إعلان

فيروس كورونا: "حرب باردة" أمريكية-صينية في القارة الأفريقية

06:54 م الأربعاء 10 يونيو 2020

فيروس كورونا

لندن - (بي بي سي)
في الوقت الذي تستعد فيه أفريقيا لمواجهة قفزة كبيرة في أعداد المصابين بفيروس كورونا وتتبارى كل من الصين والولايات المتحدة أنها أكبر داعم للقارة السمراء هناك ما هو أكثر من التنافس بين القوتين العظمتين على من يكون السباق في تقديم المساعدة في مواجهة هذه الجائحة.

أصر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على أنه "لن تنافس أي دولة ما تفعله الولايات المتحدة" فيما يتعلق بدعم الحرب ضد فيروس كورونا في أفريقيا. بل وذهب أبعد من ذلك ليقول أنه "ما من دولة سابقاً أو مستقبلاً ستجارينا في الدعم الذي نقدمه خدمة للصحة العالمية".

كان بومبيو يتحدث في مؤتمر صحفي عبر الهاتف مع مجموعة صغيرة من الصحفيين الأفارقة والمقيمين في إفريقيا وكنت من بين الحاضرين.

خلال تلك الفترة في الشهر الماضي لفت نظري فقرة "لا توجد دولة تفعل أكثر منا على الإطلاق" في كلمة بومبيو ومثل هذا التبجح بات شيئاً مألوفا الآن في اسلوب خطابات إدارة ترامب. من الواضح أن كلمة بومبيو كانت محاولة لتحسين سجل بلاده في أعقاب قرار واشنطن بتحويل إدارة ظهرها لمنظمة الصحة العالمية (WHO) في ذروة الأزمة الصحية العالمية الراهنة.

ومما يلفت الإنتباه أن تبجح واشنطن بالتبرع بمبلغ 170 مليون دولار اضافي للدول الافريقية على شكل مساعدات بالكاد تجاوز ما تبرع به ملياردير صيني واحد للقارة، الا وهو جاك ما.

ولكن قبل بضعة أيام رأيت مقالأ عن إفريقيا في وسيلة إعلام صينية تسيطر عليه الدولة، صحيفة جلوبال تايمز وتذكرت كلام بومبيو وادهشني مدى تحول إفريقيا إلى جزء أو زاوية صغيرة وربما ساحة معركة جديدة للحرب الباردة بين واشنطن وبكين.

وكما كان الحال اثناء الحرب الباردة سابقاً، فإن أي أزمة مفاجئة على غرار أزمة فيروس كرورنا، تتحول حتماً الى ما يشبه حرباً بالوكالة بين الطرفين.

"فشل التعددية السياسية في الأنظمة الديمقراطية"

افتخرت الصحيفة الصينية بـ "النظام السياسي المتين" في الصين الذي أثبت جدارته خلال مواجهة جائحة فيروس كورونا في الصين.

وذهبت أبعد من ذلك وجادلت بأن الوقت قد حان لكي تتخلص الدول الأفريقية من تجربتها الفاشلة مع الديمقراطية الغربية القائمة على تعددية الأحزاب وهي تجربة لم تنتج سوى عدم المساواة والانقسامات العرقية والدينية والعنف و "تدمير الأرواح والممتلكات" حسب قولها.

وبدلاً من ذلك يجب أن تسير أفريقيا على خطا الصين وتتبنى نظام دولة الحزب الواحد.

وبعد ذلك بوقت قصير صادفت مقالاً آخر في صحيفة صينية أخرى تسيطر عليها الدولة ، تشاينا ديلي وتصدر باللغة الانكليزية واشادت الصحيفة ما اسمته بـ "تأثير الدومينو" لـ "مبادرة الحزام والطريق" الصينية الطموحة في إفريقيا، وهي خطة عملاقة للاستثمار وانشاء البنية التحتية بهدف تسريع انعاش القارة وخلاصها من "قرون من العبودية والاستعمار والسيطرة الاستعمارية الجديدة وحالياً فيروس كورونا".

رد بومبيو على ذلك بلغة غير دبلوماسية بقوله إن الحزب الشيوعي الصيني "يحمل القارة الافريقية ديوناً هائلة وبشروط مجحفة لا تصدق ومن شأنها أن ترهق كاهل الشعوب الأفريقية لفترة طويلة".

بعد بضعة أيام شاركت في حلقة نقاش حول العلاقات الصينية الأمريكية في إفريقيا التي وصفها المشرف على النقاش بأنها "مبارزة متزايدة العدائية" واستمعت إلى بروفيسورة صينية قال إن أزمة فيروس كورونا ساعد الصحفيين الأفارقة على إدارك فضائل الاعلام الصيني ( الخاضع لرقابة مشددة).

وقالت البروفيسورة تشانغ يانكيو "تركز وسائل الإعلام الغربية على تناول الأخبار السيئة والسلبية" بينما القراء كانوا يبحثون عن أخبار إيجابية خلال فترة الأزمة.

وبعبارة أخرى، قالت إنهم يريدون صحافة على النموذج الصيني والتي أطلقت عليها تسمية "الصحافة البناءة". وذكرت أنها لاحظت في الآونة الأخيرة تحمساً واضحاً لهذا النموذج بين الصحفيين الإثيوبيين.

ولكن هل تتأثر الصحافة الأفريقية بهذه السهولة بالنموذج الصيني؟

وعندما سألت بومبيو عما إذا كان يعتقد أن صورة أمريكا في إفريقيا قد تضررت بسبب تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة حول استخدام مواد التعقيم أو الأشعة فوق البنفسجية لعلاج فيروس كورونا، لم يجب على السؤال مباشرة ولكنه بدلاً من ذلك أشار إلى أن تصريحات ترامب يساء فهمها أو يتم تحريفها عمداً من قبل وسائل الإعلام المتحيزة أو تلك التي تسيطر عليها الحكومات.

كانت تلك لحظة فارقة خلال المؤتر الصحفي.

على مدى عقود سعت الدبلوماسية الأمريكية إلى حد ما لتعزيز وحماية استقلال الصحافة في إفريقيا ضد الأنظمة الاستبدادية والرقابة.

لكن الرئيس الأمريكي نفسه يندد بشكل متكرر بالصحفيين في بلاده ويصفهم بأنهم "مزيفون" و يصف بعض وسائل الإعلام بـ "الصحافة العرجاء" و "أعداء الشعب".

عند الاستماع إلى كلام بومبيو شعرت فجأة أن وجهات نظر بكين وواشنطن حول "الصحافة البناءة" لم تعد تختلف كثيراً.

إساءة فهم ترامب

يجدر بنا أن نشير إلى أن الولايات المتحدة قد فعلت الكثير لتحسين مستوى الرعاية الصحية في أفريقيا ومثال على ذلك خطة الطوارئ الضخمة التي اعتمدها الرئيس السابق جورج بوش لمحاربة مرض نقص المناعة المكتسب -الإيدز.

ولكن من الواضح أن الصين تستغل أزمة فيروس كورونا وانشغال الولايات المتحدة بالعديد من القضايا والأزمات في الداخل والخارج، لتعزير نفوذها السياسي وأجندتها في القارة بجرأة متنامية وبفعالية كما أظن.

هذا لا يعني أن الدول الأفريقية أو الصحفيين الأفارقة مجرد بيادق يمكن التلاعب بهم كيفما تشاء القوى العالمية.

لكن كم عدد الحكومات في القارة المثقلة بالديون للمصارف الصينية وتحت الضغط الاقتصادي المتزايد الناجم عن أزمة كورونا قد يتم إغراؤها بالتخلي عن "نظام التعددية السياسية الشعبي الفاشل" وتبني نموذج النظام السياسي الصيني "المتماسك"؟

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان