إعلان

حكاية دولة "وُلدت من رحم حرب أهلية"

01:53 م الجمعة 09 يوليه 2021

أثار التصويت على الانفصال في استفتاء عام 2011 مشاه

(بي بي سي):

في يوليو من عام 2011 ، ابتسمت نونو ديانا وهي تبكي عندما حصل جنوب السودان على الاستقلال، متصورة مستقبل وطنها: أمة عظيمة، مسالمة ومزدهرة ومليئة بالأمل والفرص.

وبعد مرور 10 سنوات على تلك التطلعات التي تحطمت بسبب الحرب الأهلية وعدم الاستقرار المزمن والانهيار الاقتصادي، تنظر ديانا إلى الوراء، إلى ذلك التفاؤل الشبابي بشكل مختلف.

وتقول ديانا، وهي أخصائية اجتماعية تبلغ من العمر 33 عاما وأم لأربعة أطفال لوكالة الأنباء الفرنسية في العاصمة جوبا : "أعتقد أنه كان مجرد حلم".

و شاهدت ديانا انطلاق الاحتفالات في جوبا ورفع علم دولة جنوب السودان المستقلة حديثا على شاشة التلفزيون من مخيم للاجئين في أوغندا حيث فرت عائلتها من سنوات من الحرب التي بدت بلا نهاية.
وكان إعلان الاستقلال يعني إنهاء إراقة الدماء بين شمال السودان ذي الأغلبية المسلمة وجنوبه ذي الأغلبية المسيحية والوثنية، وفرصة للعودة أخيرا إلى الوطن.
وقالت ديانا: "لقد جعلني 9 يوليو في الواقع أكثر استقلالا من جنوب السودان نفسه، لأنني كنت أعرف أنني سأعود إلى بلدي".

وأضافت قائلة إن السعادة في تلك اللحظة والأمل لبلدها وشعبها كان مثل "ولادة طفل جديد".

أمل مفقود

وقالت ديانا إنها أنصتت في انبهار، أثناء نشأتها، إلى خطابات القادة الموقرين الذين قاتلوا من أجل الاستقلال عن السودان: "لقد أعطتني تلك الخطب الأمل في أن نكون يوما ما أمة عظيمة".

وعند الاستقلال، بدت التطلعات غير محدودة. فقد بدا جنوب السودان غنيا بالنفط، وينعم بأرض خصبة ومياه وفيرة من النيل الأبيض، وأرض غنية بالثروات الطبيعية الرائعة والإمكانيات.

وقالت ديانا: "لقد تصورت جنوب السودان حيث سيكون النظام الصحي قويا للغاية بالنظر إلى أن لدينا مواردنا الطبيعية".

وأضافت قائلة: "لقد تصورت أيضا جنوب السودان حيث لدينا الموارد البشرية وخاصة الشباب من جنوب السودان الذين عادوا من دول مختلفة ليبنوا البلاد".

والأهم من ذلك أنها رأت لأطفالها فرصة للدراسة والتعلم، وهي الفرصة التي حُرمت منها بسبب نشأتها في الحرب والبؤس.

وقد عادت ديانا متفائلة وطموحة إلى جنوب السودان في أوائل عام 2012، لكن لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تلاشى ذلك السراب.

بحلول نهاية عام 2013، انفجرت التوترات المتأججة بشأن السيطرة على الدولة الجديدة بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار حيث أطلقت قواتهما النار على بعضها البعض.

كان جنوب السودان في حالة حرب أهلية. وفي 20 ديسمبر من ذلك العام، دخلت ديانا أوغندا مرة أخرى كلاجئة وأخذت معها ابنها الصغير.

وقالت: "كانت لدينا آمالنا في جنوب السودان ألا يمر أطفالنا بما مررنا به".

وأضافت قائلة:"كان اصطحاب ابني إلى أوغندا أحد الأشياء التي جعلتني أفقد الأمل في جنوب السودان".

واستمرت الحرب 5 سنوات، وهي الحرب التي قسمت البلاد على أسس عرقية، وعرضت المدنيين في جنوب السودان الذين أنهكتهم الحرب لفظائع مروعة.

فقد قُتل ما يقرب من 400 ألف شخص في الصراع بينما اضطر 4 ملايين آخرين، ثلث إجمالي السكان، إلى الفرار مثل ديانا، وقد فر بعضهم إلى مناطق أكثر أمانا في البلاد والبعض الآخر عبر الحدود.

"الأمور تزداد سوءا"

عادت ديانا في عام 2014، وأسست منظمة غير ربحية لمساعدة الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" بعد 4 سنوات.

لكنها قالت إنه خلال تلك الفترة، أبقت أطفالها الأربعة في أوغندا لضمان سلامتهم وتعليمهم على الأقل.

وفي غضون ذلك، تدهورت الأوضاع في جنوب السودان.

فما يقرب من ثلاثة أرباع جميع الأطفال في سن المدرسة لم يحصلوا على التعليم، وفقا لليونيسف، كما أن واحدا من كل عشرة أطفال لا يعيش بعد سن الخامسة.

وقالت ديانا: "أعتقد أن الأمور تزداد سوءا".

كما أن أكثر من 100 ألف شخص على شفا المجاعة.

وجعلت أزمة العملة، والتضخم الجامح، الحياة اليومية صعبة حتى بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في العاصمة جوبا.

وبدأت ديانا في زراعة البامية والفول السوداني والخضروات الأخرى في حديقة صغيرة لمحاولة توفير التكاليف، ولم يكن بإمكانها تحمل تكاليف الطهي إلا مرة واحدة في اليوم.

وتقول: "ما نأكله في الغداء يجب أن نتناوله في العشاء".

من رحم الحرب

في التاسع من يوليو من عام 2011 انفصلت جمهورية جنوب السودان عن الشمال لتصبح أحدث دولة مستقلة في العالم، وذلك نتيجة لاتفاق سلام أبرم عام 2005 أنهى أطول حرب أهلية في إفريقيا.

وكان أغلب سكان الجنوب قد صوتوا من أجل الانفصال في مطلع ذلك العام، فما هي حكاية هذه الدولة، وماذا حدث بعد 10 سنوات من هذا الإعلان؟

10 ولايات

تشكلت دولة جنوب السودان من عشر ولايات تقع في أقصى جنوب السودان، وهي أرض عشبية شاسعة ومستنقعات وغابات مطيرة استوائية تمتد على ضفتي النيل الأبيض.

وتتسم تلك الولايات بالتنوع العرقي واللغوي، ومن بين أكبر المجموعات العرقية هناك الدينكا والنوير والشلك.
وتبلغ مساحة دولة جنوب السودان نحو 620 ألف كيلومتر مربع، ويتراوح عدد سكانها بين 7.5 مليون و10 ملايين شخص.

وتعد اللغتان الإنجليزية والعربية رسميتان، فضلا عن لك يتحدث أهل البلاد غربي جوبا ودينكا.

وعلى عكس دولة السودان ذات الأغلبية المسلمة، يتبع جنوب السودان الديانات التقليدية، في حين أن هناك أقلية مسيحية.

تاريخ

مع استعداد السودان لنيل الاستقلال عن الحكم البريطاني والمصري المشترك عام 1956، اتهم زعماء الجنوب السلطات الجديدة في الخرطوم بالتراجع عن الوعود بإنشاء نظام فيدرالي، ومحاولة فرض هوية إسلامية وعربية.

وتمرد ضباط الجيش الجنوبيين في عام 1955، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية بين الجنوب ، بقيادة حركة حرب العصابات أنيا نيا والحكومة السودانية.

وانتهى الصراع عندما منحت اتفاقية أديس أبابا للسلام لعام 1972 الجنوب قدرا من الحكم الذاتي.

لكنالتمرد اندلع مجددا بالجنوب في عام 1983 بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان وجناحها المسلح، الجيش الشعبي لتحرير السودان، عندما ألغت الحكومة السودانية ترتيبات الحكم الذاتي.

جون قرنق: المتمرد الإفريقي المحير

ويُعتقد أن ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص قد لقوا مصرعهم وأن أكثر من 4 ملايين شردوا في 22 عاما من حرب العصابات التي تلت ذلك. وقد فرت أعداد كبيرة من جنوب السودان من القتال، إما إلى الشمال أو إلى البلدان المجاورة.

وانتهى الصراع أخيرا باتفاقية السلام الشامل لعام 2005، والتي بموجبها مُنح الجنوب حكما ذاتيا إقليميا إلى جانب التمثيل في حكومة تقاسم السلطة الوطنية.

كما نص الاتفاق على إجراء استفتاء في الجنوب على الاستقلال في عام 2011، حيث صوت 99 في المئة من سكان جنوب السودان لصالح الانفصال عن السودان.

بعد الاستقلال

مرت دولة جنوب السودان الوليدة بمحطات عدة من النزاع مع الخارج والاقتتال الداخلي منذ استقلالها عام 2011. وأسفرت هذه الحروب عن مقتل مئات الآلاف من المسلحين والمدنيين وتشريد أكثر من 4 ملايين شخص، فضلا عن أزمات اقتصادية وإنسانية.

أبرز المحطات التي مرت بها دولة جنوب السودان:

9 يوليو 2011 - إعلان الاستقلال عن السودان.

أغسطس 2011 - الأمم المتحدة تعلن مقتل 600 في اشتباكات عرقية في ولاية جونقلي.

سبتمبر 2011 - حكومة جنوب السودان تصوّت على اختيار مدينة رامشيل الواقعة في ولاية الوحدة عاصمة مستقبلية.

أكتوبر 2011 - الرئيس سلفا كير يقوم بزيارته التاريخية الأولى إلى الخرطوم منذ الاستقلال، واتفاق البلدين على تشكيل عدة لجان لحل نزاعاتهما الرئيسية، ومقتل ما لا يقل عن 75 شخصًا عندما هاجم متمردو جيش تحرير جنوب السودان مدينة مايوم في ولاية الوحدة.

نوفمبر 2011 - جنوب السودان يتهم السودان بشن غارات جوية على معسكر يدا للاجئين في ولاية الوحدة، والجيش السوداني ينفي مسؤوليته.

يناير 2012 - جنوب السودان يعلن ولاية جونقلي منطقة كوارث بعد فرار نحو 100 ألف شخص من الاشتباكات بين الجماعات العرقية المتنافسة.

فبراير 2012 - السودان وجنوب السودان يوقعان معاهدة عدم اعتداء في مباحثات عدد من القضايا البارزة حول الانفصال، لكن السودان بعد ذلك أوقف تشغيل أنابيب تصدير النفط في نزاع حول الرسوم. ونتيجة ذلك، قلص جنوب السودان معدلات الانفاق العام باستثناء المرتبات بمقدار النصف.

أبريل 2012 - بعد أسابيع من القتال بشأن الحدود، قوات جنوب السودان تحتل مؤقتا حقل النفط ومدينة هجليج الحدودية قبل تقهقرها، بينما أغارت الطائرات السودانية على منطقة بانتيو في جنوب السودان.

مايو 2012 - السودان يتعهد بسحب قواته من منطقة أبيي التي يزعم جنوب السودان أحقيته في السيطرة عليها مع استئناف محادثات السلام.

يوليو 2012 - جنوب السودان يحتفل بعيد الاستقلال الأول وسط أزمة اقتصادية متفاقمة وتوتر مستمر مع السودان.
أغسطس 2012 - نحو 200 ألف لاجئ يفرون إلى جنوب السودان هربا من القتال بين الجيش السوداني والمتمردين في الولايات الحدودية جنوب السودان.

سبتمبر 2012 - رئيسا السودان وجنوب السودان يتوصلان إلى صفقات في مجالات التجارة والنفط والأمن بعد أيام من المفاوضات في إثيوبيا. واعتزم الطرفان إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح والتمهيد لاستئناف تصدير النفط. ورغم ذلك، أخفق الطرفان في تسوية عدد من القضايا الحدودية، من بينها منطقة أبيي المتنازع عليها.

مارس 2013 - السودان وجنوب السودان يوافقان على استئناف ضخ النفط بعد نزاع مرير بشأن الرسوم الذي شهد توقفا للإنتاج لأكثر من عام، واتفقا كذلك على سحب قواتهما من مناطقهما الحدودية لإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح.

يونيو 2013 - الرئيس سلفا كير يقيل وزير المالية، كوستي مانيبي، ووزير شؤون مجلس الوزراء، دينق ألور، بسبب فضيحة مالية تتعلق بملايين الدولارات، ويرفع عنهما الحصانة لمقاضاتهما.

يوليو 2013 - الرئيس سلفا كير يقيل الحكومة بالكامل ونائبه رياك مشار في صراع على السلطة داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة.

الحرب الأهلية

ديسمبر 2013 - الحرب الأهلية تندلع بسبب اتهام الرئيس سلفا كير نائبه المقال، رياك مشار، بالتخطيط للإطاحة به، والفصائل المتمردة تحكم سيطرتها على عدة بلدات، ومقتل الآلاف وفرار كثيرين، والقوات الأوغندية تقف بجانب الحكومة.

يناير 2014 - توقيع اتفاق لإيقاف إطلاق النار، لكنه انتهك عدة مرات خلال أسابيع متوالية، وإخفاق مفاوضات إضافية في إنهاء أعمال العنف التي شردت ما يربو على مليون شخص بحلول أبريل، ومشار، يُتهم بالخيانة.

أبريل 2014 - الأمم المتحدة تقول إن القوات الموالية لمشار نهبت بلدة بانتيو الغنية بالنفط، وقتلت مئات المدنيين.

مايو 2014 - مبعوث الأمم المتحدة، توبي لانزر، يقول إن الصراع أسفر عن مقتل الآلاف، وتشريد ما يربو على مليون شخص، وافتقار خمسة ملايين إلى المساعدات الإنسانية.

يوليو 2014 - مجلس الأمن الدولي يصف الأزمة الغذائية في جنوب السودان بأنها الأسوأ في العالم.

مفاوضات السلام

أغسطس 2014 - مفاوضات السلام تبدأ في العاصمة، الإثيوبية، أديس بابا، وتمديدها لأشهر بينما يتواصل القتال.

فبراير 2015 - تأجيل الانتخابات المقررة في يونيو بسبب تواصل الصراع، والصين تعلن نشر فرقة مشاة مع بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان.

مارس/ آذار 2015 - المتمردون يحررون 250 من الأطفال المقاتلين في أعقاب مفاوضات مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، التي تقول إن 12 ألفا من الأطفال يشاركون في الصراع العسكري القائم.

أغسطس/ آب 2015 - على الرغم من التحفظات وتحت تهديد الأمم المتحدة بفرض عقوبات، يوقع الرئيس سلفا كير اتفاق سلام بوساطة دولية بموجبها يعود زعيم المتمردين مشار نائبا للرئيس.

أبريل/ نيسان 2016 - مشار يعود في النهاية إلى جوبا ويقسم اليمين كنائب أول للرئيس في حكومة وحدة جديدة.

سبتمبر/أيلول 2018، وقعت الأطراف المتحاربة بدولة جنوب السودان على اتفاق السلام بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تم بموجبه تشكيل حكومة انتقالية ممثلة لجميع أطراف الصراع.

مطالبة بقيادة جديدة

وصل الجوع إلى مستويات لم تعرفها البلاد منذ الاستقلال حيث يعاني حوالي 60 في المائة من السكان، نحو 7 ملايين شخص، من نقص حاد في الغذاء، وفقا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

ودمرت موجات الجفاف والفيضانات والجراد مواسم الحصاد ودفعت مجتمعات بأكملها إلى حافة الهاوية.
وفي غضون ذلك، تسببت الفظائع التي يصنعها الإنسان، ولا سيما العنف المسلح بين الأعراق، في مقتل العشرات وأجبرت الكثيرين على الانتقال باستمرار.

وتؤكد الناشطة نونو ديانا أن هناك بعض المعاني لشعار الأمة: العدل، الحرية، الازدهار.

لكنها لا تثق في قادة البلاد، وهم أولئك الرجال الذين اختاروا الحرب بدلا من بناء دولة، والذين لا تخدم حكومتهم شعبهم، والذين بددوا حلم الدولة.

وقالت: "نحتاج فقط إلى تغيير هذه القيادة".

وأضافت قائلة: "أعتقد أنه يجب على كل هؤلاء القادة الذين حررونا أن يجلسوا في المقعد الخلفي، وأن يسلموا البلد للشباب الذين لديهم الطاقة والتطلعات والآمال لهذا البلد".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان