"آيا صوفيا" و"حُلم الخلافة".. كيف أضاع أردوغان إرث أتاتورك؟
كتبت- إيمان محمود:
في الظروف العادية، كان من المُفترض أن يصبح إقرار قانون "النقابات المتعددة للمحامين" في تركيا هو الخبر الأهم، لكن الضجيج الذي سببه قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، حال دون الاهتمام الذي استحقه هذا القرار.
أقر البرلمان التركي، قانون "النقابات المتعددة للمحامين"، في نهاية الأسبوع الماضي، والذي يتضمن إعادة هيكلة نقابة المحامين ويغير في طريقة انتخاب مجالسها ويسمح بإقامة أكثر من نقابة واحدة في كل مدينة تضم 5 آلاف محام، ما يعني أنه بإمكان كل ألفي محام تأسيس نقابة مختلفة، ما اعتبره المحامون محاولة من نظام أردوغان لتقسيم النقابات بهدف إضعافها.
وحسب وكالة "بلومبرج" الأمريكية، يشير النقاد إلى أن أردوغان أضعف النظام القضائي، وأشار تقرير للمفوضية الأوروبية في الصيف الماضي إلى "الضغط السياسي على القضاة والمدعين العامين ونقل عدد كبير من القضاة والمدعين العامين رغما عنهم"، وحذّرت من "تأثير سلبي على استقلالية ونوعية وكفاءة القضاء".
وتُعد نقابات المحامين من بين المنظمات القليلة المتبقية القادرة على قول الحقيقة للرئيس، من خلال لفت الانتباه إلى إساءة استخدام السلطة، بحسب الوكالة التي أشارت إلى مخاوف من أن يتم إنشاء نقابات جديدة على أسس سياسية.
تشتيت الانتباه
قال عمدة اسطنبول إكرام إمام أوغلو ، وهو شخصية معارضة، إن أردوغان يستخدم جدل آيا صوفيا للتشتيت عن الأخطاء التي ارتكبتها حكومته، من إدارة الاقتصاد إلى معالجة أزمة الفيروس التاجي كورونا.
ويضيف، لكن هذا التحول يتفق مع الهدف السياسي للرئيس مدى الحياة وهو "إعادة تأكيد الهوية الإسلامية في تركيا، والقضاء على إرث الدولة العلمانية الذي تركه مصطفى كمال أتاتورك".
وتشير "بلومبرج" إلى أن أردوغان طوال حياته المهنية انتقد بشكل منهجي الأسس العلمانية لأتاتورك، من خلال تشجيع التعبير العلني عن التدين في الحكومة والمجتمع، فيما يدعي دعم إرث أتاتورك وبصمته السياسية الضخمة.
وقالت الوكالة الأمريكية إنه مع التضحية بآيا صوفيا، يمكن لأردوغان التعامل مع الدولة التركية باعتبارها عن نموذج أردوغان وليس أتاتورك.
أردوغان ومحاولات بسط النفوذ
بعد مرور ما يقرب من عقدين على رأس دولة تمتد عبر الشرق الأوسط وأوروبا، قالت بلومبرج إن أردوغان نجح في جعل تركيا قوة إقليمية ذات نفوذ أكبر مما كانت عليه منذ تأسيسها كدولة علمانية تواجه الغرب على يد أتاتورك.
أوضحت الوكالة، أن أردوغان أقحم تركيا في صراعات في سوريا وليبيا وحتى العراق من خلال شنّ ضربات جوية على بعض المناطق، إذ يعمل جيش تركيا (ثاني أكبر جيش للناتو) ليلاً ونهاراً بطائرات مسلحة وطائرات حربية ودبابات مسلحة، كما تبحر السفن التركية في البحر الأبيض المتوسط، وتتشاجر حول موارد الغاز مع اليونان وقبرص عضوي الاتحاد الأوروبي.
وقالت الوكالة الأمريكية، إن محاولة أردوغان الحازمة لتوسيع نفوذه في منطقة كانت تحت الحكم العثماني لمئات السنين تعني أن تركيا تعاني الآن من الصراع، إذ تعارضها الحكومات العربية ذات الوزن الثقيل وتتعارض مع حلفائها التقليديين، "لكن في الوقت الراهن، لا يبدو أن هناك من يرغب أو قادر على إيقاف أردوغان".
ونقلت الوكالة عن المحلل الاستراتيجي تيموثي آش، قوله إن "الاتحاد الأوروبي هو أسد بلا أسنان عندما يتعلق الأمر بتركيا. وهو ما أدركه أردوغان ذلك منذ فترة طويلة ".
أدانت الولايات المتحدة بعض جوانب سياسة أردوغان الخارجية، لكنها امتنعت عن اتخاذ إجراءات ملموسة ضد حليفها الرئيسي في حلف الناتو.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن دور تركيا كمانع لتدفق المهاجرين والإرهابيين إلى أوروبا جعلها تنطوي على مخاطر كبيرة لفرض عقوبات تجارية على التنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ولفتت الصحيفة إلى أن العقوبات التجارية ستضر البلدان الأوروبية أيضًا، والقليلون على استعداد لتحمل هذه التكاليف مع انتشار جائحة فيروس كورونا الذي أثّر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
الرهان على ترامب
اتبعت تركيا سياسة خارجية مستقلة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، وحتى الآن، إذ تحدت تركيا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من خلال شرائها لنظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا، ومع ذلك حصلت على موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إرسال قوات إلى صراعات فوضوية تفضل الولايات المتحدة تجنبها، بحسب الوكالة.
ففي ليبيا أدى التدخل التركي الذي باركته الولايات المتحدة إلى تحويل التيار إلى حرب معقدة بالوكالة، يدعم فيها أردوغان فايز السراج رئيس حكومة الوفاق للسيطرة على البلاد بإرسال ميليشيا سورية وأسلحة، وهو ما جعل تركيا أقرب إلى مواجهة مُحتملة مع مصر، التي تسعى إلى تأمين حدودها الغربية مع ليبيا المُهددة من خطر التوغل الإرهابي.
وفي سوريا ، عملت تركيا مع موسكو لتفادي هجوم الجيش السوري على معقل الجماعات المُسلحة الأخير في إدلب، لكن هجومها العام الماضي ضد الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة ، الذين قاتلوا على الخطوط الأمامية للحرب ضد تنظيم داعش، تسبب في غضب في أوروبا والكونجرس الأمريكي، على الرغم من تأييد ترامب، بحسب بلومبرج.
الحديث عن العقوبات على S-400s والتوغلات التركية في سوريا لا يزال مستمرًا في الكونجرس، وهو ما تسبب في تآكل الدعم العميق والتعاطف مع تركيا تدريجيًا، بحسب الوكالة الأمريكية.
وبلغت ذروة تدهور العلاقات بين تركيا والكونجرس العام الماضي، في تصويت مهم رمزياً للاعتراف بمذبحة الأرمن عام 1915 على أنها إبادة جماعية، بسبب اعتراضات تركيا وترامب، ومع ذلك ، نجت أنقرة حتى الآن من العقاب.
يقول خبير الشؤون التركية في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، فادي حاكورة: "إن علاقات تركيا مع الولايات المتحدة جيدة للغاية على مستوى القيادة، لكنها سيئة على المستوى المؤسسي".
وأضاف "يراهن أردوغان على ترامب، ونجح رهانه حتى الآن، لكن لا يمكنك إدارة سياسة خارجية مثل هذه حيث يمكن أن تتحول الاحتمالات ضدك، كل شيء يمكن أن يتغير إذا فاز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر".
أردوغان مُنتصر.. وتركيا مُنعزلة
ترى الوكالة الأمريكية، أن رُغم الانتصارات التي يبدو أن أردوغان حققها مؤخرًا من خلال التوغّل في منطقة الشرق الأوسط، فإن تركيا باتت "مُنعزلة".
ففي جميع أنحاء المنطقة العربية التي تعاني من الاضطرابات، أصدقاء أردوغان قليلون في حين أن قائمة منتقديه هي من الدول ذات الوزن الثقيل على المستوى العربي بداية من مصر إلى السعودية وحتى الإمارات، وغيرهم.
وتتهم الدول العربية تركيا بالسعي إلى تقويض الاستقرار السياسي والتدخل في الشؤون العربية من خلال دعم جماعات الإرهابية مثل جماعة الإخوان المحظورة.
ونقلت الوكالة عن فادي حاكورة قوله: "فاز أردوغان بسلسلة من الانتصارات التكتيكية لكنه كان إما غير راغب أو غير قادر على تحويلها إلى مكاسب استراتيجية لأن ذلك يتطلب دبلوماسية قوية وليس فقط التدخلات العسكرية".
ونددت مصر وإسرائيل واليونان الشركاء المحتملون في مشروع خط الغاز، وكذلك الاتحاد الأوروبي، بالتعهّد التركي ببدء استكشاف الغاز في شرق المتوسط قبالة جزيرة قبرص.
من جانبه، أدان الاتحاد الأوروبي قرار تركيا الأسبوع الماضي بتحويل آيا صوفيا مرة أخرى إلى مسجد وهدد بتوسيع القائمة السوداء الأوروبية التي استهدفت حتى الآن تركيين بسبب محاولة أنقرة للتنقيب عن الغاز.
وقال نهاد علي أوزجان الخبير الاستراتيجي في المؤسسة التركية لأبحاث السياسات الاقتصادية: "يطمح أردوغان إلى المطالبة بقيادة المسلمين السنة وعكس فقدان النفوذ الإقليمي الذي كانت تتمتع به الإمبراطورية العثمانية في السابق"، بحسب بلومبرج.
وأضاف نهاد "أردوغان يكسب الدعم من بعض القوميين والقواعد الشعبية المتشددة في الداخل وكذلك في بعض أنحاء الشرق الأوسط، لكنه يزيد من خطر تشكيل تحالف من الدول الغربية ضده، بالإضافة إلى تلك الموجودة في العالم العربي والتي تزعجها سياسة تركيا الخارجية بشكل متزايد".
فيديو قد يعجبك: