كاتب أمريكي: تركيا ترتكب حملة إبادة ثقافية في قبرص
واشنطن - (د ب أ):
قام الجيش التركي في عام 1974 بغزو قبرص، بسبب مخاوف من أن يحاول المجلس العسكري في اليونان، ضم الجزيرة. وعندما انهار المجلس العسكري اليوناني وعادت اليونان إلى الديمقراطية، تلاشى سريعا أي عذر لبقاء القوات التركية في قبرص. ومع ذلك، بقيت القوات التركية في الجزيرة للقيام بحملة تطهير عرقي وطائفي، طويلة الاجل. أما اليوم، فإن جمهورية شمال قبرص التركية، وهي الدولة التي أسستها تركيا، تسيطر على ثلث الجزيرة.
ويقول الكاتب الأمريكي مايكل روبين، زميل معهد "أمريكان إنتربرايز"، والمتخصص في شؤون إيران وتركيا والشرق الأوسط، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إنه بينما يعترف المجتمع الدولي بأن القبارصة اليونانيين هم ضحايا العدوان التركي – كما لا توجد دولة أخرى غير تركيا تعترف بسيادة شمال قبرص - فإن اليونانيين العرقيين في الجزيرة ليسوا الضحايا الوحيدين لتركيا. وبدلا من ذلك، يبدو أن تركيا تنتهج في الوقت الحالي شن حملة إبادة جماعية ثقافية ضد المجتمع التركي التقليدي في الجزيرة.
وبعد وقت قصير من الغزو التركي، بدأ المستوطنون الأتراك في الوصول إلى شمال قبرص. ومن جانبها، شجعت الحكومة التركية على هجرتهم، لأنها كانت حريصة على زيادة أعداد الأتراك العرقيين والمسلمين في الجزيرة، والذين كان الكثير منهم من الفقراء العاملين في الزراعة، والذين انتقلوا إلى المنازل التي تركها القبارصة اليونانيون، بحسب روبين.
ونظرا لأنه لا يوجد تعداد قانوني للسكان هناك، فإن الكثير من التقديرات تشير إلى أن المستوطنين الأتراك وذريتهم يشكلون نصف سكان المنطقة التي تحتلها تركيا. ومع ذلك، زادت خلال الأعوام الأخيرة التكهنات التي تفيد بأن أعداد المستوطنين قد تفوق أعداد القبارصة الأتراك الحقيقيين. ويقول روبين إن هذا التكهن صحيح. فبينما هناك حساسية كبيرة تحيط بالامر، تقول مصادر إن العدد الحقيقي للقبارصة الأتراك اليوم يبلغ نحو 90 ألفا، بينما يتراوح عدد المستوطنين حاليا بين 160 ألفا و200 ألف.
ويوضح روبين أن السبب وراء تسريع الاستيطان، على الرغم من المادة 49 من "اتفاقية جنيف الرابعة"، هو قرار متعمد من جانب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يأن يكون هناك عدد من المستوطنين يفوق عدد القبارصة الأتراك. ورغم أن أساليب أردوغان مختلفة، وحجمها أقل، لا يختلف ما تقوم به تركيا حاليا في شمال قبرص كثيرا في نتائجه عما يقوم به الصينيون من قومية "الهان" في إقليم شينجياينج.
ويعد التعصب الديني هو دافع أردوغان. فبينما يصف الكثير من الدبلوماسيين والنشطاء الكفاح من أجل الحرية الدينية، بأنه صراع بين الأديان، غالبا ما يكون الضحايا الرئيسيون للتعصب الديني، أولئك الذين يُعتبرون غير متدينين بالقدر الكافي، أو محافظين في دينهم.
ويقول روبين إن ردوغان من داعمي الإخوان المسلمين، وأنه لطالما استهدف العلويين في تركيا، وغيرهم من الطوائف غير التقليدية الأخرى. كما طال غضبه المسلمين السنيين، إذا اعتبرهم غير محافظين بالقدر الكافي.
وهنا تكمن مشكلة القبارصة الأتراك. فمن الناحية التاريخية، كان القبارصة الأتراك معتدلين ومتسامحين للغاية. في حين كانت هناك نوبات من التوتر الطائفي بعد استقلال الجزيرة عن السيطرة البريطانية في عام 1960، وكان التزاوج بين المجتمعات المسلمة والمسيحية شائعا في البلاد خلال الاعوام والقرون السابقة قبل وبعد ذلك.
ويضيف روبين أن القبارصة الأتراك كانوا يشربون الكحوليات، وكانوا يتواصلون مع جيرانهم اليونانيين حتى فترة غزو الجيش التركي لقبرص في عام 1974، على الأقل. وقد كانوا في جوهرهم، مسلمين بالطريقة التي يُعتبر بها الكثير من اتباع مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة "مسلمين".
وكان القبارصة الأتراك يقدرون تراثهم الثقافي، وكانوا أحيانا يتزوجون في المساجد، أو يطلبون من إمام القرية أن يقوم بمباركة ميلاد طفل جديد، أو يصومون في الأيام القليلة الأولى من رمضان، إلا أنهم لم يسمحوا بأن يسيطر الإسلام على حياتهم. وفي الوقت نفسه، كان هناك الكثير من النساء القبرصيات التركيات اللاتي لم يلتزمن بالحجاب.
فقد كانوا، في جوهرهم، لا يختلفون كثيرا عن القبارصة اليونانيين. ومع ذلك، فإن المستوطنين الجدد لا يهتمون كثيرا بالثقافة القبرصية. ويوضح روبين أن المستوطنين من الذكور والإناث، يتجاهلون التقاليد القبرصية ولا يعاملون القبارصة الأتراك الأصليين بطريقة أفضل من تلك التي يعاملون بها المسيحيين. وبدلا من أن يقوم أردوغان بتوفير فرص عمل وبناء المدارس للمنطقة التي تحتلها تركيا، لا يكتفي ببناء مساجد جديدة بل إنه يقوم أيضا بتمويل الدعاة المتطرفين الذين ربما يشعرون بارتياح في أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان، أكثر مما يشعرون به في الحانات الصغيرة أو الشواطئ بقبرص.
فيديو قد يعجبك: