كيف لا يزال الإرث المشين للإمبراطورية البريطانية يؤثر علينا؟
لندن- (بي بي سي):
هناك مواقع الكترونية عديدة تقدم لك خدمة معرفة أسلافك وتتبع أصولك مقابل مبالغ مالية معقولة. كما تقدم بعضها الارشادات حول كيفية إكمال اختبار الحمض النووي خطوة بخطوة لتحديد المنطقة الجغرافية التي قد تنتمي إليها.
ما عليك سوى وضع عينة صغيرة من اللعاب في مظروف خاص مسبق الدفع وإرسالها إلى المختبر لتحليله ومقارنتها مع مئات الآلاف من السمات الجينية، وبعد ذلك بشهرين تأتيك النتيجة.
هل مهم معرفة أصولنا؟
أعرف أنني من أصل أفريقي كاريبي، وولدت في بلدة بولتون بشمال إنجلترا، من والدين جاءا إلى المملكة المتحدة من جامايكا في الستينيات من القرن الماضي. وأعرف أيضاً أن جدتي (أم والدتي) كانت قد أمضت بضع سنوات في بنما عندما كانت طفلة، و كان والدها - جدي الأكبر - يعمل في شق قناة بنما. وهذا كل ما أعرفه عن أصولي ولا أعرف أكثر من هذا.
هذا لأنه، مثل جميع الهنود الغربيين البريطانيين تقريباً، يمتد نسبي إلى إفريقيا وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي
وأعلم أنني ربما أتيت من مكان ما في غرب إفريقيا، ولكن لا أعلم من أي بلد تحديداً.
هل هذا يهمني؟ نعم... كلنا نريد أن نشعر بأنه لنا جذور وعلى اتصال واضح بالماضي.
تساعد الجذور العميقة في ثباتنا وتعطينا الثقة بالنفس وتسير بنا على الطريق الصحيح.
وعندما لا تكون هذه الجذور موجودة وتنكسر أغصان شجرة العائلة، ينتابنا الحزن والاحساس بأننا بالكاد نرتبط بالحياة و بالأرض التي نعيش عليها.
تجارة الرق وتعظيم التجار
هذا جزء من الارث البغيض للإمبراطورية البريطانية، وجزء من الجدل المحتدم حالياً حول تبجيل شخصيات تنتشر تماثيلهم ونصبهم في البلدات والمدن البريطانية.
هؤلاء الشخصيات كانت لهم إنجازات كما أن الناس الذين قاموا بجمع الأموال لبناء نصب تذكارية لهم، ركزوا على الأشياء الإيجابية التي قاموا بها مع تجاهل الجوانب السلبية.
وعلى سبيل المثال، إدوارد كولستون، تاجر بريستول في القرن السابع عشر ونائب رئيس الشركة الملكية الأفريقية التي احتكرت تجارة العبيد الأفارقة.
لقد جمع ثروة من وراء استعباد البشر، لكنك لن تعرف هذه الحقائق عندما تقرأ الكلمات المحفورة في قاعدة تمثاله في وسط مدينة بريستول التي "أقامها مواطنو بريستول كتذكار لواحد من أكثر أبنائها فطنة وحكمة عام 1895".
ففي على الطرف الغربي من قاعدة التمثال، يصور على أنه كان الرجل الذي كان يوزع الصدقات والأموال على أطفال الفقراء. وفي الجانب الشمالي هو في المرفأ، وفي على الجانب الشرقي ثمة مشهد يتضمن خيول البحارة وحوريات بحر ومراسي سفن.
ولكن لا توجد أي إشارة أو صورة لأكثر من 80 ألف من العبيد الذين كان له يد في إرسالهم إلى المزارع والأراضي في جزر الكاريبي البريطانية وهم مقيدون بأصفاد. هذا إذا تمكنوا أصلاً من البقاء على قيد الحياة خلال الرحلة الأطلسية المريعة.
وظن الذين أقاموا تمثال كولستون في أواخر القرن التاسع عشر أن روايتهم لتاريخ هذا الرجل هي الأكثر اهمية وصحة. كانت أعماله الخيرية هي التي فازت في ذلك اليوم وليس تجارته في مجال الرق والاسترقاق.
تغيير المناهج الدراسية
لكن الجيل الجديد ليس على استعداد ليغفر لكولستون بعد الآن. فقد تم جرّ تمثاله من قبل حشود كبيرة من الناس أمام الكاميرات ووسائل الإعلام العالمية.
ومن المقرر الآن البدء بتطبيق المناهج المدرسية المحدثة على مستوى المدينة لتلاميذ المرحلة الابتدائية والثانوية في بريستول في سبتمبر.
وسيوفر المنهاج الجديد تحليلاً أكثر شمولاً لدور بريستول في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وسيلقي الضوء على نمط حياة رجال مثل إدوارد كولستون.
وآشا كريغ، نائبة عمدة بريستول ومن نسل المهاجرين الجامايكيين، واحدة من الشخصيات التي لعبت دوراً اساسيا في ادخال المنهاج الجديد . وأخبرتني أن المهمة الاساسية لاعضاء المجلس البلدي هو النظر إلى إرث المدينة، لأننا كلنا يجب أن نعرف تاريخنا.
وتقول: "التعليم هو الذي سيساعد في القضاء على العنصرية".
الأطفال بحاجة منذ نعومة أظافرهم إلى أن يفهموا ويتعلموا أن للتاريخ جوانب عديدة ويمكن والأرث ذو ابعاد متعددة.
أجل كانت للمملكة المتحدة إمبراطورية عظيمة، ولكن كانت لتلك السيادة جانباً مظلماً أيضاً، والعنصرية كانت وقودخ الغزو والاحتلال.
وفي الأسابيع التي أعقبت وفاة جورج فلويد على أيدي شرطة مينيابوليس في الولايات المتحدة، كان هناك بحث عالمي معمق حول العنصرية وأسبابها.
دارت مناقشات كثيرة حول "تآلف" الأفراد والشعوب بأكملها، وكيفية معالجة التمييز والمعاملة غير المتكافئة للبعض في المجتمع. زيادة المعرفة والوعي بالتاريخ خطوة أولية جيدة.
قام المتظاهرون في بريستول بعد تحطيم تمثال إدوارد كولستون، بجره وسط المدينة وإلقائه في المرفأ، بالقرب من المكان الذي أبحرت فيه سفنه إلى غرب إفريقيا بالبضائع التي كانت تستبدل بالعبيد.
تمكنتُ من تعقب أين انتهى التمثال في نهاية المطاف، لقد انتهى به الأمر في مستودع والطين يغطيه بعد أن أخرج من الماء.
يحاول عمال الصيانة في البلدية الآن الحفاظ على مختلف الكتابات التي رسمها المتظاهرون على تمثال كولستون باللون الأحمر.
نظرتُ إلى وجه كولستون الضخم شعرت بالسخرية منه، مهاجر من الجيل الثاني من والدين جامايكيين، ينظر إلى الرجل الذي ساعد في استرقاق أسلافي، وطبع أحرف RAC ( الشركة الملكية الأفريقة) على ظهورهم كعلامة ملكية للشركة.
في مرحلة ما، سيتم إعادته إلى قاعدته، ربما في متحف ما، مع كتابات لا تشير فقط إلى أعماله الخيرية بل وتجارته في الرقيق أيضاً كتذكير بأن التاريخ والذاكرة في نهاية المطاف ملكنا جميعاً وليس فقط ملك المنتصرين.
فيديو قد يعجبك: