"حرب اللقاحات" تشتعل بين الكبار.. وتساؤلات في مصر وبقية العالم: متى يصلنا؟
كتبت- رنا أسامة:
لم تكُد تنطفئ نيران حرب الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي التي أشعلتها جائحة فيروس كورونا المُستجد، بينما تواصل حصد عشرات آلاف الأرواح حول العالم، حتى نشبت حرب جديدة سمّمت العلاقات بين كُبريات الدول- هذه المرة على اللقاحات، وسط مخاوف من توزيعها بشكل غير مُنصِف حال توافرها الذي لا يزال موعده في غياهب المجهول.
استعرت "حرب اللقاحات" بين أمريكا وأوروبا والصين بعد تصريحات لمجموعة "سانوفي" الفرنسية لصناعة الأدوية، وقبلها شركة "كيور فاك" الألمانية، حملت تلميحات إلى منح الولايات المتحدة "الأولوية" في الحصول على اللقاح، وسط اتهامات أمريكية بمحاولة الصين سرقة أبحاث تتعلق بـ"لُقاح كورونا"، نفتها بكين لاحقًا.
في خضم ذلك التنافس والصراع حامي الوطيس بين كبار العالم، يقف بقية العالم خاصة الفقراء منه ينتظرون. أيضا في مصر، أكبر دولة عربية سكانا، يتساءل كثيرون أيضا متى وكيف يصلها اللقاح متى أكتشف.
متى يصل اللقاح مصر؟
في خِضم تلك الحرب ومع تسابق الحكومات والشركات لتطوير "لقاح كورونا"، قالت الصين إن مصر ستكون من أولى الدول التي سترسل لها ذلك اللقاح فور توصلها إليه، لما يربط البلدين بعلاقة أخوية قوية، حسبما صرّح الوزير المفوض للسفارة الصينية في القاهرة، لي دونج، الشهر الماضي.
وتوقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى لقاح فعال قبل نهاية العام الجاري، لكن يعتقد معظم الخبراء أن الأمر قد يستغرق حتى منتصف 2021 حتى يصبح اللقاح متاحًا ويثبت نجاعته. كما توقعت الوكالة الأوروبية للأدوية توافره خلال عام "في أفضل السيناريوهات".
ويجري حاليًا تطوير أكثر من 100 لقاح مُحتمل للفيروس التاجي المُسبب لمرض "كوفيد 19". وبحسب معهد النظافة والطب الاستوائي في لندن، أجرى أقل من 10 مختبرات حتى الآن تجارب سريرية، بينهم مُختبر "سينوفاك بايوتك" الصيني الذي أكد استعداده لإنتاج 100 مليون جرعة سنويًا لمكافحة الوباء المستشري منذ 5 أشهر في جميع أنحاء العالم منذ انطلاقه من مدينة ووهان الصينية أواخر العام الفائت.
وبحسب فرانس برس، تفوّق "سينوفاك" الصيني في 2009 على منافسيه ليصبح الأول في العالم الذي يطرح في الأسواق لقاحًا ضد فيروس "إتش 1 إن 1" المعروف باسم "إنفلونزا الخنازير".
وفي منشآته الضخمة في شانجبينج بالضاحية الكبرى للعاصمة بكين، يدقق العاملون في المختبر في نوعية اللقاح التجريبي الذي يحتوي على مسببات مرض خاملة تم إنتاج آلاف نسخ منها. ووضع في علبة بيضاء وحمراء يحمل اسم "لقاح كورونا".
وأكد المختبر الذي تأسس عام 2001 توصله إلى نتائج مشجعة لدى القرود قبل أن يختبر اللقاح للمرة الأولى على 144 متطوعًا في منتصف أبريل الماضي، لكنه لم يكشف بعد موعد طرح ذلك اللقاح في الأسواق.
وفيما لم يُتوافر بعد لقاح ناجع وسط مخاوف من عدم إمكانية الوصول إليه بالنظر إلى وجود عدة فيروسات لم ينجح العلماء في تطوير لقاحات ضدها إلى الآن مثل "الحصبة"، يُنتظر استخدام العقار الأمريكي "ريمديسيفير" في مصر ضمن بروتوكولات علاج كورونا، كما أعلنت في وقت سابق الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان.
وحجزت مصر دُفعة أولى من ذلك العقار المُعتمد من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية، بعد تجارب سريرية ناجحة أكدت أنه ساعد على تعافي مرضى "كوفيد 19" ممن في حالات متقدّمة على في وقت أسرع.
"أمريكا أولًا؟"
وفي خِضم السباق الدولي المحموم حول الحصول على "لقاح كورونا" المُنتظر، شدّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس على أهمّية التوزيع العادل للأدوية واللقاحات.
وقال إن العلماء يعملون بسرعة مذهلة، لكن "نماذج الأسواق التقليدية لن تقدم الأدوية بالقدر اللازم لتغطية احتياجات العالم بأكمله". فيما شدد أكثر من 140 شخصية، بينهم رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في رسالة مفتوحة، على أن اللقاح أو العلاج يجب أن "يُتاح مجانًا للجميع".
يأتي ذلك على خلفية إعلان المدير العام لمجموعة "سانوفي" أن شركته ستؤمّن للولايات المتحدة "أولًا" اللقاح حال التوصل إليه، بدعوى أن "هذا البلد استثمر ماليًا لدعم الأبحاث التي تقوم بها شركة الصيدلة العملاقة".
وقال بول هادسن في مقابلة مع وكالة "بلومبرج" الأمريكية قبل أيام إن الولايات المتحدة "تملك حق الحصول على الطلبيات المسبقة الكبرى لأنها استثمرت في الشركة وتحملت مخاطر اقتصادية".
الأمر الذي أثار عاصفة استياء عارمة في فرنسا خرج على إثرها الرئيس إيمانويل ماكرون بتصريحات غاضبة يُشدد من خلالها على أن اللقاح المُحتمل "يجب أن يكون سلعة عامة عالمية وألا يخضع لقوانين السوق".
كما سارع رئيس الوزراء إدوار فيليب للاتصال برئيس مجلس إدارة الشركة سيرج وينبرج، ليؤكد على أن "الوصول العادل للجميع إلى اللقاح أمر غير قابل للتفاوض". ووصفت سكرتيرة الدولة للاقتصاد أنييس بانييه روناشير الأمر بأنه " غير مقبول".
"تصريحات مُحرّفة"
وبعد 24 ساعة من التصريحات التي أثارت ثائرة المسؤولين الفرنسيين على أعلى المستويات، أعلن رئيس مجلس إدارة سانوفي أن تصريحات الرئيس التنفيذي للشركة "تم تحريفها".
وقال واينبيرج: "سأكون واضحا بشدة، لن تكون هناك أولوية لأي دولة"، مُضيفًا: "نحن منظمون ولدينا عدة وحدات تصنيع. بعضها في الولايات المتحدة لكن الكثير منها في أوروبا وفرنسا".
وكذلك، أكّد المدير الفرنسي للمجموعة الدوائية العملاقية، أوليفييه بوجيلو، أن الأولوية لن تمنح للأمريكيين، إن أثبت الاتحاد الأوروبي أنه على الدرجة نفسها من "الفاعلية" لتمويل تصنيع اللقاح المُنتظر والمرجو عالميًا.
وقال بوجيلو إن "الهدف هو أن يكون اللقاح متوفرا في الولايات المتحدة وفي فرنسا وفي الاتحاد الأوروبي بالطريقة نفسها". وأضاف أن ذلك سيكون ممكنا "إذا عمل الأوروبيون بالسرعة نفسها التي يعمل فيها الأمريكيون"، وفق فرانس برس.
قبل سانوفي، عاشت شركة "كيور فاك" الألمانية تجربة مماثلة في مارس الماضي. فقد تقربت منها إدارة ترامب للانفراد باللقاح مقابل مبالغ مالية لم يكشف عنها، بعد أن أعلنت احتمالية توافر اللقاح في الخريف القادم. لكن الشركة أصرّت على نفي ذلك وأكدت أنها لم تتلق أي عروض من الولايات المتحدة لشراء أسهمها.
ومنذ ذلك الحين، نظّمت واشنطن مشروعًا لتطوير لقاح لكورونا أطلقت عليه "عملية الالتفاف السريع"، ما أثار مخاوف أوروبية من احتكار الولايات المتحدة للقاح المُنتظر، دون بقية العالم.
"تمويل دولي"
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعًا دوليًا عبر الإنترنت لدعم جهود التوصل للقاح لكورونا.
وتعهد المشاركون في الاجتماع، الذي نظمته بريطانيا وغابت عنه الولايات المتحدة وروسيا، بتوفير 8 مليارات دولار من 40 دولة لدعم جهود التوصل إلى لقاح وعلاجات للوباء.
وقال الاتحاد الأوروبي إن 4.4 مليار دولار من الأموال التي تم جمعها، ستُستثمر لتطوير اللقاحات، في حين سيُخصص ملياري دولار للبحث عن علاج، و1.6 مليار دولار لإجراء الاختبارات.
ويُتوقع أن تبدأ التجارب السريرية لأي لقاح للوباء في النصف الثاني من العام الجاري، وهو ما يعني أن "عدم إتاحة أي لقاح بشكل اقتصادي قبل النصف الثاني من عام 2021".
فيديو قد يعجبك: