كيف باتت إثيوبيا على حافة حرب أهلية؟
(بي بي سي):
تحول الصراع في إقليم تيجراي شمالي إثيوبيا إلى معارك واسعة النطاق في عموم البلد، وهو ما يهدد بتقسيمها وإثارة الاضطرابات في المنطقة بأكملها.
فقد شن المتمردون في تيجراي هجوما متجهين جنوبا إلى العاصمة الفيدرالية أديس أبابا، مما دعا رئيس الوزراء آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل في السلام، إلى قيادة الجيش على جبهة القتال بنفسه.
وأجبر الصراع مواطني دول غربية وطواقم العمل الأجنبية غير الضرورية للأمم المتحدة على مغادرة إثيوبيا بسبب ما وصفوه بالموقف الأمني الآخذ في التدهور.
وأصبحت إثيوبيا، بعد نهاية الحرب الأهلية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، من أسرع الاقتصادات نموا في أفريقيا وأحد أهم الدول التي تدعم الاستقرار في المنطقة.
لكن عدوى العنف الدموي انتقلت من تيغراي، حيث اندلع القتال بين المتمردين من جبهة تحرير شعب تيجراي والقوات الحكومية، إلى إقليم أمهرة المجاور له وإقليم عفر شمال شرقي إثيوبيا.
ولم تكن الانتصارات التي أحرزتها القوات الحكومية على جبهة القتال في الفترة الأخيرة كافية لضمان عدم اتساع نطاق الصراع الذي راح ضحيته الآلاف وشُرد بسببه ملايين الإثيوبيين.
عودة ثانية
قال مقاتلو جبهة تحرير شعب تيجراي إن الهجوم الذي يتجهون به جنوبا يستهدف الضغط على الحكومة الفيدرالية في اتجاه رفع الحصار الذي تفرضه على الإقليم، والذي يتضمن قطع الاتصالات وحظر دخول المساعدات الإنسانية.
ورغم ذلك، اتهمت إدارة آبي أحمد المتمردين بالترويج لتغيير نظام الحكم بالعنف، مما أعاد إلى المشهد مخاوف حيال نية الجبهة العودة إلى الحكم.
وهيمنت جبهة تحرير شعب تيجراي على المشهد السياسي في إثيوبيا حوالي 27 سنة بعد أن قادت محاولة للتمرد عام 1991 ضد الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك.
فترة حكم الجبهة أدت إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات في البنية التحتية وهو ما عزز أداء الاقتصاد الإثيوبي، لكنها شهدت أشكالا من القمع الاجتماعي والسياسي.
وكان القمع السياسي هو الشرارة التي أطلقت احتجاجات شعبية جاءت بآبي أحمد إلى السلطة في إبريل 2018، حاملا معه أجندة من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والأمنية.
حمل السلاح
بدأت المعارك بين قوات جبهة تحرير شعب تيجراي والقوات الحكومية التي تدعمها ميليشيات من إقليم أمهرة وقوات من جيش إريتريا.
وبالفعل تمت الإطاحة بزعماء الإقليم في أسابيع قليلة، لكن قتالا نشب في الأطراف النائية من الإقليم، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية التي تعانيها المنطقة بالفعل. وأدى ذلك إلى أن أصبح حوالي 90 في المئة من سكان تيجراي، البالغ عددهم 5.2 مليون نسمة، في حاجة إلى مساعدات إنسانية طارئة، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
ولاذ الآلاف بالفرار من الإقليم إلى السودان.
واستعاد المتمردون السيطرة على عاصمة الإقليم ميكيلي في يونيو الماضي بالتزامن من الترقب لنتائج الانتخابات العامة، على أمل تقويض شرعية أبي أحمد.
ومع سيطرة مقاتلي جبهة تحرير شعب تيجراي على مناطق خارج الإقليم، انخرطت ميليشيات موالية للحكومة الفيدرالية في القتال.
ودعا رئيس الوزراء الإثيوبي الشعب إلى حمل السلاح لمنع تقدم المتمردين من تيجراي نحو العاصمة أديس أبابا.
وقال آبي أحمد في ذلك الوقت: "واجبنا أن نموت جميعا من أجل إثيوبيا. لذا على أفراد شعبنا أن ينحوا شؤونهم الخاصة جانبا وأن ينظموا الصفوف من أجل تكريس كل ما أوتينا من سلاح وقوة لقتال ودفن حزب جبهة تحرير شعب تيغراي الإرهابي الذي خرج من الإقليم في مهمة لتدمير البلاد".
جاء ذلك في بيان نشره آبي أحمد على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الذي حذف منشور رئيس الوزراء الإثيوبي في الرابع من نوفمبر الماضي خشية تحريضه على العنف.
تحالف الوجوه القديمة
في أغسطس الماضي، دخلت جبهة تحرير شعب تيجراي في تحالف عسكري مع متمردي جيش تحرير الأورومو الذي ينتمي إلى أهم القوميات الإثيوبية وأكثرها شعبية، والتي تعرضت لكثير من التهميش من قبل الحكومات المتتالية.
وكان آبي أحمد هو أول شخص من قومية الأورومو يتولى رئاسة وزراء إثيوبيا.
لكن عقب اعتقال الحكومة معارضين لها من الأورومو، أعلن جيش تحرير الأورومو معارضته الشديدة لرئيس الوزراء.
وكان ذلك التحالف سببا في تقدم المقاتلين المتمردين واستيلائهم على بعض المدن الرئيسية في إقليم أمهرة، أثناء اتجاههم إلى العاصمة أديس أبابا.
واكتسب التقدم المزيد من الزخم بعد أن إعلان سبعة من القوى السياسية وفصائل المتمردين دعمهم لهذا التحرك.
وأعلنت الحكومة المركزية الإثيوبية في ذلك الوقت أنها استعادت السيطرة على بعض المدن المهمة التي استولت عليها قوات المتمردين.
مطالب الحوار تتلاشى
في السابع من نوفمبر الماضي، أعرب مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى إثيوبيا والرئيس النيجيري السابق أوليسيجون أوباسانجو عن أمله في أن يكون لدى الأطراف المتحاربة استعدادا للحوار.
لكن المتمردين وآبي أحمد استمروا في القتال.
وقال ديبريتسيون جبرميكائيل، زعيم جبهة تحرير شعب تيغراي بعد يومين من اجتماعه مع مبعوث الاتحاد الأفريقي: "الزمرة الفاشية دمرت جيشها النظامي، وهي الآن تنتظر دفنها كما حدث للديكتاتوريات السابقة، والذي قد يحدث قريبا".
وقال رئيس وزراء إثيوبيا، ردا على ذلك، إن المتمردين سوف "يُذبحون قريبا".
في غضون ذلك، بدأت الضغوط الإقليمية تضعف مع رفض الدعوات العالمية إلى الحوار بين الأطراف المتحاربة الواحدة تلو الأخرى.
وظهرت علامات استفهام كثيرة حول الحياد الذي يتبناه الاتحاد الأفريقي، الذي يقع مقره في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد نشر تغريدة على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تنتقد دعوة أمريكية إلى الحوار بين أطراف الصراع، وهي التغريدة التي حُذفت بعد نشرها بقليل.
وتتصاعد مظاهرات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا احتجاجا على الولايات المتحدة ودول الغرب والإعلام الأجنبي.
وقال آبي أحمد: "سوف تُهزم تلك القوى التي تحاول أن تملي على بلادنا ما تفعله وأن تفرض وصايتها علينا من خلال الدعاية الاقتصادية والدبلوماسية والإعلانية أو الحرب النفسية على أيدي القوى الموحدة للإثيوبيين".
فيديو قد يعجبك: