هل تضع أزمة المذيع البريطاني قيم "بي بي سي" على المحك؟
(بي بي سي)
غاري لينكر وبي بي سي يتفقان على عودة النجم الرياضي إلى تقديم برنامجه، بعد أن أثارت مقارنته خطة الحكومة البريطانية الجديدة بشأن الهجرة غير الشرعية بخطاب ألمانيا النازية الجدل في الأيام الأخيرة وتعليق نشاطه الجمعة. فماذا يعني الجدل الذي أثير حول تغريدات نجم كرة القدم البريطاني؟تحليل من ديفيد سيليتو.
عندما تولى المدير العام لبي بي سي، تيم ديفي، منصبه في عام 2020، أعلن أن "الحيادية" هي مبدأه الأساسي.
وبعد ثلاث سنوات أدى الخلاف بشأن هذا المبدأ وكيفية تطبيقه في المؤسسة إلى أزمة فاجأت المدراء بشكل واضح.
فالبرامج الثابتة المألوفة في جدول البث التلفزيوني الأسبوعي بدأت تتساقط بشكل غير متوقع وفي تتابع سريع، وهذا دليل على أن الأزمة أصبحت شيئاً أكبر بكثير من الخلاف بشأن بعض التغريدات.
وتعد قضية غاري لينكر أكثر من مجرد نقاش حول آراء مقدم برامج رياضية يتقاضى أجراً عالياً. إنها اختبار للقيم الأساسية لبي بي سي، ومهمة المدير العام الحالي الأساسية.
وكانت المشاعر التي أثارتها تغريدات لينكر السياسية وقرار إبعاده عن البث حتى يتوصل إلى حل لهذه القضية مع بي بي سي، قد صبت الزيتعلى النار التي كانت مشتعلة أساساً. والحديث هنا عن الجدل بشأن دور بي بي سي في السياسة البريطانية وتصورات التحيز إلى اليسار واليمين على حد سواء.
لكن دعونا أولاً نلقي نظرة على القضية الحالية.
لم تكن الشكاوى من تغريدات لينكر المشحونة سياسياً جديدة.
ففي عامي 2016 و2018، دافعت بي بي سي عن التعليقات التي أدلى بها مذيع برنامج "مباراة اليوم" بشأن أطفال المهاجرين وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالقول إنه مذيع مستقل لبرنامج وليس موظفاً، وإن التغريدات كانت على حساب خاص على تويتر، والقواعد الصارمة المطبقة على الصحافيين، لا تنطبق بالشكل نفسه على مقدمي البرامج الرياضية.
وكانت المبادئ التوجيهية في ذلك الوقت تقول إن خطر المساس بحيادية بي بي سي "يكون أقل عندما يعبر الفرد عن وجهات نظره علناً في مجال غير ذي صلة، مثل مقدم الرياضة أو العلوم، على سبيل المثال، الذي يعبر عن وجهات نظر بشأن السياسة أو الفنون".
ولكن تلك القواعد شد ¬دت بعد ذلك. وطالبت المبادئ التوجيهية الجديدة الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي "بمسؤولية إضافية" لمقدمي البرامج "البارزين". ووصف البعض القاعدة الجديدة بأنها "بنود لينكر".
والسؤال هو إن كانت هذه القواعد ستطبق بطريقة عادلة. وهناك على تويتر أمثلة عديدة لما يعتقد بعض الناس أنه شطحات لمقدمي برامج تجاوزوا الخط خلال السنوات الأخيرة.
ومن بين الأسماء التي أثيرت بشكل متكرر آلان شوغر، وكريس باكهام، وأندرو نيل.
ورداً على ذلك قال ديفي مساء السبت إنه كان "يستمع" واقترح وجود طريق للإفلات من خلال إعادة فحص مبادئ بي بي سي التوجيهية.
وهناك رغبة لدى ديفي لإنهاء تلك القضية. صحيح أن مسألة الحياد في غاية الأهمية، لكن توفير الخدمة التي يدفع الناس مقابلها بدلاً مالياً من خلال رسوم مشاهدة التلفزيون مهمة جداً هي الأخرى.
وقدم برنامج "مباراة اليوم" في موعده على محطة بي بي سي واحد ليلة السبت - لكن بصورة قصيرة، إذ استغرق فقط 20 دقيقة، وخلا من أي مقدم أو نقاد أو معلقين - وألغيت تغطية فعاليات كرة القدم الأخرى.
خيار صعب: حق المشاهد والحيادية
إلغاء بث أي برنامج يمثل مصدر شكوى من دافعي تراخيص التلفزيون الذين قد لا يهتمون بما يقوله لينكر على تويتر، لكنهم يهتمون بشدة ببرامجهم المفضلة التي تشغل حيزاً كبيراً على الهواء ليلة السبت.
وهناك جانب آخر أوسع نطاقاً لحكومة بريطانية انتقدت في السنوات الأخيرة بي بي سي وتحيزها الليبرالي من وجهة نظرها.
ويقول غريغ دايك، المدير العام السابق، الذي ترك بي بي سي بسبب صدام مع حكومة حزب العمال في عام 2004، إن قرار سحب غاري لينكر من برنامج "مباراة اليوم" بدا وكأنه خضوع مؤسسة لضغوط سياسية من حكومة حزب المحافظين.
وكل ذلك يفضي إلى قضية أخرى ما زالت تطرح أسئلة بشأن حياد بي بي سي، وهي مسألة تعيين رئيس الهيئة، ريتشارد شارب، أحد المتبرعين السابقين لحزب المحافظين، الذي يجري الآن التحقيق في تعيينه وما فعله أو لم يفصح عنه، ودوره في ترتيب قرض قيمته 800 ألف جنيه إسترليني لرئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون. ولكن شارب نفى أي ضلوع في ترتيب ذلك القرض.
وأصبح لينكر نقطة انطلاق لنقاش أكبر بكثير، وتود بي بي سي حل المشكلة بأسرع ما يمكن لوقف تحول الخلاف إلى أزمة ضخمة. ولكن كيف ستحل المشكلة مع طلب الشركة من لينيكر، الذي يبلغ عدد متابعيه على تويتر 8.7 مليون متابع إيقاف تغريداته السياسية، وليس هناك أي علامة على موافقته على السكوت.
ويتعلق الأمر بالنسبة إلى بي بي سي بالحياد، لكنه يتعلق بالنسبة إلى كثيرين آخرين بحرية التعبير.
ويوجد خارج مقر بي بي سي في لندن تمثال لمؤلف رواية 1984، جورج أورويل، الذي عمل في بي بي سي في السابق. ونقشت على الحائط خلف التمثال هذه الكلمات: "إن كان هناك أي معنى للحرية، فهو أن تملك الحق في إخبار الناس ما لا يريدون سماعه".
وبعد ثمانين عاماً من مغادرة أورويل لبي بي سي، تجد المؤسسة نفسها غارقة في أزمة عميقة. وفكرة أورويل عن الحرية، والأسئلة التي تطرحها على بي بي سي تدور كلها على الجدل بشأن غاري لينكر.
فيديو قد يعجبك: