إعلان

"أعاني من تجمد بالمشاعر منذ الزلزال".. كيف نتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة؟

06:10 م الأحد 26 فبراير 2023

زلزال تركيا

أنقرة - (بي بي سي)

في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوب شرقي تركيا وشمال سوريا، يعيش الناجون منه اضطرابات نفسية عميقة. فمنذ وقوع الزلزال، يرى العديد منهم أن في أي لحظة يمكن أن يعاد سيناريو الزلزال، وكل شخص معرّض لاضطرابات نفسية معيّنة بعد خوض تجربة مروّعة أو صادمة.

يختلف الوضع في سوريا بعض الشيء، فقد عاش الشعب السوري 12 عاماً من الحرب والنزوح واللجوء وأعواماً بعد ذلك من الهلع إثر تفشي وباء كورونا والكوليرا في المنطقة، ومع وقوع الزلزال الذي ضرب البلاد توفي على إثره الآلاف، عادت ذكريات أليمة لهم مع آثار الفاجعة النفسية. بي بي سي تحدثت إلى بعض الناجين من الزلزال في المناطق السورية .

"اتخذتُ قراراً بعدم انجاب أطفال لتجنب تعريضهم لصدمات مماثلة"

يقول ماهر البالغ من العمر 31 عاماً وهو أستاذ جامعي في دمشق، إنه يتلقى العلاج النفسي لسنوات بسبب الصراع الدائر في سوريا، وتراكم الصدمات كما يصفها، التي كان لها أثر كبير على صحته الجسدية والنفسية، إلا أن الزلزال وما وقع بعده من هزات ارتدادية وتوالي قصص الضحايا زاد الأعراض النفسية لديه.

"على الرغم من تلقي جلسات العلاج النفسي بشكل دوري، إلا أن صدمة الزلزال والدمار والكم الهائل من الصور المتداولة كان لها وقع آخر،، سبب لي حالة هستيرية من البكاء اللاإرادي... واتخذت قراراً بعدم انجاب أطفال لتجنب تعريضهم لصدمات مماثلة".

اضطراب ما بعد الصدمة

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) هو مصطلح يتضمن الآثار النفسية على من عاش كارثة أو حادثة ما سببت له صدمة.

تقول كندة، 18 عاماً، إنها تجد صعوبة في ممارسة عملها اليومي والتعبير عن مشاعرها: "خرجت إلى الشارع بعد 24 ساعة من وقوع الزلزال، رأيت الخوف والحزن والدمار، ومع ذلك لم أكن قادرة على البكاء. شعرت بتجمد في كل المشاعر وانعكس الموضوع على قدرتي على النوم. فأنا لا أستطيع أن أنام إلا بعد ساعات الفجر. ومنذ هذه الكارثة، فقدت تركيزي بشكل كامل، فأنا غير قادرة على القيام بأعمالي اليومية كالدراسة. ولا أستطيع أن أحدد إن كان هذا الحزن حقيقياً من كثرة الصدمة والحزن."

إحدى التحليلات النفسية تشير إلى أن الإنسان يفقد شعوره بالطمأنينة والأمان خلال وقوع الكوارث الطبيعية. فما كان يمثل الأمان له سواء كان العائلة أو المنزل أو أي من مقتنياته بات مفقوداً، لا يشعر بالأمان بعد حصول الكارثة بل تراوده مشاعر من الندم واليأس.

"كل يوم منذ وقوع الزلزال، نستيقظ ساعات الفجر لتفقد المنزل" يقول كمال، وهو أب لابنتين، من مدينة اللاذقية.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" من أن ملايين الأطفال بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني.

المرشدة النفسية لبعض ضحايا الزلزال في سوريا رشا الصبّاغ تقول إن تعرضوا لاضطراب ما بعد الصدمة يعيشون الحدث من جديد، يتجنبون الأماكن والروائح وكل ما يذكرهم بالحدث، فالأحداث العادية تصبح منهكة بالنسبة لهم ويشعرون بالخوف والعجز وفي المواقف التي كانت طبيعية ويومية، قد يعودون إلى حالة الاضطراب في أي موقف أو ظرف يتعرّضون له. في اضطراب ما بعد الصدمة يشعر الناجي بالانتقاص أمام الآخرين والضعف والخضوع بسبب ما تعرضوا إليه.

"الصدمة تتخزن بالجسد وإن تم كبت المشاعر المصاحبة للصدمة، سيعيش الشخص حالة من القلق ومشاعر يصعب التحكم بها مثل الغضب الشديد. ويمكن أن تتحول المشاعر هذه لآلام جسدية، ففي علم النفس، الأمراض الجسدية غالباً ما يكون أساسها نفسي."

قد تشمل الأعراض إعادة ذكريات الماضي والكوابيس والقلق الشديد، بالإضافة إلى أفكار لا يمكن السيطرة عليها حول الحدث، وقد تظهر الأعراض جسدياً مثل إيجاد صعوبة في النوم والتعرق والشعور بآلام في الجسم والغثيان والارتعاش.

تنصح الصبّاغ بالتعامل مع مختص للتعبير عن الحالة النفسية التي يعيشها الناجي. إن كان هذا الخيار غير متاح، فتنصح بالتواصل مع الذات والجسد وعدم مقاومة المشاعر ومحاولة تفريغها بالطرق المناسبة عبر الكتابة أو الرسم أو الرياضة والانتباه للتغذية السليمة والحركة اليومية. كما أشارت إلى أهمية التحدث مع أصدقاء وأقارب براحة وحرية دون إطلاق أحكام أو إعطاء آراء سلبية تجاه مشاعر الناجي من الحدث.

عقدة "ذنب الناجي"

مع كل جنازة مرّت من ضواحي مدينة اللاذقية، كان يراود كمال مشاعر مختلطة بين الحزن واليأس والامتنان أن عائلته لا تزال حية وسط كل هذا الدمار من حولهم.

عقدة ذنب الناجي (Survivor's Guilt) هو الشعور بالذنب الذي ينشأ لدى الأشخاص الذين نجوا من موقف مهدد للحياة بينما راح ضحيته آخرون ويزداد الشعور بالذنب إذا كان شاهداً على حدث مؤلم لأحد أصدقائه أو أفراد عائلته.

الصبّاغ تقول إن الطريقة الملائمة لمتابعة الحالات النفسية المشخّصة بعقدة ذنب الناجي يجب أن تُعامل بحذر وأن تسمح لنفسها بأن تشعر بأكثر من إحساس في آن واحد: "يشعر الإنسان في أي حدث كارثي بخليط من المشاعر، مثل الشعور بالذنب والتقصير والعجز... لا يكتفي الإنسان بذلك، بل يشعر بالتخاذل وعدم الوفاء تجاه الضحايا. يجب أن يعرف الناجي أنه من حقه أن يعبّر عن مشاعره بالطريقه التي يراها مناسبة. ويحق له أن يشعر بأكثر من إحساس في ذات الوقت. فمن حقه أن يشعر بالتعاطف مع الضحايا والامتنان على جانب آخر لكونه نجى من الحادث ويجب أن يعي أن هذا الامتنان لا يُلغي إنسانيته وأن يُذكر نفسه أن الحياة مستمرة رغم الصعوبات."

نصائح لأهالي الأطفال المتضررين

ينصح علماء النفس في حالات التعرض لاضطراب ما بعد الصدمة أهالي الأطفال المتضررين أو المعرّضين لصدمات نفسية بعدة أساليب لمواجهة الأعراض ودعم أطفالهم في الأوقات العصيبة، وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم بشكل واضح وعدم كبتها. كما تشير الأبحاث إلى أن التعامل مع الأعراض يكون عند حدوثها وخلال أول فترة.

الصبّاغ تنصح الأهالي بالاستماع لأطفالهم والسماح لهم بتغيير مشاعرهم وتفهم مراحل الحزن والغضب ومشاركة المشاعر والتماسك أمامهم، بالإضافة إلى إبعادهم عن الأخبار ومواقع التواصل وإشعارهم بالأمان وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم بالطريقة التي تناسبهم، ويمكن أن يكون ذلك من خلال ممارسة هوايات جديدة كالرقص والرسم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان