هل تستطيع أمريكا التغلب على قرن من التحدي؟
واشنطن - (د ب ا):
يرى الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي ديفيد ريف أنه مهما يحدث على أرض المعركة بين روسيا وأوكرانيا- رغم مقاومة كييف البطولية والناجحة بصورة مذهلة حتى الآن، ورغم أن نتيجة الحرب ليست واضحة على الإطلاق- سوف تخرج الولايات المتحدة من الصراع وقد حققت أهدافا استراتيجية في أوروبا بدا أنه كان من الصعب تحقيقها تماما قبل ستة شهور. واستعاد حلف شمال الأطلسي( الناتو) تلاحمه، وسوف يتوسع بانضمام فنلندا والسويد له بطريقة لا تزيد من مسؤولياته دون تعزيز قدراته- بل تزيد من قوته وموارده بدرجة كبيرة للغاية.
وبالنسبة لألمانيا، فإنها على الرغم من ممارسة الازدواجية بالنسبة لاستيراد الوقود، دخلت أخيرا ما يمكن تسميته بـ" عهد ما بعد-بعد هتلر" وسوف تعاود التسلح.
ويقول ريف في تحليل نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إن الانسحاب الاقتصادي للاتحاد الأوروبي من روسيا سوف يزيح قدرا كبيرا من النفوذ الذي كان يمكن أن تمارسه موسكو في بروكسل. كما أن المشاعر المعادية لأمريكا من جانب كثير من الأوروبيين سوف يتعين عليها الآن على الأقل أن تتعايش مع تفهم أن روسيا هي التي تمثل الخطر الوجودي.
لكن أوروبا ليست العالم، وجميع الأسباب الجيواقتصادية والجيو استراتيجية التي أدت بواشنطن إلى أن تعتبر آسيا، وخاصة شمال شرق آسيا،محل الاهتمام الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية ما زالت قائمة.
ومرة أخرى، رغم أننا لا نعرف مصير أوكرانيا،حتى إذا ما فعلت واشنطن وحلفاؤها كل شىء ما عدا إرسال قواتهما إلى أرض المعركة لمساعدة أوكرانيا على الانتصار، فإننا نعرف بالتأكيد أنه مهما حدث سوف تخرج روسيا من الحرب وهي أضعف، وأفقر، وأقل أهمية عالميا. وعلى النقيض، سوف تخرج الصين، في أسوأ الأحوال، سالمة من الصراع، ولكن من المرجح أنه سوف يزيدها قوة في الوقت الذي من المؤكد أن تضطر فيه روسيا للتصالح مع نفسها بأن تكون الشريك الأصغر في العلاقة مع الصين، وتضطر لبيع طاقتها في سوق يجنح لصالح المشتري الذي يعتبر الملاذ الأخير وهو بكين.
وفي الوقت نفسه، تعد هذه لحطة توتر داخلي كبير في الصين، خاصة في المناطق الحضرية، حيث تؤكد سياسة صفر كوفيد التي ينتهجها الرئيس شي جين بينج على المواطنة والاقتصاد على السواء.
ويضيف ريف أن المبالغة في الثقة والقلق مزيج خطير دائما بالنسبة للحكومات الشمولية.وفي ذلك الإطار، ربما تبدو إعادة غزو تايوان أمرا لايقاوم بالنسبة للصين في نهاية المطاف، مما يعني أن أحد أهم التحديات التي تواجه صانعي السياسة الأمريكيين الآن يتمثل في اتخاذ قرار بشأن ما سيكون عليه رد فعل الولايات المتحدة.
ومهما كان ذلك القرار، يبدو أنه من المحتم أن العنصر العسكري في السياسة الخارجية الأمريكية سوف يزداد تطورا بعد حرب أوكرانيا، في ظل الفزع في كل من كوريا الجنوبية واليابان بالنسبة لصعود نجم الصين، واستعداد اليابان لأول مرة منذ عام 1945 للتفكير في إعادة التسلح على نطاق كبير.
وربما كان سيتعين حدوث ذلك بأي حال من الأحوال نظرا لأنه حتى قبل الغزو الروسي كان من الواضح تماما أن ما يسمى بالسلام الطويل لعالم ما بعد عام 1945 في طريقه للنهاية، وكأنه لم يكن قائما على الإطلاق.
ولكن بالنسبة لما بعد أوكرانيا- من الواضح أنه تم تقصير الجدول الزمني لذلك. وفي الوقت نفسه، لا يوضح ما يسمى بالمحور تجاه شمال شرق آسيا ما يحتاج صانعو السياسة الخارجية الأمريكية عمله، أو حتى كيف يحتاجون للتفكير بالنسبة لجنوب آسيا. وفوق كل ذلك ما ينبغي عمله بالنسبة للهند تحت زعامة ناريندرا مودي والدور المتوازن بين الولايات المتحدة، والصين وروسيا،الذي تضطلع به الهند حتى الآن على الأقل بتطور كبير.
ثم هناك أفريقيا الناهضة ، التي سوف يبلغ عدد سكانها بحلول عام 2100 مساويا لعدد سكان آسيا أو أكثر منه، والتي لم يبدأ صانعو السياسة الأمريكيون حتى في التعامل بجدية مع أهميتها المتزايدة.
ويحدث كل هذا في سياق حالة طواريء مناخية عاجلة. لا يمكن أن تأمل أي دولة، حتى دولة غنية وقوية مثل الولايات المتحدة التعامل معها بصورة أساسية بمفردها، حتى لو كان هناك إجماع داخلي للقيام بذلك، وهو أمر غير متوفر بالتأكيد.
وفي الوقت نفسه، فإن المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة نادرا ما بدت أكثر من أي وقت مضى غير ذات صلة بالأمر، باستثناء ربما دورها الإنساني، بينما يبدو النظام الدولي ما بعد 1945 بوجه عاما في حالة تمزق.
ويقول ريف إن الحديث بصورة مرحبة بالنسبة للعصر متعدد الأقطاب الجديد أمر لا بأس به، ولكن بالنسبة للوقت الراهن على الأقل، يبدو من المرجح أن ذلك العصر يبدأ في فترة من الفوضى والحرب أكثر من الاستقرار والتوازن، والسلام.وسوف تضطر السياسة الخارجية الأمريكية لمواجهة فترة ما بعد أوكرانيا هذه، وهي مضطرة لأن تفعل ذلك في وقت في التاريخ الأمريكي تشهد فيه البلاد انقساما كبيرا للغاية حول كيفية تفسير ماضيها، وكيف تحكم نفسها في الوقت الحاضر، وكيف تتخيل مستقبلا لائقا لنفسها، كما كانت في أي وقت منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
فيديو قد يعجبك: