أسراب الجراد: لماذا تنذر هذه الحشرات بكارثة في بعض مناطق أفريقيا في 2020؟
عواصم أفريقية- (بي بي سي):
تتساءل إيثر ندافو في حسرة، وهي تقّلب ثمرة الأفوكادو الهزيلة المتدلية من شجرة يابسة: هل ثمة أمل في أن تنضج هذه الثمرة لتصبح في حجم قبضة اليد لتوفر الغذاء لسكان المدينة؟
ولم تسلم شجرة الأفوكادو، كشأن الكثير من الأشجار في مزرعة ندافو بقرية ماثياكاني في وسط شرقي كينيا، من هجوم الجراد الصحراوي. وأشارت ندافو إلى نحو 10 أشجار أفوكادو ومانجو وباباظ، سقطت أغصانها بعد أن داهمتها أسراب الجراد والتهمت أوراقها.
واجتاحت أسراب الجراد كينيا في ديسمبر الماضي مخلفة مزارع جرداء، وبات المزارعون، مثل ندافو، لا يحصرون خسائرهم فحسب، بل أيضا يعانون من مشاكل بيئية وصحية غير مسبوقة.
ولم تشهد كينيا أسرابا من الجراد بهذا الحجم منذ 70 عاما، ويحذر خبراء من أن أسراب الجراد قد تزداد قوة وعددا في وقت لاحق من العام الحالي.
ويطلق على جراد الصحراء أحيانا الآفة الأكثر تدميرا في العالم. فعندما تزيد أعداد الجراد تتجمع مع بعضها وتشكل أسرابا، وعندها تتحول هذه الحشرات من الطور الانفرادي المنعزل غير المضر نسبيا إلى الطور التجمعي الذي يعيش في جماعات. وتتضاعف أعداد هذه الحشرات في الطور التجمعي 20 مرة في ثلاثة أشهر وقد تصل كثافتها إلى 80 مليون جرادة لكل كيلومتر مربع.
وقد تستهلك كل جرادة غرامين من النباتات يوميا، ويلتهم سرب من 80 مليون جرادة ما يعادل استهلاك 35 ألف شخص يوميا من الطعام.
وفي عام 2020، اجتاحت أسراب هائلة من الجراد عشرات الدول، منها كينيا وإثيوبيا وأوغندا والصومال وإريتريا والهند وباكستان وإيران واليمن وعمان والمملكة العربية السعودية. وعندما تهاجم أسراب الجراد عدة دول في آن واحد بأعداد كبيرة، فإن ذلك يعد وباء.
وفي مزرعة ندافو، التي تمتد على مساحة 1.6 هكتارا (أربعة فدادين تقريبا) دمرت أسراب الجراد محاصيل زراعية تقدر قيمتها بما يعادل 460 دولارا، كانت تترقب حصادها في شهر يوليو.
إيثر ندافو تفحص محصولها، إذ أصيبت بعض المحاصيل التي نجت من الجراد بآفة زراعية
والتهم الجراد أيضا الكلأ الذي كانت تزرعه على حواف مزرعتها لتغذية مواشيها. واضطرت إلى نقل مواشيها إلى قرية مجاورة لم تصل إليها أسراب الجراد، بعد أن عجزت عن إطعامها. وتدفع 93 سنتا يوميا لأصحاب المزرعة التي تستضيف مواشيها، ويحصلون أيضا على السماد العضوي الذي تنتجه أبقارها.
وتقول ندافو: "لقد واجهت الكثير من التحديات في حياتي، لكن لا شيء يقارن بهذه الموجة من غزو الجراد التي أصبحت تهدد حياة السكان، لأننا لم نعد نجد ما يسد رمقنا".
ضريبة الحماية
وأعلنت الصحف المحلية في فبراير 2020، أن سربا من الجراد يمتد على مساحة 2,400 كيلومتر مربع اجتاح شمالي كينيا، وقد يكون الأكبر في تاريخ البلاد. واحتل الجراد نحو 20 كيلومترا مربعا من الغطاء الأخضر في قرية ندافو.
وقد أثر غزو الجراد على الصحة النفسية لسكان قرية ماثياكاني. إذ لم يتمكن أطفال ندافو من الذهاب للمدارس لأكثر من أسبوع بعد أن انتشر الجراد في مزرعتها، ومكثوا في المنزل لمساعدة والديهم في محاربة الجراد الذي هبط في مزرعتهم.
وتقول ندافو إن البالغين في القرية استخدموا في البداية الوسائل المتاحة لإزعاج الجراد وإبعاده عن المزرعة ثم لجأوا إلى إشعال النيران وحرق إطارات السيارات، ولما باءت محاولاتهم بالفشل، طلبوا من الأطفال أن يصيحوا في الجراد لإخافته إلى أن تتوفر المبيدات الحشرية في القرية.
لكن هذا الصياح ترك أثرا طويل الأمد على الأطفال. وتقول ندافو إنها كانت تستيقظ في معظم الليالي على صرخات أطفالها، الذين كانت تنتابهم كوابيس عن غزو الجراد لمنازلهم.
وتقول بنيناه نغولي، المدرسة من قرية مجاورة، إن النساء هن الأكثر تضررا من أسراب الجراد، لأنهن يتحملن عادة مسؤولية زراعة المحاصيل في المنطقة، بينما يرعى الرجال الماشية. ويعاني بعض النساء من مشاكل في الحنجرة من أثر الصياح لإبعاد الحشرات، بينما يخشى معظم النساء حدوث غزو آخر للجراد.
ومن المرجح أن تشهد كينيا غزوا جديدا للجراد، لكن أثره سيكون مدمرا. إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه في حالة انتشار الجراد مرة أخرى سيعاني ما يتراوح بين خمسة ملايين و25 مليون شخص في منطقة شرق أفريقيا من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد.
أدوات الصمود
وأعلنت حكومة كينيا في منتصف فبراير/شباط الماضي عن عدة إجراءات للقضاء على الجراد في البؤر الموبوءة بالجراد شمالي البلاد، مثل رش المبيدات الحشرية يدويا وعن طريق الطائرات، ونشر فرق لتقييم الضرر الناجم عن الجراد. وسيساعد هذا التقييم الحكومة في وضع خطة لدعم الأسر الكينية التي فقدت مصدر رزقها بسبب غزو الجراد.
وتعد كينيا واحدة من الدول المستفيدة من منحة قدرها 1.5 مليون دولار قدمها البنك الأفريقي للتنمية لمساعدة دول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي في معركتها ضد غزو الجراد. وقدم البنك الدولي منحة أخرى قدرها 43 مليون جنيه إسترليني لمساعدة 70 ألف أسرة من أسر الرعاة و20 ألف مزارع في كينيا على التعافي من غزو الجراد.
ويقول موسى مولى، الخبير في مجال الحفاظ على البيئة، وعمل في مؤسسة "أكشن إيد" بكينيا لست سنوات، إن هذه المنحة يمكن استخدامها في تجهيز المزارعين، مثل ندافو، بالوسائل التكنولوجية التي تساعدهم في التصدي لأي غزو لاحق للجراد.
وتمثل المبيدات الحشرية خط الدفاع الأول في مواجهة أسراب الجراد، لكن الحصول على المبيدات في خضم أزمة وباء كورونا المستجد كان عسيرا، إن لم يكن مستحيلا في بعض الأماكن، بسبب تعطل سلاسل توريد المواد الكيميائية. هذا بالإضافة إلى أن رش المبيدات الحشرية له جوانب سلبية، لأن المواد الكيميائية المستخدمة قد تضر البيئة وصحة البشر.
وقد تستخدم في المقابل طائرات مسيرة تحلق على ارتفاع منخفض لرش المبيدات ومراقبة انتشار الجراد، وشباك معدنية مكهربة لمكافحة أسراب الجراد.
فقد توضع شباك كهربائية على الحقول لتوليد ذبذبات لإبعاد أسراب الجراد وصعقها إذا اقتربت من الشبكة. وقد أثبتت التجارب الأولية أن هذه الشباك أكثر فعالية في القضاء على الأسراب الأقل عددا.
وتمثل المبيدات الحيوية بديلا آخر للمبيدات الكيميائية. إذ تحتوي المبيدات الحيوية على فطر الميتاريزيوم الذي يصيب الجراد ويقتله. وأشار تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة إلى أن المبيدات الحيوية تستهدف الجراد دون أن تؤثر على الأنواع الأخرى من الحشرات، ولهذا تعد أقل ضررا بالبيئة وبصحة البشر مقارنة بالمبيدات التقليدية.
لكن المبيدات الحيوية تستغرق وقتا أطول لقتل الآفات مقارنة بالمبيدات الحشرية التقليدية، ومن ثم قد يزيد حجم الضرر الذي تلحقه الحشرات بالمحاصيل.
وقد تساعد محطات الرصد الجوي في الحقول في تنبيه المزارعين للاستعداد لغزو الجراد. إذ تتشكل عادة أسراب الجراد عندما يطول موسم الجفاف وتعقبه أمطار غزيرة، وقد ترصد المحطات هذه التغيرات في الطقس ومن ثم تنبه المزارعين لبدء رش المبيدات مبكرا.
واتخذ المزارعون في القرى، التي لم تكن ضمن المناطق ذات الأولوية للحصول على المساعدات الحكومية أو رش المبيدات، خطوات للتعافي من أزمة الجراد عن طريق تنويع المحاصيل. وبدلا من الاعتماد على محاصيل تقليدية، مثل اللوبيا والذرة، الأكثر تأثرا من غزو الجراد، اتجه عدد متزايد من المزارعين لزارعة الفاكهة والخضروات، بمساعدة مشروع ري القرى الذي دشنته مؤسسة "أكشن إيد" في كينيا منذ عام 2009.
وتقول نغولي إن هذا المشروع أتاح لنحو 40 أسرة مسجلة في المشروع زراعة محاصيل عديدة، منها الطماطم والكرنب والكيل والفلفل، من خلال حفر عدة آبار بمحاذاة النهر. وكان هؤلاء المزارعون أقل تضررا من الجراد مقارنة بنظرائهم الذين لم يزرعوا سوى الذرة واللوبيا ونبات الماش.
وتقول نغولي إن الأسر الجائعة من القرى المجاورة تفزع إليهم طلبا للمساعدة، وتحصل على الطعام ويجري تدريبها على طرق الاستفادة من مشروع ري القرى.
التنبؤ بالآفات
يرى عزرا كيبروتو ييغو، المنسق بشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، أن ثمة علاقة محتملة بين تغير المناخ وظواهر الطقس المتطرفة وبين أسراب الجراد في شرق أفريقيا.
ويقول إن الأعاصير الحلزونية في المحيط الهندي العام الماضي ضربت عدة مدن، وربما تكون هيأت بيئة مواتية للجراد ليتكاثر ويشكل أسرابا هاجرت من الشرق الأوسط إلى شرق افريقيا.
ويستبعد ييغو اختفاء الجراد قريبا، لأن الطقس المتقلب أدى إلى إطالة فترات هطول الأمطار، ومن ثم وفر لهذه الحشرات الغطاء الأخضر الذي يؤمن لها الغذاء ويساعدها على التكاثر.
وثمة تحد آخر يعوق جهود مكافحة الجراد في شرق أفريقيا يتمثل في انعدام الاستقرار السياسي. ويقول ييغو إن وكالات الأمم المتحدة المعنية بمحاربة أسراب الجراد نادرا ما تجازف بإرسال فرقها إلى دول مثل الصومال التي تتعرض لهجمات متكررة من مقاتلي حركة "الشباب".
وكلما أحرزت كينيا تقدما في احتواء الجراد، تهاجمها أسراب جديدة من الجراد الذي تكاثر وشكل مجموعات في البلدان الأقل استقرارا. ولهذا يشدد ييغو على أهمية بناء السلام الدولي والاستقرار السياسي في مكافحة الجراد.
وتقول ندافو إن سكان قرية ماثياكاني يبذلون جهودا الآن لتحسين القدرة على الصمود في وجه أزمة الجراد، في وقت تشير فيه تقارير إلى احتمالات تفشي موجة أخرى من أسراب الجراد. فمن المتوقع أن يفقس البيض الذي وضعه الجراد في المنطقة أثناء الغزو الأخير، مع اقتراب موسم الحصاد.
وشاهد الناس مؤخرا مجموعات مما يعرف بـ "حوريات" الجراد الصحراوي تقفز في مختلف أنحاء القرية. وأحيانا تموت هذه الحوريات وتختفي بعد رشها بالمبيدات.
وتقول ندافو: "نحن نعلم أن مشكلة الجراد لم تنته بعد".
فيديو قد يعجبك: