في نهاية رمضان.. كيف قضى مسلمو أوكرانيا الشهر؟
كتبت- سلمى سمير:
مع اقتراب نهاية رمضان حفرت العديد من البلدان الإسلامية ذكريات عن الشهر الفضيل بطرق مختلفة، ولعل كان لرمضان في أوكرانيا هذا العام طابع مختلف في نفوس مسلمي أوكرانيا مع إلقاء الحرب بظلالها على طريقة احتفائهم بالشهر، وهو ما حدث مع يوجين جلوشينكو، الذي يقضي شهر رمضان في ساحة المعركة وحيداً بعيداً عن عائلته، ليقضي الشهر بشكل غير معتاد وغير محبب في ذات الوقت.
اعتاد يوجين أن يقضي رمضان، بتخصيص وقت للبقاء في المسجد وقراءة القرآن، " كنت آخذ أطفالي وزوجتي وقت الإفطار للمسجد وبعدها لصلاة التراويح" يحكي يوجين لمصراوي عن حياته اليومية في رمضان قبل الحرب حيث يقضيه برفقة عائلته.
لم يرى جلوشينكو عائلته منذ بداية الحرب مع انتقاله للوحدة العسكرية في خاركيف ثاني أكبر المدن الأوكرانية في الشمال الشرقي والتي شهدت قصفاً عنيفا من قبل القوات الروسية جعلت منها أقرب ما يكون إلى منطقة منكوبة، " لا أستطيع التحرك من الوحدة أثناء الخدمة لذا لا أتمكن من أسرتي".
لا يتمكن يوجين من أداء صلاة الجماعة منذ بداية رمضان فيصلي وحيداً، " لا أتمكن من أداء صلاة التراويح كل يوم بالإضافة لقراءة القرآن بسبب الغارات الجوية والإنذارات الصاروخية المتكررة".
يقضي يوجين يومه في الخدمة في ميدان الرماية، يتحرك مئات الكيلومترات خلال دوره للدفاع عن بلاده ضد القوات الروسية، " قبل ذلك كانت أوقاتنا صعبة بسبب الوباء والآن بسبب الحرب لكن علينا الاقتداء بنبينا محمد فلم يترك هو والمسلمون الصيام بسبب الحرب وكذلك نحن"، يحكي الجندي الذي يعتبر المسلم الوحيد في معسكره حيث يصوم وحيداً ويفطر وحيداً مع اضطراب مواعيد الوجبات بسبب الحرب واضطراره لتدبر أمره وسط ذلك كله.
أضرمت الحرب جرحاً عميقاً بداخل يوجين مع وفاة والده منذ أسابيع قليلة في خاركيف بسبب صاروخ ضرب قرب منزلهم، "لم استطع حتى الذهاب لجنازة والدي وتوديعه أو حتى الاطمئنان على أمي التي رفضت مغادرة المدينة لمكان آمن".
يشاركه نفس الحال مراد بوتيلين، رئيس الوحدة العسكرية في خاركيف، حال مراد حال كثيرين ذهب للوحدة العسكرية منذ أول يوم للحرب.
يقضي القائد رمضان وحيداً في المعسكر بما أنه المسلم الوحيد هناك، يصلي ويفطر وحيداً بلا متسع من الوقت لقراءة القرآن كما اعتاد سابقاً، بتخصيص وقت كبير للعبادة والمسجد في رمضان وهو ما لا يقدر عليه الآن "لم أصل في جماعة منذ بداية رمضان إلا 3 مرات وكنا حوالي 4 أشخاص".
يصف مراد لمصراوي، حياته في رمضان هذا العام وسط انفجار القذائف وإلقاء القنابل من الطائرات مع تدمير الروس للمدينة وقتل العديد من الناس أمام عينه، "يجب الثبات على خط المواجهة لمساعدة بلدي، أقف مع غضب في قلبي ودموع في عيني مع رؤية القتلى كل يوم".
لم ير بوتيلين أسرته وأطفاله الثلاثة منذ ال٢٤ من فبراير، بعد أن اعتاد أخذهم للمسجد وقت الإفطار، والسفر برفقة إخوته إلى منطقة "أوس" حيث يقضون الشهر الفضيل هناك.
يختلف عن حالهم قليلاً محمد ماموتوف، الذي نزح إلى تشيرنيهيسيف غرب أوكرانيا، وتطوع ليكون إمام مسجد هناك بالإضافة إلى مساعدة الناس، بعد فراره من مدينة زابوروجيا الواقعة في جنوب وسط أوكرانيا التي تعرضت لعدة ضربات " حالي كحال الكثيرين من مسلمي أوكرانيا رفضنا ترك بلادنا وقررنا البقاء لحين تحسن الأمور" يحكي الشيخ محمد لمصراوي.
تشهد مساجد أوكرانيا حالياً مشهداً استثنائياً مع شكاوي البعض من إطفاء الأنوار في الليل ومنع الصلوات في مساجد بعض المدن، حيث لا تفتح الجوامع من الأساس مثل ماريوبول وكراماتورسك وكوستناتينوفكا مع تعرضهم لقصف عنيف، ومساجد أخرى تقام فيها الصلوات بشكل طبيعي وهذا يعتمد على طبيعة القصف وموقع المدينة حسبما أفاد دكتور حمزة فائق رئيس الجالية الأردنية في أوكرانيا لمصراوي.
يشكي الشيخ محمد الوضع حيث يصلي مع وجود عدد قليل من المصلين في ظل ظروف الحرب، ومع إطفاء الأضواء في العديد من المساجد في الليل حتى الصباح، "لكننا نتمكن بفضل الله من محاولة إقامة الصلاة قبل قطع الكهرباء" يحكي الشيخ لمصراوي الذي يرفض حتى ترك المسجد في الليل.
يقضي ماموتوف نهاره في رمضان بين إلقاء دروس الدين في المسجد للأطفال والكبار وقراءة القرآن وأداء الفروض وصلاة التراويح، وتحضير الإفطار وهو الأمر الذي أخذ طابع خاص هذا العام، مع تعود مساجد أوكرانيا سابقا على إفطار المسلمين وعائلاتهم داخل المساجد كل رمضان، لكن هذا العام مع الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية وقلة المؤن الغذائية صار الوضع مختلف، فأصبح طعام الإفطار عبارة عن مساعدات من بعض الجمعيات الخيرية كما يحكي ماموتوف عن إرسال بعض الجمعيات التركية المساعدات الإنسانية للناس في المساجد.
يقع المسجد حيث يصلي الشيخ في زاوية وسط المنازل لذا يعتبر حسب رأيه بعيدا نوعا ما عن الأنظار وهذا ما يوفر له الحماية. في المسجد حياة أخرى فرضتها الحرب تظهر خلال بقاء بعض الرجال الذين تهدمت منازلهم أو تقصف مدنهم ولا يوجد مأوى أخر لديهم سوى المجيء للمسجد وقضاء فترة من الوقت حتى يستطيعوا تدبر أمورهم لحين تحسن الأوضاع، "أحد المقيمين كان إمام مسجد ويعيش في مدينة سيفيرودونيتسك شرق أوكرانيا لكن سقط صاروخ قرب منزله واضطر للنزوح هو وعائلته".
لم تكن الحرب صعبة فقط على الرجال المحاربة أو المتطوعة في الجيش بل ألقت بثقلها على كاهل النساء أيضا كما أماني وائل، الفتاة النشطة في المسجد والتي تقوم بالعديد من الأنشطة للمساعدة، " كان رمضان دائما مختلف بالنسبة لنا نحن المسلمون مع تجمع الرجال والنساء والأطفال في المسجد وبسطنا لطاولات الإفطار كل عام تلك اللحظات كانت مميزة لكن الآن الوضع اختلف".
تقضي أماني رمضان بطرق مختلفة مع زوجها متنقلة بين كييف حيث منزلها وتشيرنيفتسي حيث عائلة زوجها وعائلتها، مع خطورة الوضع قرب منزلها ومغادرة الكثيرين، "كنت بالمسجد في كييف بالأمس ولم أر إلا 4 نساء فقط مع اعتيادي على رؤية الكثير من الأصدقاء في المسجد كل عام"، تحكي أماني لمصراوي.
في تشيرنيفتسي، حيث تذهب أماني يقيم 10 أشخاص في نفس الشقة بحكم حالة الحرب، التي أجبرت العديد من أفراد الأسرة للنزوح لمدن آمنة وتحمل صعوبة العيش "لا يمكن مقارنة الوضع الآن بما كان عليه قبل الحرب نحن حتى لا نعرف ماذا علينا فعله بعد ذلك عند العودة لمنازلنا لكن الحمد لله أنه لم يتأذى أحد من المقربين لي".
رغم تنقل أماني لكنها تقضي رمضان بتخصيص وقتا كبير للتطوع في مدن مختلفة كإعداد وجبات الإفطار في المساجد لكافة المتواجدين في كييف وتشيرنيفتسي، بالإضافة لحضور جلسات قراءة القرآن، والارتحال بين منزلها والعائلة، التي تحظى معها بوجبة الإفطار وصلاة العشاء والتراويح في جماعة.
تعتبر أماني حاليا هي أكبر مُعيل لعائلتها مع تطوع زوجها كذلك لمساعدة الناس وتوقفه عن العمل، " أعمل في شركة دنماركية لكن مع علم مديري بظروفي ووضع الحرب قام بزيادة راتبي 500 دولار فوق الأساسي حتى أتمكن من دعم العائلة في ظل تلك الظروف الصعبة".
وفي تصريح لمصراوي قالت فيكتوريا نيسترينكو، منسقة مركز تطوع "أجنحة النصر" في كييف، وعضو جمعية حقوق الإنسان في أوكرانيا، إنه يوجد الكثيرين ليس لديهم ما يأكلونه بالإضافة لعدة مدن بلا كهرباء أو غاز أو مياه "يحاول المتطوعون لدينا إيصال المساعدات الإنسانية ومحاولة إخراج الناس من تلك المناطق لكن يحدث أن قام الروس بإعاقة وصولهم بطرق عدة سواء من خلال قصف سياراتهم أو إطلاق المدفعية على السيارات التي تقل المدنيين الفاريين من المدن المحاصرة وبالتالي هم لا يحترمون الممرات الخضراء المتفق عليها مع الحكومة الأوكرانية".
فيديو قد يعجبك: