقه.
ومع ذلك، شدد خانا على أنه "لا ينبغي الخلط بين القادة الأقوياء أو المستبدين المنتخبين أبدًا مع التكنوقراط المهووسين ... إنهم ذئاب في ملابس الأغنام".
وأشارت الشبكة إلى أن الأزمات العالمية اعتادت أن تخلق "عوامل تشتيت" يُمكن للقادة استغلالها من أجل إحكام قبضتهم على السلطة.
وفي ظل الأزمة الحالية، أصبح العالم الآن مرتعًا لكثير من القادة المُتعطشين للسلطة. وليس من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون وباء كورونا "خبرًا سيئًا" بالنسبة للديمقراطية وقادتها.
فيديو قد يعجبك: