إعلان

معركة أمّ من أجل تحقيق العدالة لولدها المقتول

11:27 م الأربعاء 15 يوليه 2020

ألينا جوزيف تتساءل عن سبب عدم محاكمة المشتبه به في

لندن - (بي بي سي)

تتذكر ألينا جوزيف ابنها كريستوفر كابيسا وهو يجلس في غرفة المعيشة أمام التلفاز يتابع كأس العالم لكرة القدم عام 2018.

كان يوماً شديد الحرارة لكن كريستوفر ظل محلقاً في الشاشة يتابع كريستيانو رونالدو وهو يشارك في المنتخب البرتغالي. كان يعلم أن والدته ليست من هواة كرة القدم لكنه لم يستطع مقاومة الحديث عن الفريق المتقدم وقواعد اللعبة ولاعبه المفضل.

وما إن صعدت الأم إلى غرفتها لتأخذ قسطاً من الراحة حتى استيقظت على جلبة في الدور الأسفل، وكريستوفر يصيح "أمي أمي لقد فازوا".

تقول إلينا " كان مولعاً بكرة القدم، شقيقه الأصغر يفتقده بشدة، خاصة أثناء المباريات، لأن كريستوفر كان يعلمه كيف يلعب".

كان كريستوفر في الثالثة عشرة من عمره حيث عُثر على جثته في روندا كاينون تاف بجنوب ويلز في الأول من يوليو/ تموز العام الماضي.

كان خارج المنزل مع مجموعة من الصبية في يوم شديد الحرارة حين حدث ما حدث. كان الطفل الأسود الوحيد.

وخلال 24 ساعة قالت الشرطة لوالدته إنه لا توجد ملابسات تثير الشك بشأن وفاته. كان حادثاً أليماً.

لكن العائلة ومحاميها عبرا عن مخاوف بشأن طريقة التعاطي مع التحقيقات، والتي تولتها وحدة مكافحة الجرائم الكبرى.

وفي فبراير/ شباط من هذا العام تلقت إلينا رسالة من النيابة العامة تفيد بوجود "دليل واضح" على أن كريستوفر الذي لم يكن يستطيع السباحة قد تعرض للدفع في النهر.

يقول الخطاب إنه "ثمة دليل كافٍ يعزز توجيه تهمة القتل غير العمد" لكن لن تتم ملاحقة المشتبه به البالغ من العمر 14 عاماً لأن ذلك لا يخدم "الصالح العام".

اتهمت أسرة كريستوفر الشرطة والنيابة العامة بالعنصرية المؤسسية.

قالت ألينا " إذا كان الأمر يتعلق بأربعة عشر صبياً أسود وضحية بيضاء، لكان نهج الشرطة والنتيجة مختلفان بلا شك".

تحدثت هاتفياً مع ألينا قبل يوم من الذكرى الأولى لوفاة ابنها. وقبل ثلاثة أيام حضرت تجمعاً بمشاركة أصدقاء كريستوفر وعائلته لتخليد ذكراه.

تحدث كوبي البالغ من العمر 14 عاماً وهو يغالب دموعه عما كان يعنيه كريستوفر الصديق بالنسبة إليه. ومضى قائلاً "كريستوفر لم يكن صديقاً فحسب، كان كأحد أفراد أسرتي. كان مفعماً بالحيوية".

كتبت تقارير عدة عن أشخاص لقوا حتفهم، لكن هناك قصصاً تداهمك بدون إنذار.

كنت أدون كلمات كوبي قبل أن أتوقف مغالبةً دموعي. هذا الشاب الصغير كان حزيناً للغاية، لكنه بشكل ما أوجد في نفسه القوة ليتحدث عن صديقه.

تقول ألينا "كان قادراً على إدخال البهجة في قلوب آخرين مثلما كان يفعل معي، كانت مشاعره صادقة".

يمكنك أن تستشعر الفخر في نبرة صوت ألينا وهي تتحدث عن ابنها. بدا كلامها مألوفاً للغاية.

أخبرتني بحبه لمشاهدة مقاطع فيديو عن التاريخ على موقع يوتيوب، وكيف كان يناديها بطريقة معينة تفهم منها أنه يريد بعض المال. وكذلك المناقشات المستمرة مع إخوته وأخواته الست حول من يستخدم جهاز البلايستيشن لأنه كان يرغب في أن يلعب ماينكرافت وفورتنايت.

وتضيف ألينا "وما أكثر عدد المرات التي كسر فيها نظارته!! كان ينام مرتديا نظارته وكنت دائماً ما أخلعها عنه. كان الجميع يعلم أنه بحاجة للمساعدة في العناية بنظارته، ولابد أن العاملين في متجر النظارات سأموا من الزيارات المتكررة".

"أتذكر ذات مرة ذهب للاستحمام مرتدياً إياها، صحت قائلة كريستوفر!! قال لي "أمي لا استطيع الرؤية جيداً بدونها".

"كان كريستوفر خفيف الظل على طريقته الخاصة"

كان صباحاً مشمساً حين استيقظت ألينا يوم موت كريستوفر.

"لم أعد أحب الصباحات المشمسة، إذ بت أشعر أن شيئاً سيئاً سيحدث بعدها".

لابد وأن ذكرى ذاك اليوم كانت راسخة بقوة في مخيلتها، فقد حكت لي كل التفاصيل.

عاد كريستوفر من المدرسة وبعد دقائق أخبرها أنه سيذهب ليلعب كرة القدم. وافقت ألينا، لكنها لم تقل له "أراك لاحقا" أو "مع السلامة".

وتضيف ألينا "أكره هذه الكلمات الآن. وكذلك (تصبح على خير) ما الجيد فيها؟ "

بعدها كانت ألينا تتحدث مع شقيقتها في أفريقيا على الهاتف حين سمعت طرقاً على الباب.

مضت تحكي وسط دموعها " كنا نتسامر، كنا نضحك بينما كان هو هناك يموت".

كان مدرب كريستوفر الذي أخبرها بأنهم لا يعرفون مكانه، وقال " يبدو أنه قفز من جسر".

صار الوقت بعد ذلك ضبابياً بعض الشيء بالنسبة لها. تحركت ألينا صوب النهر الذي شوهد كريستوفر عنده آخر مرة، لكن الطرق كانت مغلقة وطُلب منها أن تنتظر في المنزل لحين وصول الشرطة. لكن رجال الشرطة لم يبلغوها بأي شيء فراحت تشغل نفسها بغسل الصحون، حتى وصلت الأخبار.

قال شرطي لألينا "علينا أن نتوجه للمستشفى لقد عثرنا عليه"

وبينما كنا نواصل المكالمة الهاتفية كانت المشاعر تغلبها.

الحديث لأم تنتحب على ولدها أمر مفجع. أخذنا استراحة قصيرة من المقابلة، ثم وافقت أن تكمل رواية ما حدث.

تتذكر ألينا "كنت أرفض أن أصدق، أقول إنه بخير وإن كل شيء على ما يرام بل إنني سأوبخه".

كنت أتصبب عرقاً وكل صافرة انذار تزيد حالتي سوءا".

انتظرت ألينا في غرفة رمادية وكانت الأجواء سيئة. لا أحدا يعطيها معلومة بخصوص كريستوفر.

يملؤها الإحباط والغضب، غادرت الغرفة إلى ممر المستشفى.

تقول ألينا : "بمجرد أن بدأت السير حتى انطلقت في البكاء. كنت أسير ولا أعرف إن كنت أتحرك في الاتجاه الصحيح. الجميع كانوا وافقين، وكلما اقتربت نكسوا رؤوسهم. كان نائماً، الفرق الوحيد أنه لم يكن مرتدياً نظارته، وكنت أعلم." "ناديت اسمه. عادة ما كان يرد "نعم أمي، أنا بخير، لا تقلقي. أمي، لم أفعل شيئاً، لست أنا"، لكنه لم يقل شيئاً هذه المرة".

ثم راحت ألينا تخبرني كم من أسئلة لدى أسرتها لم يجب عليها أحد. أين تحديداً قفز من الجسر؟ لماذا لم يكن يرتدي في المشرحة الملابس ذاتها التي خرج بها من المنزل. كم عدد الأشخاص الذين كانوا هناك لحظة سقوط كريستوفر في النهر؟

استغرق الأمر سبعة أشهر حتى تعرف ألينا الدليل الموجود حول ملابسات وفاة ابنها.

"كان هناك دليل واضح على أن شخصاً مشتبهاً به دفع كريستوفر بيديه الاثنتين ما أدى لسقوطه في النهر. هذا الدفع كان تصرفاً غير قانوني وخطير بشكل واضح، مما أدى إلى حدوث بعض الأذى"، بحسب خطاب النيابة العامة.

يقول الخطاب إن الدليل يرجح أن دفع كريستوفر لم يكن بقصد الأذى، لكنه سوء تصرف، وإن المشتبه به كان "ناضجاً وذكياً بالنسبة لعمره" ولديه "سجل جيد في المدرسة".

ويضيف أن المشتبه به "تعلم أقسى درس من خلال هذه التجربة والتي ستمثل رادعاً يحول بينه وبين أي إساءة جديدة".

ويوضح الخطاب أن قرار عدم المحاكمة وضع في الاعتبار مصلحة المشتبه به والآثار السلبية المحتملة على مستقبله.

قالت ألينا وقتها لبي بي سي "ما حدث كريستوفر ليس هيناً. أن يتم تجاهل ذلك والقول إن مستقبل شخص آخر أكثر أهمية هو أمر مؤلم للغاية".

خلال المحادثة، قالت لي ألينا أنها عانت وأسرتها من العنصرية منذ أن غادرت لندن إلى ويلز عام 2011. وقالت إن أسرتها تلقت في منزلها "رسائل كراهية"، وتعرض أطفالها للتبول عليهم، فيما سقط كريستوفر غارقاً في دمائه ذات مرة إثر مهاجمته داخل متجر.

لقد تابعت تعليقات كتبها البعض على فيسبوك حول القضية، والتي يصعب حقيقةً قراءتها.

كتب سيدة تقول " استخدام ورقة العنصرية أمر مثير للاشمئزاز ويحمل عدم احترام لأجهزة الطوارئ. من المحزن أن الولد فقد حياته. الناس تبرعوا بآلاف الجنيهات لجنازته، لابد من إظهار شيء من العرفان".

وعلقت أخرى " أكثر ما يقلق هو أن الأم سمحت للولد بأن يذهب للسباحة وهو لا يجيدها. كان الوضع ليختلف لو كان توجه لحمام سباحة حيث يكون هناك منقذون".

وكتب أخر " من المحزن أن نسمع ذلك، لكن استغلال ورقة العنصرية يحط من القضية ويفقدها الاحترام".

لم تكن هذه التعليقات لأشخاص مجهولين، بل لسكان في المنطقة التي كان يعيش بها كريستوفر.

الوقاحة وغياب التعاطف الذين تنضح بهما التعليقات لابد وأن وقعها كان بالغ الصعوبة على ألينا.

إنها أم فقدت طفلها ذا الثلاثة عشر عاما. تخيل هذا ابنك، أخاك، ابن أخيك؟ هل كنت لتتقبل ما حدث؟

منذ وقوع المأساة ووالدة كريستوفر تحظى بدعم من منظمة ذا مونيتورينغ جروب المناهضة للعنصرية.

يقول سوريش غروفر مديرة المنظمة " ليس هذا لعباً بورقة العنصرية، إنها التجربة الواقعية لقطاع كبير من السود، والتي تشير إلى أنه حينما يكون هناك عدد كبير من الأشخاص أو الأطفال السود، تظهر اتهامات بارتكاب جرائم، وفي معظم الأحيان تتم ملاحقتهم. وعندما يكون السود أقلية ويواجهون عنفاً عنصرياً من جانب مجموعة من الأشخاص البيض، لدينا أدلة تظهر أن الأشخاص البيض لا يتعرضون لاتهامات على الإطلاق. وأقول لهؤلاء الذين يتحدثون عن اللعب بورقة العنصرية، توقفوا عن إنكار الحقيقة الجلية أمام السود في هذا البلد".

يقول سوريش إنه لأ تزال هناك أسئلة تنتظر أسرة كريستوفر إجابات عليها. " أعتقد أن العنصرية عامل لا يمكن تجاهله ولابد من فحصه. المهم بالنسبة لنا هو معرفة ما الذي قيل لكريستوفر قبل دفعه في النهر؟ ما هي الملابسات التي أدت إلى موته؟ هل كان خائفاً قبل الدفع به؟ هل تعرض لاستفزاز قبل دفعه؟ من الواضح جداً أنه في حال كان كريستوفر شخصاً أبيض وسط مجموعة من السود فإن التحقيقات ما كانت لتخلص سريعاً إلى أن ما جرى كان مجرد حادث".

طلبت أسرة كريستوفر إعادة النظر في قرار النيابة العامة عدم محاكمة المشتبه به، وهم الآن في انتظار النتيجة.

وتمكنت صفحة لجمع التبرعات من جمع نحو 20 ألف جنيه إسترليني لمساعدة الأسرة في تحمل تكاليف المعركة القضائية، كما نجحت حملة على الانترنت بعنوان "العدالة من أجل كريستوفر كابيسا" في جمع أكثر من خمسين ألف توقيع.

يقول سوريش " بالنسبة لألينا فإن تحقيق العدالة يعني الثقة في أن تحقق الشرطة في القضية كما ينبغي، وأن تقدم النيابة الدليل للمحكمة، وأن يتم التعامل مع حياة ابنها على قدر المساواة مع أي شخص آخر، لا كشخص ذي أهمية أو قيمة أو حق أقل".

تواصلت مع النيابة العامة التي رفضت التعليق، لأن قرارها بشأن عدم محاكمة المشتبه به ما يزال رهن المراجعة. ولم توضح كذلك الموعد المحتمل لصدور النتيجة.

تقول شرطة ساوث ويلز إنها بانتظار القرار، وتضيف "أحلنا الملف إلى المكتب المستقل لمراقبة أداء الشرطة والذي سيفحص طريقة تعاملنا وما تبعها من تحقيقات في الملابسات المحيطة بالوفاة المأساوية لكريستوفر، نحن ملتزمون تماماً باستغلال أي فرصة".

ويقول المكتب المستقل لمراقبة أداء الشرطة إنه "حقق تقدماً" في تحقيقاته لكنه علقها بشكل جزئي فيما يخضع قرار النيابة العامة للمراجعة.

وليس أمام ألينا الآن سوى أن تنتظر.

أعود لأفكر في يوم تخليد ذكرى كريستوفر، وثمة جملة واحدة قالها صديقه كوبي لا تفارق رأسي.

"كريستوفر كابيسا كان شخصاً رائعاً ولم يكن يستحق هذا".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان