"انتصروا على خوفكم".. كيف تنتهي الأوبئة ومن ينتصر في النهاية؟ مؤرخون يجيبون
كتب - محمد صفوت:
على مدار تاريخ البشرية ضربت الأوبئة بقوة وعنف الإنسان مخلفة ورائها ملايين القتلى، لكنها في النهاية تنتهي. وبأكثر من طريقة كُتبت نهاية الأوبئة واستمرت البشرية في دربها نحو التطور والتنمية.
تحت عنوان "كيف انتهت الأوبئة؟" سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على تاريخ الأوبئة التي وثقها التاريخ وكيف انتهى بها الحال، مستندة لأقوال المؤرخين الذين عاصروا تلك الأوبئة.
ووفقًا للمؤرخين، فإن للأوبئة نوعان من النهايات، الطبي والذي يحدث عندما تنخفض معدلات الإصابة والوفيات، والاجتماعي عندما يتلاشى وباء الخوف من المرض.
ويقول الدكتور جيريمي جرين، مؤرخ الطب بجامعة جونز هوبكنز: "عندما يسأل الناس متى سينتهي هذا؟ فإنهم يسألون عن النهاية الاجتماعية".
الأمر الذي يؤيده آلان برانت مؤرخ في جامعة هارفارد، الذي يرى أن نهاية الوباء تحدث ليس بقهره بل بتعلم الناس التعايش معه، حيث أن الحديث عن فتح الاقتصاد يعتمد على نهاية الوباء من خلال المجتمع السياسي وليس استنادًا إلى بيانات طبية.
وترى المؤرخة في جامعة إكستر دورا فارجا، إنه بالنظر إلى القصص السابقة في التاريخ فإن الوباء ينتهي من عدم الخوف منه، وكثيرًا ما كان الخوف أخطر من الوباء نفسه.
في نفس الصدد روت الدكتورة سوزان مواري من الكلية الملكية للجراحين في دبلن، قصة بهذا الشأن حدثت في مستشفى ريفي في أيرلندا التي كانت تعمل بها في ٢٠١٤، حيث توفي أكثر من ١١ ألف شخص، بسبب الإيبولا في غرب أفريقيا، وبدا أن الوباء يتضاءل، ولم تحدث أي حالات في أيرلندا لكن خوف الناس كان ملموسًا.
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى مقال للدكتور مواري، نشر في مجلة"نيو إنجلاند" الطبية، تقول خلاله: "في الشارع وفي الأجنحة، الناس قلقون، إن الحصول على لون بشرة خاطئ يكفي لنشر الذعر بين الركاب في الحافلة أو القطار".
وتتابع: "عندما وصل مريضًا بالإيبولا إلى مستشفى دبلن، انتشر الرعب بين الناس والمرضى، ولم يرغب أحد في الاقتراب منه؛ اختبأت الممرضات وهدد الأطباء بمغادرة المستشفى".
أقدمت مواري، على علاجه لوحدها، ومات بعد ساعات قليلة من وصوله، بعد ذلك عرفنا أنه لم يكن مريضًا بالإيبولا، وأعلنت منظمة الصحة العالمية بعد ٣ أيام من وفاته انتهاء هذا الوباء.
وكتبت موراي: "إذا لم نكن مستعدين لمحاربة الخوف والجهل بنفس قدر نشاطنا وبتفكيرنا كما نكافح أي فيروس آخر، فمن الممكن أن يؤدي الخوف إلى إلحاق ضرر فادح بالأشخاص الضعفاء، حتى في الأماكن التي لا ترى حالة واحدة أبدًا، من العدوى أثناء تفشي المرض، ويمكن أن يكون لوباء الخوف عواقب أسوأ بكثير عندما يكون معقدًا بسبب قضايا العرق والامتياز واللغة ".
الموت الأسود والذكريات المظلمة
على مدار ألفين عام ضرب الطاعون مجتمعات عدة، وقتل الملايين وغير مسار التاريخ، وأصبح الخوف الذي رافقه مضاعفًا، ويتضاعف أكثر مع كل وباء يضرب البشرية.
وينجم المرض عن سلالة من البكتيريا "يرسينيا بيستيس" تعيش على البراغيث التي تعيش في الفئران.
الطاعون الدبلي، الذي يعرف بالموت الأسود، يمكن أن ينتقل من مصاب إلى شخص آخر من خلال قطرات الجهاز التنفسي، لذلك لا يمكن القضاء عليه ببساطة عن طريق قتل الفئران.
أوبئة العصور الوسطى
تقول ماري فيسيل مؤرخة في جامعة جونز هوبكنز، إن طاعون جستنيان الذي ظهر لأول في القرن السادس كان له ثلاث موجات مختلفة، والثانية في القرن الرابع عشر، والثالثة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
قتل الطاعون في القرن الرابع عشر، نصف سكان الصين وثلث سكان أوروبا، ويقول المؤرخ أنجولو دي تورا الذي عاصر الوباء: "من المستحيل أن يروي الإنسان حقيقة هذا الوباء ومشاهده المروعة، دفنا الموتى في حفر وأكوام".
ويقول آخر: "الناس تأقلموا على الوضع، يسكرون ويمارسون رغباتهم المكبوتة ويتجاهلون الأمر كمزحة هائلة".
لم يرحل الطاعون بعد، ففي الولايات المتحدة تنتشر العدوى بين كلاب البراري في جنوب غربي البلاد، ويمكن أن تنتقل إلى الناس، بحسب ما يؤكد الأطباء، والناس اليوم لم يتحدثوا عنه أو يخافون منه.
وليس واضحًا ما السبب في التأثير الضعيف للطاعون في يومنا الحالي، فهناك فرضيات لم تثبت علميًا بينها أن الطقس البارد قتل البراغيث التي تعيش على الفئران، أو أن الفئران التي تحمل الوباء تغييرت، أو أن البكتيريا المسببة له أصبحت أقل شراسة.
الجدري والانتصار باللقاح
الجدري من بين الأوبئة التي انتصر عليه الطب، بتوفير لقاح فعال ضده، رغم استمراره لأكثر من ٣ آلاف عام، كما أن الفيروس ليس حيوانيا، وبالتالي فإن القضاء عليه لدى البشر يعني موته تمامًا.. فضلا عن أعراضه واضحة.
وفي عام ١٩٧٧، سجلت آخر إصابة بالجدري بشكل طبيعي لشخص يدعى علي ماو مالين، طاهي بمستشفى في الصومال، وتعافى من المرض ليموت لاحقًا بسبب الملاريا في عام ٢٠١٣.
وقال المؤرخ في جامعة هارفارد، الدكتور ديفيد جونز، في عام ١٦٣٣، إن "الوباء شل حركة المجتمعات الأصلية في الشمال الشرقي من أمريكا".
وكتب ويليام برادفورد، زعيم مستعمرة بليموث آنذاك، قائلاً: "كان إذا ما جلس أحد المرضى على حصيرة، تلتصق البثور التي تملأ جسمه بالحصير، ومن ثم يبدأ ينزف دما".
الإنفلونزا المنسية
في عام ١٩١٨، قتلت من ٥٠ إلى ١٠٠ مليون شخصًا حول العالم، ولم تنتهي بعد لكنها تطورت وأخذت شكلاً يمكننا التعايش معه.
وفي خريف عام ١٩١٨، أرسل الطبيب البارز ويليام فوجان، إلى معسكر ديفينز، وكتب إنه رأى المئات يموتون وأن الفيروس كشف النقص في الاختراعات البشرية في تدمير الحياة البشرية.
وتلت ذلك أوبئة إنفلونزا أخرى، ولم يكن هناك شئ سيئ للغاية.
كيف سينتهي وباء كورونا؟
يقول المؤرخون إن أحد الاحتمالات هو أن جائحة كورونا يمكن أن تنتهي اجتماعيًا قبل أن تنتهي طبيًّا، قد يمل الناس من القيود ويبدأون في ممارسة حياتهم مع انتشار الوباء وعدم العثور على لقاح أو علاج فعال.
وقالت مؤرخة جامعة ييل نعومي روجرز: "أعتقد أن الخوف المصاحب للوباء من القضايا النفسية الاجتماعية التي تؤدي إلى الإرهاق والإحباط، سنصل إلى اللحظة التي يقول فيها الناس، كفى أريد العودة إلى حياتي الطبيعية".
وهذا يحدث بالفعل في بعض الولايات، رفع المحافظون القيود، مما سمح بإعادة فتح صالونات تصفيف الشعر والصالات الرياضية، في تحدٍ لتحذيرات مسؤولي الصحة العامة من أن مثل هذه الخطوات سابقة لأوانها.
ويقول الدكتور روجرز، إن هناك صراعًا حول من سيقرر النهاية؟ هذه أزمة لا تنتهي، مضيفًا أن محاولة تحديد نهاية الوباء ستكون عملية طويلة وصعبة.
فيديو قد يعجبك: