إعلان

ماكرون: الرجل الطموح الذي أصبح أصغر رئيس دولة في تاريخ فرنسا

04:32 م الخميس 21 أبريل 2022

ماكرون

باريس- (أ ف ب):

دخل إيمانويل ماكرون تاريخ فرنسا في 14 مايو 2017 عندما تولى رسميا مهام رئيس البلاد بعد فوزه في الانتخابات أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. وكان يومها أصغر رئيس دولة فرنسي (39 عاما) منذ لوي-نابليون بونابرت في 1948 (40 عاما). وفيما يستعد لخوض معركة إعادة الانتخاب أمام المرشحة ذاتها، تستعرض فرانس24 ملامح وشخصية هذا الرجل الطموح ومساره المهني والسياسي الذي قاده لقصر الإليزيه.

إنها قصة رجل طموح مولع منذ صغره بالمسرح والأدب، ومُتبحر منذ شبابه في التاريخ والفلسفة، لكنه جعل من الاقتصاد إحدى مجالات اختصاصه المهني، ثم دخل عالم السياسة ليكلف مهاما مختلفة حتى وصل إلى أعلى الهرم وانتخب رئيسا للجمهورية فأصبح أصغر رئيس دولة فرنسي سنا (39 عاما).

وكانت تلك نقطة وصول بارزة في مسيرة مميزة انطلقت خلال حقبة فرانسوا هولاند (2007-2012) التي تولى خلالها إيمانويل ماكرون منصب مساعد أمين عام الرئاسة، ثم أصبح في 2014 وفي عمر الـ 36، أصغر وزير للاقتصاد في تاريخ فرنسا منذ فاليري جسكار-ديستان.

في انتخابات 2017 الرئاسية، قدم ماكرون نفسه في ثوب "مرشح جديد" مقارنة بما سماه "العالم القديم" في إشارة إلى الممارسات المشبوهة والتي وصفها بأنها تعود لـ "حقبة الملوك" التي انهارت قواعدها في 1789 مع اندلاع الثورة الفرنسية وانتهت رسميا في 1948 مع لوي-فيليب.

العفوية مقابل "لغة الخشب"

وبالتالي لعب المستشار السابق في مصرف روتشيلد ورقة الشفافية والوسطية والاعتدال لكسب قلوب وأصوات مواطنيه، واستخدم في خطاباته كلمات يتداولها العام والخاص، متصرفا بكل عفوية على عكس السياسيين التقليديين الذين تعودوا على "لغة الخشب". استقطب حصص اليمين واليسار من الناخبين الغاضبين وفاز في الاقتراع بسهولة أمام زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بحصوله على 66.1 من الأصوات.

بعد خمس سنوات في السلطة، تحول الشاب الطموح إلى رجل دولة، فنالت من أناقته وبشاشته الأزمات. فتزعزع عرشه مرارا، إلا أنه صمد أمام عاصفة "السترات الصفراء" وقاوم انعكاسات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ثم تسلح بالشجاعة والثبات أمام تداعيات فيروس كورونا القاتل. وفيما أوشكت ولايته الرئاسية على النهاية، تفجرت الحرب الروسية على أوكرانيا، ليقود فرنسا وأوروبا بصفته رئيسا دوريا للاتحاد إلى مجابهة فلاديمير بوتين ووضعه أمام الأمر الواقع في عدة مناسبات رغم أن رئيس روسيا رفض الانصياع لأي شخص رشيد.

واستغل إيمانويل ماكرون الحرب في أوكرانيا لأغراض انتخابية إذ ترك الغموض يلف إعلان ترشحه لولاية ثانية لغاية 3 مارس 2022، أي قبل يوم واحد من غلق باب الترشيحات. وفيما يصفه أنصاره بأنه جريء ومنفتح يهتم بحماية الشعب، يرد معارضوه بالقول إنه "رئيس الأثرياء" صاحب التوجه الليبرالي المتشدد.

قصة غرام خيالية

ولد ماكرون في 21 ديسمبر 1977 في مدينة أميان (شمال فرنسا) من والدين متخصصان في الطب، ضمن عائلة ثرية تضم ثلاثة أطفال. وقضى طفولة سعيدة بين لعب البيانو وممارسة الرياضة والسفر للخارج.

وختم مساره التعليمي في سن الـ 16 بعلامة امتياز، إلا أن قصة غرام -مع أستاذة اللغة الفرنسية ومنشطة ورشة مسرح- بريجيت ترونيو زعزعت هذا النجاح المبهر فقرر والداه نقله إلى باريس لمتابعة دراسته في ثانوية "هنري الرابع" التي تقع في الدائرة الخامسة. والسبب وراء اعتراض الوالدين لقصة الحب التي كان يعيشها نجلهما هو أن المدرسة كانت تكبره 24 عاما.

واصل الشاب إيمانويل مشواره بجامعة العلوم السياسية بباريس ثم حصل على شهادة عليا في الفلسفة السياسية من جامعة نانتير (ضاحية باريس الغربية) قبل أن ينضم في 2002 للمدرسة الوطنية للإدارة التي تخرجت منها دفعات من قادة فرنسا الحديثة.

لعبت برجيت ترونيو -التي تزوجها ماكرون لاحقا- دورا أساسيا في سطوع نجمه، فعززت ثقته في النفس التي مكنته من مواجهة تحديات عالم السياسة. فبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، توظف في المفتشية العامة للمالية مدة ثلاث سنوات. وعمل بعد ذلك مستشارا في لجنة كانت مهمتها إيجاد سياسة مالية لدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي، المستشار السابق للرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران (1981-1995).

من مصرف روتشيلد إلى الإليزيه

في 2007، التحق ماكرون بمصرف "روتشيلد" ليكتشف أسرار البنوك والمالية. وفي حوار مع صحيفة "لوموند"، علق ماكرون على خبرته البنكية قائلا: "لقد تعلمت مهنة، واكتشفت كيف يسير عالم المال والاقتصاد".

وفي مايو 2012، انضم إلى فريق الرئيس الفرنسي الجديد آنذاك فرانسوا هولاند ليصبح مساعد أمين عام الإليزيه ثم وزيرا للاقتصاد خلفا لأرنو مونتبور. وقال عنه وزير الداخلية آنذاك مانويل فالس: "لديه سحر في نظرته وهو يعانق الجميع". لكن الرجل الطموح بدأ حملة خفية قادته فيما بعد إلى سدة الحكم.

ففيما كان يدافع عن "قانون ماكرون" لتحرير الاقتصاد الفرنسي من الجمود، والذي عارضه اليسار الذي ينتمي إليه الرئيس، كان في الوقت ذاته يلتقي شخصيات ليلا وسرا في صالونات باريس استعدادا لمسيرة سياسية شخصية. وهو ما تحقق في أبريل 2016 عندما أطلق حركة "إلى الأمام"، ليستقيل من حكومة هولاند في 30 أغسطس من العام ذاته.

قرارات رئاسية مباشرة

لم يمر عام على إطلاق حركته السياسية حتى تمكن ماكرون من الوصول إلى قصر الرئاسة. وقال عنه جان-بيار شوفينمون الوزير الاشتراكي السابق وأحد الداعمين له، إن "الرجل أحادي القرار". واستغل أصغر رئيس (سنا) في تاريخ الجمهورية الخامسة [التي أسسها الجنرال شارل دي غول في 1958] صلاحياته الدستورية ليمارس حكما هرميا قوامه القرارات الرئاسية المباشرة مستندا لنصائح الأمين العالم لقصر الإليزيه ألكسي كولر.

وباشر ماكرون إصلاحات أربكت الناخبين اليساريين الذي صوتوا له في الانتخابات، لا سيما من خلال تعيين رئيس وزراء يميني (إدوار فيليب)، لكن سريعا ما واجه أزمات متتالية أبرزها استقالة رئيس أركان الجيش بعد بضعة أسابيع من توليه الحكم وقضية معاونه الأمني ألكسندر بينالا و"السترات الصفراء".

لكن مع ظهور وباء كوفيد-19 في مطلع 2020، جنح ماكرون إلى تخفيف القيود الاقتصادية الناتجة عن إصلاحاته فضخ مليارات اليورو في مواجهة التداعيات الاجتماعية للفيروس لتشهد شعبيته تحسنا ملحوظا. وبلغت شعبيته ذروتها بفضل مساعيه لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا إذ أنه تحدث مرارا للرئيس فلاديمير بوتين طالبا منه وضع حد للاعتداء والخروج من "السيناريو الخرافي" الذي أعده وظل يردده كأنه حقيقة تاريخية [أي زعمه بأن أوكرانيا أرض روسية].

فتأخر الرئيس المنتهية ولايته في إعلان ترشحه حتى آخر لحظة، واكتفى بمحطات انتخابية قليلة لخوض الدورة الأولى. في النهاية، تأهل إلى معركة الدورة الثانية في المقدمة وهو يستعد لمواجهة "الإياب" أمام مارين لوبان التي باتت أكثر من أي وقت مضى على مشارف الرئاسة الفرنسية.

هذا المحتوى من

AFP

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان