محاصرة بكل أسباب الفشل.. لماذا لن تُكمل إسرائيل حرب غزة؟
ليومين إضافيين، أعلنت قطر تمديد الهدنة الإنسانية بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، بعد 48 يومًا كاملة من العدوان على القطاع، لم تستطع إسرائيل خلالها تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على "حماس" وذراعها العسكرية "كتائب القسام"، والتي سلّمت أمس دفعة جديدة من الأسرى الإسرائيليين، في ساحة فلسطين بوسط القطاع، حيث كانت تفرض الدبابات الإسرائيلية سيطرتها قبل انسحابها، وهو ما يؤكد تكهنات المراقبون بشأن حاجة إسرائيل لإنهاء هذه الحرب أكثر من حاجة سكان المدينة المحاصرة أنفسهم.
"إن حربًا طويلة على جبهات أخرى أو بعقبات خطيرة جديدة، ستشكل تهديدًا كبيرًا لمرونة المجتمع الإسرائيلي ودعمه للتحرك عسكريًا في غزة.. كلما كان الضرر الذي يلحق بالجيش أكثر حدة وأطول أمدًا، كلما زاد التأثير السلبي على الدعم الشعبي للمجهود الحربي. لقد حان الوقت الآن للاستعداد لمثل هذا الاحتمال".
هكذا يرى الباحثان "مئير إلران" و"أرييل هايمان" الوضع حاليًا، وفق تحليل نُشر اليوم الإثنين في مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، وتناول أسباب الدعم الشعبي الإسرائيلي لقرار الهجوم على غزة في بداية الحرب، ومؤشرات تراجعه الآن، التي مهدت لقبول إسرائيلي بالهدنة.
حرب غزة.. لهذا كان الدعم الشعبي
يرى الباحثان اللذان خدما في الجيش وأسندت لهما مهام في المخابرات والحكومة، أن هجمات السابع من أكتوبر الماضي، بقدر ما كانت مباغتة وغير مسبوقة، فإنها وحدت المجتمع الإسرائيلي بشكل ساحق خلف حكومة بنيامين نتنياهو وقرار الحرب على القطاع، الأمر الذي وصل حد التماهي مع الجيش وخطوته العسكرية ضد "حماس"، التي اعتبرها الإسرائيليون تهديدًا وجوديًا لدولتهم.
"لقد كان ينظر الإسرائيليون إلى هذه الحرب باعتبارها عادلة لا مفر منها، تهدف إلى الدفاع عن الوطن والمواطنين ضد عدو شرس يجب القضاء عليه"؛ يقول الباحثان، بينما يتساءلان: "هل سيستمر هذا الدعم القوي للجيش الإسرائيلي في غزة إذا ما استمر القتال؟ وما هي العوامل التي قد تقوض أو تؤثر على هذا الدعم؟".
لماذا قد يتوقف الدعم الشعبي الإسرائيلي للحرب؟
يشير الباحثان إلى عوامل عديدة قد تحد من الدعم الشعبي الإسرائيلي للحرب على غزة واستكمالها، ومنها:
طبيعة الحرب ومدتها:
فمع استمرارها لفترة طويلة، ربما عدة أشهر، وبدرجات متفاوتة من الشدة، يمكن أن تكون هناك خسائر خطيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي. هكذا قالت الأرقام في أيام الحرب الثماني والأربعين الماضية، وأكدتها عملية تسليم الأسرى في "ساحة فلسطين" بوسط القطاع.
اقرأ أيضًا: جيش الاحتلال: نأخذ معلومات استخباراتية مهمة من الأسرى المفرج عنهم
ووفق الباحثين في "INSS"، فإن المجتمع الإسرائيلي لا يتحمل صدمة السابع من أكتوبر وبعدها العدد المتزايد من الضحايا بين الجنود. بالتأكيد، سيؤثر ذلك على المزاج الشعبي المؤيد للحرب، التي لم تلقى ترحيبًا شعبيًا إسرائيليًا طالما أن التقدم العسكري فيها غير واضح مقارنة بأهدافها المعلنة.
مسألة الأسرى:
يقول الباحثان إن هذه القضية المؤلمة والمعقدة، تزيد من حدة المعضلات الصعبة التي تواجه المجتمع الإسرائيلي وقيادته السياسية. فمع مرور الوقت، إذا لم يتم حل هذه القضية بشكل كامل، فقد تلحق أضرارًا بالغة بالمرونة المجتمعية وربما دعم الجمهور العام للحرب.
وتشكل العائلات التي تم إجلاؤها من غلاف غزة والشمال مجموعة كبيرة ومتنوعة. وبعضهم ليس لديه منازل يعود إليها، في حين لا يسمح للآخرين حاليًا بالعودة إلى ديارهم لأسباب أمنية. فيما يفقد هؤلاء صبرهم، ويعبرون عن ضيقهم وإحباطهم علنًا، ويلقون اتهامات على الحكومة بالتخلي عنهم، وبالتالي يثبطون المزاج الوطني المؤيد لاستمرار الحرب.
تحدي "حزب الله" والجبهة الشمالية:
كذلك، فإن مشكلة الإسرائيلين الذين نزحوا من شمالي الأراضي المحتلة -يقدر عددهم بعشرات الآلاف- مع تواصل المناوشات بين "حزب الله" في لبنان وجيش الاحتلال، تشكل مزيدًا من الضغط على متخذي قرار هذه الحرب ومن ثم دعمها الشعبي، وفق رؤية الباحثين، اللذين يؤكدان أن "جهود استعادة الحياة الطبيعية في الشمال الإسرائيلي دون تغيير جذري في الوضع الأمني مع جنوب لبنان أمر شبه مستحيل". ذلك بالنظر إلى قدرة "حزب الله" واستحالة الدخول في حرب أخرى معه دون تأثير شديد على الجبهة الداخلية في جميع أنحاء إسرائيل، قد تسبب أضرارًا جسيمة للبنى التحتية الوطنية الحيوية.
ويضيف الباحثان أن حربًا طويلة ومعقدة في الشمال، خاصة إذا تطورت جنبًا إلى جنب مع القتال المستمر في غزة، من شأنها أن تضع عبئًا ثقيلًا على المدنيين، وربما تقوض الدعم الشعبي للجيش. وفي بعض قطاعات الجمهور الإسرائيلي، قد يولد هذا شعورًا تدريجيًا بالشك فيما يتعلق باستمرار فعاليته. وقد يثير مثل هذا التطور القاتم اعتراضات الرأي العام على الحرب التي طال أمدها ويلهم الدعوات لإنهاء القتال على كلا الجبهتين، خاصة مع توسع الهجمات على الأهداف الإسرائيلية إلى اختطاف سفينتين إسرائيليتين في البحر الأحمر قبالة السواحل اليمنية، إحداها يرجح استهدافعها في عملية صومالية.
محاصرون بالجبهات:
ورغم أن معظم "الشركاء المحتملين" لحماس قد تجاهلوا دعوات الانضمام بشكل كامل في مواجهتها إسرائيل عسكريًا منذ بداية هذه الحرب، فإن ضمان استمرار هذا النهج دون اشتعال الوضع يبقى أمرًا غير مؤكد، وفق ما يراه الباحثان، اللذان يشيران أيضًا إلى احتمال اشتعال الوضع الداخلي إذا ما تدهور الوضع الأمني في الضفة الغربية، مع الاحتكاك العنيف المتزايد بين اليهود اليمينيين المتطرفين والفلسطينيين المحليين. وكذلك، احتمال انفجار الوضع داخل أراضي 48 بين العرب واليهود مع تواصل الحرب على غزة.
كل هذا لن يكسب الجيش الإسرائيلي الدعم الشعبي الذي يحتاجه لمواصلة الحرب، بل على العكس قد يفقده كل الدعم وتمامًا.
الوضع الاقتصادي واستمرار الحرب:
وباستثناء هذه العوامل، فإن الحرب الطويلة في غزة لا شك أنها ستكبد الاقتصاد الإسرائيلي تكاليف باهظة للغاية، فضلًا عن تكاليف القتال نفسه، كما يقول "إلران" و"هايمان". فمئات الآلاف من جنود الاحتياط المجندين والذين تم إجلاؤهم مع انطلاق الحرب هم بلا عمل الآن، والعودة إلى الروتين في المؤسسات التعليمية وأماكن العمل بطيئة، والتأخير في سلسلة التوريد في إسرائيل ومن الخارج يمكن أن يشكل تحديًا شديدًا للاقتصاد. وهذا بالطبع سيؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي لاستمرار الحرب، خاصة في ظل فشل حكومي واضح على التعافي على مستوى الجبهة الداخلية التي تعاني انقسامًا كبيرًا حول حكومة نتنياهو وسياساتها قبل الحرب، وقد يتزايد هذه الانقسام مع مزيد من الخسارات العسكرية على الأرض، كما يقول الباحثان في تحليلهما.
الضغط الدولي والوضع في غزة
ويأتي هذا فضلًا عن الضغط الدولي المتزايد -على الأقل شعبيًا في دول أوروبا والولايات المتحدة- مع سقوط مزيد من الضحايا في قطاع غزة إذا ما استمرت الحرب. وهو أمر قد يضعف الدعم الدولي، وخاصة من الولايات المتحدة، بما سيكون له تأثير سلبي على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ويزيد من الشكوك حول استمرار الحرب ودعمها شعبيًا، كما يقول الباحثان "مئير إلران" و"أرييل هايمان".
وتكمن أهمية كل هذه العناصر، خاصة إذا كان بعضها أو كلها متقاربة، في أن الوقت هو العامل الرئيسي في هذه الحرب، بما في ذلك على الجبهة الداخلية. الوقت لا يعمل بالضرورة لصالح الجهد العسكري الإسرائيلي. ومن شأن حرب طويلة، خاصة تلك التي تمتد إلى جبهات أخرى، أن تشكل تحديا خطيرا لمرونة المجتمع الإسرائيلي، وقد تخلق ساعة رملية داخلية يمكن أن تقوض التعبئة الحالية والتضامن والدعم ل "جيش الدفاع الإسرائيلي". وسيكون للاضطرابات المدنية التي تكتسب زخما تأثير سلبي ليس فقط على التماسك المجتمعي، ولكن ربما أيضا على الشعور بالتصميم الواضح حاليا في جيش الدفاع الإسرائيلي.
واختتما حديثهما بالقول: "لقد حان الوقت للبدء في الاستعداد لمواجهة العقبات التي تنتظرنا. وهذا يعني بناء مجموعة من الاستجابات للقضايا المذكورة أعلاه من أجل تعزيز مرونة المجتمع الإسرائيلي الحالية طوال فترة الحرب وما بعدها".
فيديو قد يعجبك: