فيروس كورونا: هل تسير باكستان على خطى الهند وتواجه "مصيراً مشؤوماً" قريباً؟
إسلام اباد- (بي بي سي):
بالنسبة إلى ماهويش بهاتي كان اختيار مختبر خاص لأخذ لقاح ضد فيروس كورونا هو الخيار الأخير.
وقالت الشابة، البالغة من العمر 35 عاما، من لاهور بباكستان لبي بي سي عبر الهاتف: "كنت يائسة، أصبت بالذعر، فقد كانت والدتي لا تزال تنتظر جرعتها الثانية من اللقاح، لذلك اعتقدت أن دوري لن يأتي أبدا، وقلت لنفسي سأشتري فقط أي لقاح متاح".
واضطرت بهاتي، التي فقدت وظيفتها مؤخراً، إلى دفع أكثر من 12 ألف روبية (78 دولارا) لمختبر خاص من مدخراتها الشخصية للحصول على لقاح سبوتنيك في الروسي الصنع. وتضيف ضاحكة: "لقد تلقيت جرعة واحدة من اللقاحات، لكن محفظتي أيضا تلقت ضربة".
لكن ذلك القرار قد يكون من أفضل القرارات التي اتخذتها بهاتي على الإطلاق، فقد أصبحت الآن من بين أقل من 2 في المئة من سكان البلاد الذين تلقوا لقاحاً حتى الآن، حيث استطاعت تخطي طابور طويل من خلال دفع ثمن بعيد عن متناول العديد من الباكستانيين.
والآن تتزايد الحالات في باكستان حيث سجلت مستويات قياسية هذا الأسبوع، وتعد المحارق التي تحرق الجثث عبر الحدود في الهند بمثابة تذكير صارخ بمدى سرعة تصاعد الأمور عندما يتعلق الأمر بكوفيد.
وقد شهدت باكستان بالفعل ارتفاع حالات الإصابة النشطة من 16 ألف حالة في الأسبوع الأول من شهر مارس الماضي إلى أكثر من 140 ألف حالة جديدة في أبريل وحده، بالإضافة إلى أكثر من 3 آلاف حالة وفاة، مما يجعله أسوأ شهر منذ بدء الوباء.
وتكشف البيانات الرسمية أن القدرة الاستيعابية للأسرة في وحدات العناية المركزة في المستشفيات العامة والخاصة الكبرى في لاهور قد وصلت إلى أكثر من 93 في المئة في 28 أبريل، بينما تشهد بعض المدن الكبرى في مقاطعة البنجاب الأكبر والأكثر تضررا استخدام 80 في المئة من أجهزة التنفس الصناعي والأسرة المجهزة بالأكسجين.
وإذا استمر عدد الإصابات في الازدياد فلن تواجه باكستان فقط نقصا في الأسرة، فقد أشار وزير التخطيط الباكستاني أسد عمر إلى أن البلاد تستخدم بالفعل 90 في المئة من إمدادات الأكسجين، مع تخصيص أكثر من 80 في المئة بالفعل لاحتياجات الرعاية المركزة.
وقد حذر رئيس الوزراء عمران خان من أن باكستان، التي يوجد بها أقل من طبيب واحد لكل 963 شخصاً، قد تواجه كارثة.
كيف وصلت باكستان إلى هذه المرحلة؟
كان أحد العوامل الرئيسية التي أوصلت باكستان إلى هذه المرحلة هو وصول السلالة البريطانية، كما أكد عمر في الأسبوع الثاني من شهر مارس الماضي، وقد أعلن لاحقا أنها أكثر خطورة من السلالة الأصلية.
لكن السلالة اصطدمت بشيء آخر هو اللامبالاة. وتقول الدكتورة سيمي جمالي، المدير التنفيذي لمركز جناح الطبي للدراسات العليا (جي بي إم سي)، أحد أكبر المستشفيات العامة في كراتشي: "أعتقد الناس بعد الموجة الثانية أن هذه نهاية الوباء وقد انتهى الأمر".
وأضافت قائلة: "بالكاد كنت تجد أي شخص يتبع الإجراءات الاحترازية مثل ارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي، حتى في المستشفيات لم يكن الناس حذرين".
وفي الواقع، خرجت باكستان من الموجتين الأولى والثانية سالمة نسبياً، وكانت الموجة الأولى قد جاءت خلال شهري مايو ويونيو من العام الماضي، لكنها تراجعت في غضون أسابيع قليلة، وظهرت الموجة الثانية في منتصف سبتمبر واستمرت حتى أواخر فبراير/شباط الماضي.
وقد أصيب أكثر من 800 ألف شخص بالعدوى منذ أن تم تشخيص أول مريض بكوفيد 19 في باكستان في فبراير من العام الماضي، مع أكثر من 17 ألف حالة وفاة بسبب كوفيد خلال الأشهر الـ 14 التالية، لكن في بلد يزيد عدد سكانه عن 216 مليون نسمة فإن هذه الأرقام لا تعد كبيرة جداً.
وتتمثل المشكلة في أنه لا يوجد أحد متأكد تماماً من كيفية تجنب باكستان ضربات شديدة في البداية، وتشير الدكتورة جمالي إلى أن "الحظ" لعب دوراً، بينما لدى البعض الآخر تفسيرات مختلفة.
وقال الدكتور سيد فيصل محمود، رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى جامعة آغا خان في كراتشي: "بصراحة، ما زلنا غير متأكدين من سبب قصر عمر الموجة الأولى نسبياً".
وأضاف قائلا: "بالنظر إلى الماضي، ربما كان ذلك بسبب عمليات الإغلاق الصارمة جداً التي تم فرضها في وقت مبكر من بين عوامل أخرى".
لكن رئيس الوزراء غير حريص على فرض إغلاق آخر، ولقد قال خان ذلك في أواخر أبريل، موضحاً أنه لا يريد اتخاذ أي خطوات من شأنها زيادة معاناة العاملين بأجر يومي والطبقة العاملة.
ومع ذلك، فقد ترك احتمال فرض الإغلاق مفتوحاً عندما قال: "إذا أصبحت ظروفنا كما هو الحال في الهند".
تجنب "مصير مشؤوم وشيك"
لكن قد تأخذ المقاطعات الباكستانية، التي اتخذت قراراتها بنفسها منذ اندلاع الوباء، الأمور بأيديها. فبعد إغلاق صارم على المستوى الوطني لمدة أسبوعين في مارس الماضي، انتقلت كل من الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية في باكستان إلى عمليات الإغلاق "الذكية" أو "الجزئية" مع التركيز فقط على المناطق الأكثر تضرراً، وهو أسلوب لا يزال شائعاً على الرغم من أن النقاد ما زالوا غير مقتنعين بفعالية هذا الإجراء.
وبالنسبة للدكتورة جمالي فإن تأخير الإغلاق، حتى مع الإجراءات الإضافية مثل إغلاق المدارس وجعل المطاعم تقدم الوجبات الجاهزة فقط واستدعاء الجيش لفرض ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي، أمر غير مقبول.
وقالت الدكتورة جمالي:"وجهة نظري الشخصية أنه يجب اتخاذ تدابير صارمة، إنهم بحاجة إلى اتخاذ إجراءات إغلاق كبيرة، ذلك أن مجرد التهديد بالإغلاق لن ينجح لأن الناس أصبحوا أكثر تحدياً، وتحتاج الحكومة إلى فرض إرادتها من أجل الصالح العام للبلاد ".
ويضيف الدكتور نسيم علي شيخ، مسؤول التعامل مع كوفيد 19 في مستشفى حميد لطيف في لاهور: "لم نوقف التجمعات الكبيرة مثل حفلات الزفاف والمناسبات التي تسبب انتشار هذا المرض، ومع اقتراب العيد تنزل الجماهير إلى الشوارع ولا أحد يتكفل بالاحتياطات، ومجرد سن القوانين ليس كافياً وإنما فرضها ضروري لتجنب المصير المشؤوم الوشيك".
وهناك، بالطبع، طريقة أخرى للسيطرة على الفيروس وهي عمليات التلقيح.
ومع ذلك، فإن خطط تطعيم 50 في المئة من إجمالي السكان البالغين بحلول نهاية هذا العام تبدو بعيدة المنال.
فوفقا للدكتور فيصل سلطان، المساعد الخاص لرئيس الوزراء خان للشؤون الصحية، فقد أعطت باكستان ما يزيد قليلا عن مليوني جرعة منذ بدء حملة التطعيم في 2 فبراير الماضي.
فيروس كورونا: كيف تكافح باكستان الأزمة بالزكاة والصدقة؟
فيروس كورونا: كيف أظهر الوباء الفجوة الهائلة في قطاع التعليم الباكستاني؟
وهذا يعادل 0.95 جرعة لكل مئة شخص، وقد تمكنت الهند، التي بدأت برنامج التطعيم في يناير الماضي، من إعطاء أكثر من 144 مليون جرعة، أي ما يقرب من 10.5 جرعة لكل مئة شخص.
وقال الدكتور سلطان إن باكستان تمكنت حتى الآن من ضمان الحصول على 18 مليون جرعة فقط، ولم تتلق البلاد منها سوى ما يزيد قليلا عن 5 ملايين جرعة.
ووفقا للبيانات التي جمعها مركز دوك غلوبال هيلث إينوفيشان فإن باكستان تحتاج إلى ما لا يقل عن 86 مليون جرعة.
وتقول ذي إيكونوميست إنتليجنس يونيت في تقريرها أن باكستان لن تحقق التلقيح على نطاق واسع، أي تلقيح ما بين 60 و70 في المئة من سكانها البالغين، إلا بحلول أوائل عام 2023.
وتعتقد الدكتورة جمالي، المدير التنفيذي لمركز جناح الطبي للدراسات العليا (جي بي إم سي) أحد أكبر المستشفيات العامة في كراتشي، أن المعلومات المضللة والمواقف المعارضة للقاحات تلعب دوراً في إبطاء البرنامج، ومع ذلك، تضيف قائلة: "إن عملية شراء اللقاح من قبل الحكومة كانت بطيئة جدا".
ومن ناحية أخرى، يقول الدكتور شيخ إنه في حين أن الحكومة تمكنت من متابعة حملة تلقيح فعالة من خلال عملية سهلة الفهم للتسجيل والتلقيح إلا أنها ليست كافية.
وقال لبي بي سي: "هذا للأسف لا يكفي لأن غالبية سكاننا لا يستوعبون مفهوم التلقيح والغرض منه، فيجب أن تشمل الحملة التوعية كما يجب ضمان الالتزام بالإجراءات الاحترازية بشكل أكثر صرامة".
وبالنسبة إلى ماهويش بهاتي، فعلى الرغم من تلقيها الجرعة الثانية من لقاح سبوتنيك في مؤخرا، فإنه لا يوجد الكثير من الضوء في نهاية النفق.
وتقول بهاتي: "عملية التلقيح بطيئة للغاية، وأتساءل أحيانا متى سيأتي دور فئتي العمرية للحصول على التطعيم، وربما كنت محظوظة بما يكفي لشراء جرعات لنفسي، ولكن ماذا عن رجال عاديين يتلقون أجورهم بشكل يومي؟ وليس لديهم الكثير من المدخرات، كيف سيحصلون على تلك الجرعات إذا لم يكن هناك لقاح؟".
شاركت في التغطية بينظير شاه، صحفية مقيمة في لاهور.
فيديو قد يعجبك: