حبسه كورونا وأهلكه النيل.. حكاية سوداني مع "الفيضان الأسوأ" منذ قرن
كتبت- رنا أسامة:
تصوير- عبدالعظيم سعيد:
بين عشيةٍ وضُحاها، انقلب حال السوداني ماجد حسانين دياب (25 عامًا) رأسًا على عقب. فبعد عام و6 أشهر قضاهم مُغتربًا بالمملكة العربية السعودية، أتت جائحة فيروس كورونا على ما تحصّل عليه من أموال طيلة فترة غربته، ثم جاء الفيضان المُدمّر ليقضي على الباقي منه.
عاد دياب، الذي كان يعمل حتى وقت قريب مُحاسبًا بمتجر بقالة في مدينة الطائف، إلى بلاده في إجازة عمل منذ 14 مارس الفائت. ولكن انتشار "كوفيد 19" حاله دون الرجوع إلى المملكة وجعله حبيس المسكن، وبلا وظيفة، في ظل إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي التي فرضتها دول العالم لمواجهة الوباء.
"حبيس كورونا"
قال دياب، في اتصال هاتفي مع مصراوي: "رجعت السودان إجازة 3 أشهر وما قدرت أرجع مع الكورونا. النقود التي جمعتها ضاعت كلها واتحبست (علُقت) بسبب كوفيد-19. ما قدرت أرجع وعايز أرجع وما لاقي طريقة. قاعد هنا بدون شغل".
سجّل السودان الذي يرزح تحت وطأة أزمات اقتصادية وصحية، أكثر من 13 ألف إصابة بـ"كوفيد 19"، توفي منها 834 حالة، وذلك منذ تسجيل أول حالة مؤكدة في 13 مارس الفائت لمواطن خمسيني كان عائدًا من الإمارات وتوفي في الخرطوم متأثرًا بإصابته.
وعلاوة على تداعيات أزمة كورونا التي طالت دياب، ضمن 2.7 مليار عامل حول العالم، جاء فيضان النيل غير المسبوق منذ أكثر من 100 عام ليُزيد الطين بلّة ويقضي على ما تبقى من "تحويشة العمر" لهذا الشاب العشريني.
ذكر دياب أن الأموال التي جمعها خلال فترة عمله بالسعودية ضاعت بسبب الفيضان، موضحًا: "عملت بها صيانة للمنزل، وقبل انتهاء الصيانة حدث الفيضان. منزلي اتدمر وحوائطه انهارت".
تسبب الفيضان المُستمر منذ نهاية يوليو في "خسائر مُفجعة" تاركًا أكثر من نصف مليون سوداني مُشردين بغالبية ولايات البلاد، فيما أودى حتى الآن بحياة 106 أشخاص وأصاب 54 آخرين بجروح، بحسب وزارة الداخلية السودانية.
ومن بين أكثر من 72 ألف عقار تضرّر بفعل مياه النيل الهائجة، وفق الأرقام الرسمية، دُمّر منزل دياب جزئيًا في مدينة سنجة بولاية سنّار (شرق البلاد)- أكثر ولايات السودان الـ18 تضررًا؛ بسبب موقعها القريب من النيل.
"يوم الكارثة"
وروى السوداني العشريني لمصراوي: "شعرت بالكارثة الساعة 2:00 صباح يوم الخميس 7 سبتمبر. كانت الناس تصرخ. فتحت باب المنزل ووجدت المياه تتدفق إلى الداخل. فهرعت لإيقاظ والدتي والحمد لله نجينا من الغرق، لكن الخسارة فادحة".
وتابع: "لم ننم حتى شروق الشمس. وبدأنا بعد ذلك ننقل ما تبقى من الأثاث إلى الخارج على الأسفلت بعيدًا عن المياه".
وأكمل: "كله راح. كل شيء اُتلِف. كل الأثاث دُمِر. فقدنا الذهب والنقود. المياه أغرقت كل الغرف".
وأشار إلى تعاون أهالي سِنار مع بعضهم البعض لإنقاذ ما تبقى من أثاث منازلهم التي غمرتها المياه. "كلنا بنساعد بعض.. أنا بنقل حاجة جاري والعكس"، يقول دياب.
وفي صورة التُقِطت للشاب العشريني وراجت على مواقع التواصل الاجتماعي، بدا دياب مُبتسمًا رغم المحنة، بينما كان مُمسكًا بمنضدة في يده ويحمل أخرى على رأسه ليعبر بهما إلى برّ الأمان. وأكّد "نبتسم لأن كل شيء مكتوب ومُقدّر".
أين الحكومة؟
وفيما لا تزال المحنة الطارئة التي ألمّت بالسودانيين مستمرة، يعيش دياب الآن، رفقة والدته، بإحدى مدارس سنار، لحين استئجار منزل، وهو الأمر الذي يحيط به كثير من الصعوبات، لا سيّما مع ارتفاع إيجارات المنازل.
واستنكر ابن ولاية سنار- التي تكبّدت خسائر تفوق تلك خسائر كافة الولايات- غياب الحكومة وعدم توافر الدعم اللازم لمُتضرري السيول. وقال: "لم نتلقَ أي دعم حكومي على الإطلاق".
وأوضح دياب أن منظمة الأمومة والطفولة (اليونيسيف) وفّرت خيامًا محدودة لم يحصل عليها سوى بعض المتضررين فقط، مُشيرًا إلى تقديم مساعدات غذائية بشكل خيري من قِبل مواطنين وأحياء أخرى.
وقال: "لم يتوفر أي شيء. منظمة اليونيسيف فقط وزعت خيام، وهناك أشخاص حصلوا عليها وآخرون لا".
وأوصى دياب الحكومة بضرورة التعامل على قدر فداحة الأزمة، مُعربًا عن استيائه من تأخر المسؤولين، بمن فيهم والي سنار الماحي سليمان، عن تفقّد الولاية المنكوبة.
وقال: "زارنا (الماحي وبعض المسؤولين) بعد 4 أو 5 أيام من الفيضان، فطردهم سكان الحي. وبعدها جاء مرة أخرى مع رئيس الوزراء (عبدالله حمدوك)".
والاثنين الماضي، تفقّد حمدوك ووفد وزراي رفيع المستوى، تجمعات المتضررين من آثار الفيضان الأسوأ منذ قرن في سنجة. وأكد خلال لقائه مع المتضريين الذين تم إيواؤهم في مدارس ونوادِ، دعم الدولة للمتضررين وتقديم كل المساعدات.
كما استعرض والي سنار، الماحي سليمان، حجم الأزمة والأضرار الكبيرة التي لحقت بالمواطنين، وقدّم لحمدوك عددًا من المطالب الخاصة بدعم البنى التحتية في الولاية، منعًا لتكرار الكارثة.
فيديو قد يعجبك: