هل يقود فيروس كورونا إلى تغير يقضي على تباين الخدمات الصحية في تونس؟
أقرّ وزير الصحة التونسي، عبد اللطيف المكي، أمام مجلس النواب الأسبوع الماضي، بأنّ الدولة لم تشيّد أيّ مستشفى جامعي خلال آخر عقدين من الزمن، باستثناء مركز صحّي كبير خاصّ بالمصابين بالحروق البليغة، بُني ببن عروس، جنوب تونس العاصمة، عام 2008، وحمل اسم محمد البوعزيزي، الشاب الذي أضرم النار في نفسه، نهاية عام 2010، ليطلق شرارة ثورة شعبية أطاحت لاحقا بالرئيس التونسي الراحل، زين العابدين بن علي.
وانتشر، بشكل واسع، مقطع فيديو لمديرة المركز الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، نصاف بن علية، تحثّ فيه التونسيين على ضرورة الالتزام بالحجر الصحي العام الذي فرضته الحكومة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
وركزت السلطات الصحية التونسية استراتيجيتها للتصدي لفيروس كورونا على الجانب الوقائي، إذ رفعت درجة استعدادها إلى الثالثة على سلم من خمس درجات، على الرغم من أنها في الدرجة الثانية فعليا، الأمر الذي يبدو إقرارا بأنّ الجانب الاستشفائي قد يكون أكثر تعقيدا بالنظر لمحدودية البنية التحتية الصحية في البلاد.
وقال رئيس الحكومة التونسية، إلياس الفخفاخ، إن "الدواء الحقيقي يكمن في مدى احترام أبناء الشعب للحجر الصحي الشامل للحدّ من انتشار هذا الفيروس".
وأضاف الفخفاخ، في أعقاب زيارة ميدانية للمراكز الصحية في مدينة صفاقس، جنوبي البلاد، أن "كلّ التجهيزات والأدوات الوقائية متوفرة في كامل جهات الجمهورية استعدادا لكل السيناريوهات المحتملة".
فوارق شاسعة بين الولايات
ويستند الجانب الاستشفائي في التعاطي مع فيروس كورونا أساسا إلى خدمات الإنعاش والعناية المركزة، وهو ما يمثل الحلقة الأضعف في المؤسسات الصحية المملوكة للدولة.
ويضاف إلى ذلك التوزيع غير العادل لهذه الخدمات على مستوى الولايات، إذ تكشف رسالة دكتوراه، نشرت بداية العام الجاري، أن لتونس 331 سرير إنعاش فقط في المستشفيات الحكومية وتتوزع على 11 ولاية من أصل 24، جميعها في المناطق الساحلية أو المناطق المتاخمة لتونس العاصمة.
ويشير أمين حمّاص، صاحب رسالة الدكتوراه، إلى أنّ معدّل أسرّة الإنعاش في تونس لكلّ 100 ألف ساكن هو 3 أسرة، مقابل 7.9 في اليابان و 1.6 في سريلانكا. لكنّ هذا المعدّل ينهار إلى الصفر في الولايات الداخلية والجنوبية، عدا صفاقس، حيث يوجد 30 سريرا.
ويعكس هذا التفاوت انهيار المنظومة الصحية في البلاد، خلال العقود الأخيرة. وتقول مديرة مكتب منظمة "إنترناشيونال ألرت" بتونس، ألفة لملوم، لبي بي سي إن تونس شهدت بعد الاستقلال، عام 1956، توزيعا مقبولا لمراكز صحية توفر الاحتياجات الأساسية قبل أن تتراجع بشكل مخيف عن ضمان الحدّ الأدنى من الخدمات، انطلاقا من ثمانينيات القرن الماضي، جراء سياسات التقشف والتوجه نحو الخصخصة.
وتضيف لملوم أن السنوات الأخيرة شهدت استثمارا هائلا من القطاع الخاصّ في "خدمات طبّية تقدم للطبقات الاجتماعية المرفّهة في تونس إضافة للأجانب، يتقدّمها طبّ التجميل"، مقابل تعاظم المشاكل الهيكلية للقطاع الصحي العامّ.
دعم دولي
وأقرّ الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، منح تونس 250 مليون يورو، تقدم في شكل هبات "لدعم ميزانية الدولة في إطار الجهود التي تقودها الحكومة التونسية لمحاربة فيروس كورونا والحد من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية"، بالإضافة إلى "مضاعفة حجم دعم قطاع الصحة ثلاث مرات، من 20 مليون يورو إلى 60 مليون يورو ليغطي كامل ولايات الجمهورية عوضا عن 13 ولاية".
وتشير لملوم إلى ضرورة "تطوير قدرات المؤسسات الاستشفائية في تونس بشكل يمكنها من الاستجابة لمتغيرات الطلب الناتج عن التطورات العلمية".
وكانت منظمة "إنترناشيونال ألرت" قد أوصت، عام 2018، بــ "تلبية النسبة الأكبر من احتياجات السكان الصحية وإتاحتها لهم بشكل ميسر قريبا من أماكن سكنهم وبصفة ناجعة وملائمة لأوضاعهم، وبشكل خاص عندما يتعلق الأمر بذوي الاحتياجات المتكررة، كالأطفال والسيدات والأمهات والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة"، وذلك في أعقاب دراسة ميدانية شملت ولاية تطاوين، في أقصى الجنوب التونسي.
وأوضحت لملوم أن البون الشاسع بين الولايات في قطاع الصحة ليس بمعزل عن الفوارق العميقة فيما يتعلق بخدمات الماء والكهرباء والنقل والتعليم، معبرة عن أملها في أن تعجل أزمة كورونا بتغيير جذري في سياسات الدولة بشكل يحقق الحدّ الأدنى من العدالة والتكافؤ بين مختلف المناطق التونسية.
فيديو قد يعجبك: