لماذا تكتمت إسرائيل على تفاصيل التوغل البري؟
كتبت- سلمى سمير:
في الوقت الذي تزال فيه التساؤلات تتردد حول ما حدث في التوغل البري الإسرائيلي داخل شمال غزة الذي يخيم عليه الغموض مع تكتم إسرائيلي تام حول الاشتباكات التي دارت بين كتائب القسام والجيش الإسرائيلي، خرجت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية بتقرير يتحدث عن أسباب تكتم الجيش الإسرائيلي حول ما حدث مساء الـ 27 من أكتوبر مع الجناح المسلح لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، مع تخوف إسرائيلي من انضمام أطراف أخرى إلى جبهة الصراع ضدها.
ويأتي تقرير الصحيفة في الوقت الذي تشتعل فيه جبهة الصراع في جنوب لبنان بين قوات حزب الله اللبناني وقوات الجيش الإسرائيلي مع قصف مدفعي متبادل بين الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي واستهداف وحدات عسكرية للجيش الإسرائيلي وإصابة عدد من قواته، تزامنًا مع تحذيرات إيران من تصعيد الأوضاع في قطاع غزة وتشديدها أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في الوقت الذي يتم فيه تصفية أحياء سكنية كاملة بواسطة الطيران الإسرائيلي.
لماذا يصعب الحصول على تفاصيل حول العملية؟
منذ بداية عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر والتي ردت عليها إسرائيل بعملية السيوف الحديدية بإعلانها الحرب على قطاع غزة، حرصت الحكومة الإسرائيلية على إبقاء كافة البيانات التي تخصها بعيدًا عن التناول الإعلامي، سواء من فشل أجهزة الأمن بتوقع العملية وإحراق مكتب نتنياهو لوثائق عقب اندلاع الأحداث، أو الرقابة الشديدة على نشر صور وفيديوهات للأضرار التي لحقت بالمستوطنات جراء صواريخ المقاومة الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة، وأخيرًا التكتم على تفاصيل التوغل البري، وهو أمر كان القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون حذرين بشأنه، في سياسة لن يغيروها في الوقت القريب، حسب ذكر صحيفة "فوكس".
وتأتي تخوفات جيش الاحتلال الإسرائيلي من الإفصاح عن تفاصيل التوغل البري الذي نفذه في قطاع غزة يوم الجمعة، مع تبلور المصلحة الإسرائيلية في إبقاء الأمر سرًا وسط تخوفات تؤرقها من احتمالية انضمام إيران وحزب الله اللبناني إلى معادلة الحرب حال اكتشفت معلومات عما حدث على أرض المعركة وسط انقطاع تام لشبكة الاتصالات والانترنت داخل غزة، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز".
ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤولين عسكريين أمريكيين أن إسرائيل تراجعت عن فكرة الاجتياح البري لقطاع غزة، وستكتفي في الأيام القادمة بتوغلات برية محدودة، بعد الخسائر الفادحة التي وقعت في صفوف الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم البري الذي شنتها الجمعة الماضية وتبعته اشتباكات مع كتائب القسام شمال قطاع غزة.
وشنت قوات الجيش الإسرائيلي مساء الجمعة الماضية حملة عسكرية برًا وبحرًا وجوًا زامنها قطع شبكة الاتصالات والإنترنت داخل القطاع مما عزل القطاع عن العالم الخارجي وفقد الاتصال بكل من كانوا فيها وعرقلة وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى في مناطق القصف لعدم توفر إحداثيات الأماكن لديها، إضافة لعدم توافر تغطية إعلامية تشرح طبيعة الاشتباكات التي وقعت تلك الليلة بين القسام والجيش الإسرائيلي الذي رافقه قوات أمريكية قالت واشنطن إنها تلقت خسارة كبيرة في جنودها وعتادها العسكري الذين أرسلتهم لدعم الجيش الإسرائيلي، حسب ذكر "بي بي سي".
هل يمكن أن تحقق إسرائيل أهدافها؟
في بداية الحرب على غزة أعلن مسؤولين إسرائيليين أن حركة حماس ستُمحى من على وجه الأرض، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن كل رجل في حركة حماس هو ميت، وأن قطاع غزة لن يعود أبدًا إلى سابق عهده، ولكن تلك التصريحات كانت بعد أحداث الـ 7 من أكتوبر بينما كان الغضب الإسرائيلي لايزال في أوجه، إلى أن خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قائلًا إن الهدف الرئيسي هو ألا يكون لدى حماس بعد الآن القدرة العسكرية على تهديد أو قتل الإسرائيليين، حسب وصفه.
بدأت احتمالات جديدة تطفو إلى السطح مؤخرًا تشكك في قابلية تطبيق الأهداف الإسرائيلية على أرض الواقع، مع تصريح المحلل العسكري أمير بار شالوم، لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الذي أكد أن القوات الإسرائيلية لن تكون قادرة على تفكيك كل حركة حماس بل فقط يمكنها إضعاف الحركة حتى لا تتمكن من شن أي هجمات مستقبلية على إسرائيل، مشيرًا إلى خيالية فكرة القضاء عليها بشكل كامل.
وفي حال قررت إسرائيل القضاء على حماس من خلال هجوم بري ستخرج الأمور عن سيطرتها على الفور وسط توقعات بأن تستعد المقاومة الفلسطينية للهجوم الإسرائيلي بعدة طرق كإعداد العبوات الناسفة ونصب الكمائن واستخدام شبكات الأنفاق المعقدة التي تُوصف بالشبكة العنكبوتية تحت أرض قطاع غزة لاصطياد القوات الإسرائيلية، وهو ما اختبرته إسرائيل بالفعل عام 2014 مع تكبد كتائب المشاة الإسرائيلية خسائر فادحة جراء الألغام المضادة للدبابات التي زرعتها القسام لتصفية القوات الإسرائيلية التي حاولت اقتحام القطاع واصطياد قناصة المقاومة الفلسطينية للجنود الإسرائيليين، في الوقت الذي استشهد فيه مئات المدنيين في الأحياء السكنية الواقعة بشمال قطاع غزة.
ويأتي تقرير صحيفة "فايننشال تايمز" اليوم في نفس سياق التصريحات السابقة، الذي قال إن أهداف الجيش الإسرائيلي لا ترقى في الوقت الحالي للقضاء على حركة المقاومة الفلسطينية حماس بل ستكتفي بإضعاف بنيتها وتنفيذ عدة اغتيالات في صفوف قادتها وهو الأمر الذي يبرهنه التوغلات البرية المحدودة الذي ينفذها الجيش الإسرائيلي.
وفي حال تراجعت إسرائيل عن فكرة الاجتياح البري لقطاع غزة التي روج لها منذ بداية عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر، ستكون بذلك انصاعت لمقترح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عندما نصح نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت، بالاستعاضة عن فكرة الاجتياح الكامل بتوغلات برية محدودة.
فيديو قد يعجبك: