قتلى واعتقالات وقوات روسية.. كيف اشتعلت الأوضاع في كازاخستان؟
كتبت- رنا أسامة:
تشهد كازاخستان احتجاجات عنيفة مؤخرًا تمخّض عنها استقالة الحكومة، وإعلان حالة الطوارئ، مع إرسال قوات من تحالف عسكري تقوده روسيا إلى الدولة الواقعة في آسيا الوسطى للمساعدة في تهدئة الاضطرابات.
واعتبرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، الخميس، أن ما يحدث في كازخستان يُمثّل أكبر تحدٍ لحكم الرئيس المُستبد قاسم جومارت توكاييف –على حد تعبيرها- أمام الغضب الشعبي من الارتفاع الحاد في أسعار الوقود، والاستياء واسع النطاق من الفساد وتردّي مستوى المعيشة والفقر والبطالة في الدولة السوفيتية السابقة الغنية بالنفط، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان.
وأمس الأربعاء، اقتحم محتجون مطار ألماتي، أكبر مدن البلاد، ودخلوا عُنوة المباني الحكومية، وأضرموا النار في مكتب الإدارة الرئيسي بالمدينة، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية. كما وردت تقارير عن اشتباكات دامية مع الشرطة والجيش، وانقطاع الإنترنت على مستوى البلاد، وتدمير مبان في 3 مدن رئيسية.
وأفادت وسائل إعلام محلية بمقتل 8 من ضباط الشرطة وأفراد الحرس الوطني وإصابة أكثر من 300 ضابط. ولم تتضح حصيلة الضحايا والإصابات بين المدنيين. فيما اعتُقل أكثر من 200 شخص، كما أعلنت الداخلية الكازاخية.
إليكَ ما تحتاج معرفته، في سؤال وجواب، حول الاضطرابات في كازخستان وسبب أهميتها، بحسب السي إن إن.
ما سبب الاحتجاجات في كازاخستان؟
اندلعت الاحتجاجات في منطقة مانجيستاو الغربية الغنية بالنفط تنديدًا بإلغاء الحكومة دعم الغاز المسال في بداية العام، وفق وكالة "رويترز". وحوّل العديد من الكازاخستانيين سياراتهم للعمل بالغاز المسال في وقت سابق بسبب انخفاض كُلفته.
واجتذبت كازاخستان المنتجة للنفط، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات وحافظت على اقتصاد قوي منذ استقلالها قبل 30 عامًا.
وتقول الحكومة إن دعم الغاز المسال خلق بيئة سلبية فاقمت عجز الوقود، ما اضطرها إلى إلغاء الدعم لتخفيف العجز وضمان وصول الإمدادات إلى السوق المحلية. ومع ذلك، جاءت الخطة بنتائج عكسية وتضاعفت أسعار الغاز المسال، ثم عمّت الاحتجاجات سريعًا جميع أنحاء البلاد.
علاوة على ذلك، فثمّة قضايا طويلة الأمد تقود للاحتجاجات، بما في ذلك الغضب من الفساد المستشري بالحكومة، وعدم المساواة في الدخول، والصعوبات الاقتصادي، والتي تفاقمت جميعها خلال جائحة كورونا، وفق منظمة "هيومان رايتس ووتش".
وفي حين مكّنت الموارد الطبيعية للبلاد نخبة صغيرة من الثراء سريعًا بشكل كبير، يشعر قطاع عريض من الكازاخستانيين العاديين أنهم مُهملين.
بدورها، عرّفت منظمة العفو الدولية الاحتجاجات في كازاخستان بأنها "نتيجة مباشرة لقمع السلطات واسع النطاق لحقوق الإنسان الأساسية".
وقالت ماري ستروثرز، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى بمنظمة العفو الدولية، في بيان: "على مدى سنوات، تضطهد الحكومة بلا هوادة المعارضة السلمية، تاركة الشعب الكازاخستاني في حالة من الهياج واليأس".
كيف ردّت الحكومة؟
أعلنت السلطات حالة الطوارئ على مستوى البلاد مع حظر تجول وقيود على الحركة حتى 19 يناير، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية. وتم الإبلاغ عن قطع الإنترنت في جميع أنحاء البلاد. وقال الرئيس توكاييف إنه تم نشر أفراد عسكريين.
وفي محاولة للحد من الاضطرابات، أمر توكاييف الحكومة بخفض سعر الغاز المسال إلى 50 تنغي كازاخستاني (0.11 دولار أمريكي) للتر "لضمان الاستقرار في البلاد".
وأشار في الوقت نفسه إلى تنفيذ عدد من الإجراءات الرامية إلى "تحقيق الاستقرار اجتماعيًا واقتصاديًا"، بما في ذلك التنظيم الحكومي لأسعار الوقود لمدة 180 يوما، ووقف زيادة تعريفة المرافق للسكان في الفترة نفسها، والنظر في إعانات الإيجار "للشرائح الضعيفة من السكان".
كما استقالت الحكومة الكازاخية ورئيسها عسكر مامين، وتولّى الرئيس توكاييف رئاسة مجلس الأمن القومي في البلاد، ليحل محل الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف.
غير أن هذه التنازلات لم تنجح في وقف الاحتجاجات.
وتعهد توكاييف بالعمل "بأقصى قدر ممكن من الصرامة" لوقف الاضطرابات. ووصف مقتحمي المطار بـ "الإرهابيين" واتهم المتظاهرين بتقويض "نظام الدولة"، زاعمًا أن "العديد منهم تلقوا تدريبات عسكرية في الخارج".
في غضون ذلك، لبّى تحالف عسكري تقوده روسيا، مؤلّف من دول سوفييتية سابقة، النداء للمساعدة في إخماد الاحتجاجات. وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إن منظمة معاهدة الأمن الجماعي - التي تضم روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان - ترسل "قوات حفظ سلام" إلى كازاخستان "لتحقيق الاستقرار".
أين كازاخستان وكيف تُحكم؟
كازاخستان هي أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى، تحدها روسيا من الشمال والصين من الشرق. وتحافظ قيادتها، التي طالما تفاخرت باستقرارها في منطقة شهدت حصتها من الصراع، على علاقات وثيقة مع روسيا.
كازاخستان موطن لأقلية عرقية روسية كبيرة، والتي تمثل حوالي 20 بالمائة من سكان الجمهورية السوفيتية السابقة البالغ عددهم 19 مليون نسمة، وفقًا لكتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية.
وتعتمد موسكو أيضًا على قاعدة "بايكونور كوزمودروم" في جنوب كازاخستان كقاعدة إطلاق لجميع مهام الفضاء المأهولة الروسية.
حتى قبل الاستقلال في عام 1991، سيطر رجل واحد على المشهد السياسي في البلاد - نور سلطان نزارباييف البالغ من العمر 81 عامًا. وحكم الرئيس والمسؤول السابق في الحزب الشيوعي منذ فترة طويلة قرابة 3 عقود قبل أن يتنحى في عام 2019.
أثار أسلوبه الاستبدادي في الحكم قلقًا دوليًا، حيث قابلت الاحتجاجات بقمع شديد، وزجّت بالمُعارضين والمنتقدين في السجون، وخنقت حريات الصحافة وكمّمت الصحفيين، وفقًا لجماعات حقوقية عالمية.
واتهم منتقدون نزارباييف بتعيين أفراد من الأسرة وحلفاء في وظائف رئيسية في الحكومة، ويُعتقد أن أسرته تستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الكازاخي، بحسب "رويترز".
اشتهر نزارباييف لدى الغرب بتخليه عن الأسلحة النووية ونقله العاصمة إلى مدينة أستانا المستقبلية - والتي أُعيد تسميتها لاحقًا باسم نور سلطان.
وفي تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية قبل 4 أعوام، أشار إلى أن انتخابات كازاخستان الرئاسية عام 2015، والتي حصد خلالها نزارباييف 98% من الأصوات، "اتسمت بمخالفات وافتقرت إلى المنافسة السياسية الحقيقية". ويعتقد مراقبون دوليون أن كازاخستان لم تشهد أي انتخابات حرة ونزيهة قط.
وعندما تنحى نزارباييف عن منصبه، نقل السلطة إلى توكاييف لكنه ظل شخصية مؤثرة وإن كانت مثيرة للجدل من وراء الكواليس. وحتى أمس الأربعاء، ظل رئيسًا لمجلس الأمن في البلاد واحتفظ بلقب "زعيم الأمة".
فيديو قد يعجبك: