بالصين أم الأندية العالمية.. كيف يمكن ملء الفراغ الذي تركته أمريكا في العالم؟
كتبت- هدى الشيمي:
في 14 أبريل، مع تأكد خطورة فيروس كورونا المُستجد والتيقن من انتشاره في جميع أنحاء العالم تقريبًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق المساعدات التي تقدمها بلاده لمنظمة الصحة العالمية، موجهًا ضربة قوية للمنظمة التي تعتمد على تمويل واشنطن والذي يعادل حوالي 10 بالمائة من ميزانيتها.
أتبعت واشنطن هذا القرار بالإعلان بعد عشرة أيام أنها لن تشارك في أي من المبادرات العالمية لتسريع وتطوير وتوزيع الأدوية واللقاحات لمعالجة وباء كوفيد-19. وفي أوائل مايو الماضي، شاركت الولايات المتحدة في قمة عالمية للقاحات بقيادة المفوضية الأوروبية، وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من منظمة الصحة العالمية، بينما صمت مجلس الأمن، الذي شلته التوترات المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة.
وقالت مجلة فورين بوليسي، في مقال تحليلي على موقعها الإلكتروني، إن جائحة الفيروس التاجي كشفت عن مدى اعتماد المؤسسات العالمية على الولايات المتحدة، والتي تخلت عن دورها كدولة لا يُمكن الاستغناء عنها في العالم.
حسب فورين بوليسي، فإن استجابة إدارة ترامب للأزمة الصحية الناجمة عن تفشي المرض لم يتوقف فقط على فرض حظر السفر، وفرض قيود صارمة على الهجرة واللجوء، والضغط على وكالات الاستخبارات لتشويه التقييمات والتقارير الصادرة عن مصدر تفشي المرض، ولكنها استخدمت المنظمات والمؤسسات العالمية والتي ساهمت في إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة هذه التهديدات العالمية.
ومع ذلك، قد يكون لتخلي الولايات المتحدة عن دورها فوائد غير متوقعة، قالت فورين بوليسي إنه في الوقت الذي يفقد فيه العالم الأثر الإيجابي للدور الأمريكي، يتخلص كذلك من سلبياته، وعلى رأسها الحوكمة العالمية، التي فضلت عددًا صغيرًا من الدول على حساب بقية الدول الأخرى في كثير من الأحيان.
يمهد تضاؤل الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الطريق أمام آفاق جديدة لأنظمة حكم عالمية لا مركزية تتضمن تعاونًا حقيقيًا بين العديد من الدول، عوضًا عن هيمنة طرف مُعين على مُجريات الأمور، ربما قد حان الوقت، حسب فورين بوليسي، للسماح بما يُطلق عليه "الأندية العالمية" لإعادة تنظيم الأمور.
انسحاب أمريكا ودخول الصين
اتضحت رغبة الولايات المتحدة في التخلي عن دورها القيادي المُهيمن على كل شيء قبل فترة طويلة من انتشار وباء كوفيد-19، وفي مواجهة هذا الغياب المتزايد كثرت التساؤلات حول إمكانية الصين لملء فراغ القيادة العالمية.
بيّنت المجلة الأمريكية أن احتمالية لعب الصين لدور أكبر في الشؤون الدولية كان موضع تكهنات وتساؤلات لسنوات، ولكنها استغلت أزمة وباء كورونا للعب هذا الدور سريعًا.
مع ذلك، قالت فورين بوليسي إن جهود الصين لملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة كانت مُتعثرة، خاصة بعدما ذكرت بعض التقارير أن الإمدادات الصحية التي تبرعت بها بكين إلى دول أخرى كانت معيبة، علاوة على تزايد الأدلة التي ترجح أن الحكومة الصينية أخفت معلومات مُهمة حول تفشي الفيروس التاجي في بداية الأزمة، وكذلك تنديد الحكومات بقمع الصين للمعارضة الداخلية.
وفي الوقت نفسه، ذكرت المجلة الأمريكية أن الصين لن تسعى إلى توحيد العالم، موضحة أن طموحات بكين بشأن الشؤون الخارجية تهدف إلى خدمة مصالحها فقط.
يأمل البعض في أن تساعد الأزمة الحالية في نهاية المطاف على إصلاح وإعادة تنظيم الأمم المتحدة، وهو ما استبعدته المجلة الأمريكية نظرًا إلى أنه أمر لن يتحقق إلا بتعاون الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، الصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، وهو غير متوقع نظرًا إلى أن حكومات هؤلاء الأعضاء ليس لديهم مصلحة في الإصلاح الفعال لأنه سيخفف من قبضتهم على المنظمة.
الأندية العالمية وبروتوكول مونتريال
هنا تأتي أهمية الأندية العالمية، حسب فورين بوليسي، وهي شكل من أشكال الحوكمة التي تتبع نفس المبادئ التي يقوم عليها أي نادِ آخر في العالم، إذ تختار الدول طوعًا الانضمام إلى تحالف لكسب مزايا العضوية، وفي المقابل يوافقون جميعًا على الامتثال لمجموعة من الشروط.
يمكن لأي دولة لديها مبادرة إنشاء ناديًا خاصًا لتحقيق أهداف تعاونية، ويمكن للأعضاء تأديب بعضهم البعض من خلال حرمان الدول التي تنتهك القواعد بحرمانهم من مزايا العضوية.
لا تعد مسألة الأندية العالمية جديدة، ولم تخلقها الأزمة الحالية فهي موجودة منذ فترة طويلة، وفقًا للمجلة الأمريكية، ففي عام 1987 ظهر بروتوكول مونتريال، معاهدة دولية تهدف لحماية طبقة الأوزون من خلال التخلص التدريجي من إنتاج عدد من المواد التي يعتقد أنها مسئولة عن نضوب طبقة الأوزون.
وأنشأ البروتوكول ما يشبه النادي العالمي، عندما وقعت الدول الأعضاء على المعاهدة، وتعهدوا بأمرين الأول الحد من استهلاك مركبات الكربون، والتخلص التدريجي البطيء منها بما يسمح لهم بالعثور على بدائل، وثانيًا بيع المكونات لإنتاج مركبات الكربون الكلورية لأعضاء النادي فقط. جذب هذا الالتزام الدول الأخرى، ومنحهم حافزًا للانضمام إلى النادي، لاسيما وأن عدم التحاقك بالنادي يعني أنك لن تكون قادرًا على شراء المكونات التي يقدمها.
اتبع النادي نظام بسيط وفعال بشكل ملحوظ، يطلب من الدول تقديم بياناتها، والإبلاغ عن أي مخاوف بشأن الأطراف الأخرى، وعندما لا تلتزم أي دولة بالشروط فإنها تواجه عقوبات جماعية، بما في ذلك تعليق امتيازات العضوية.
نجح بروتوكول مونتريال في المساعدة على التخلص من مركبات الكربون الكلورية فلورية في جميع أنحاء العالم بعد ثلاثية عامًا، وكذلك تحسن وضع ثقب الأوزون.
نوادي اللقاحات
يمكن استغلال نجاح بروتوكول مونتريال خلال الأزمة الحالية، حسب فورين بوليسي فإنه يجدر بالدول أن تشكل نوادي اللقاحات، بما يعني ألا تلتزم أعضاء النادي بتقاسم الموارد فقط، ولكن أيضًا تأسيس مرافق للعمل على اللقاح، وبالتالي بمجرد العثور على لقاح سيتمكن أعضاء النادي من استخدام هذه المرافق لإنتاجه على الفور.
وقياسًا على ذلك، يمكن تأسيس نوادي عالمية لحل الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية الأمنية الأخرى، قالت فورين بوليسي إن ميزة هذه الأندية هي أنها يمكن أن تتشكل في المواقف التي تعزف فيها القوى العظمى عن القيادة أو العمل، وكذلك يمكن استغلالها لمواجهة تعنت بعض الدول إزاء قضايا بعينها مثل تغير المناخ.
ومن المحتمل ألا تحل الأندية العالمية محل الأنظمة المتعددة الأطراف الموجودة بالفعل، ولكنها طريقة جديدة لتحقيق الدول تقدم كبير في مواجهة شلل القوى العظمة، حسب فورين بوليسي، مُشيرة إلى أنه رغم مأساوية تخلي الولايات المتحدة عن دورها في قيادة العالم، إلا أن الاتجاه نحو الأندية العالمية قد يكون مفيدًا. أوضحت فورين بوليسي أن النوادي ستكتسب قوتها من خلال الإجماع والتوافق، كلما زاد عدد الدول المنضمة كلما زادت قوة المجموعة، وكلما كان المشروع أكثر تعاونًا كان أكثر جاذبية وفعالية.
فيديو قد يعجبك: