بعد خطابه في الكونجرس.. هل نجح نتنياهو أم فشل في واشنطن؟
بي بي سي
التشريف الأكبر الذي يحظى به أي زعيم أجنبي في أمريكا هو أن يُدعى إلى إلقاء خطاب أمام الكونجرس بمجلسيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، هذا ما حظي به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن في 25 من شهر يوليو الجاري.
كانت تلك في الواقع المرة الرابعة على مدى السنوات التي يُمنح فيها نتنياهو هذه الفرصة، ليكون أكثر زعيم أجنبي في التاريخ يستضيفه الكونجرس بهذه الطريقة.
وكما تضامنت أمريكا واصطفت مع إسرائيل بعد هجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عليها في 7 أكتوبر الماضي، اصطف كبار السياسيين الأمريكيين لتحية نتنياهو، ثم قاطعوه بالتصفيق وقوفًا مرات عديدة.
وكانت النقطة الأساسية التي ركز عليها نتنياهو في خطابه هى قوله إن "أعداء أمريكا هم أعداء إسرائيل، وإنه يرى أن المعركة واحدة وإن الدعم الأمريكي لإسرائيل يعني دعم أمريكا لنفسها".
لكن الأجواء لم تكن كلها ودية ومرحبة برئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يقود الحرب في قطاع غزة. والتي بدأت بعد هجوم حماس الذي قُتل فيه 1200 إسرائيلي وأسر فيه عشرات الأسرى، ولكنها خلفت منذ ذلك الحين عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين، وشردت مئات الآلاف منهم.
ظروف استثنائية
قبل أن يبدأ نتنياهو حديثه، بل وقبل أن يصل إلى مبنى الكونجرس، كانت التظاهرات الحاشدة المؤيدة للفلسطينيين تمتد في الشوارع المجاورة، إذ تجمع الآلاف، رافعين أعلامًا فلسطينية وشعارات مؤيدة للفلسطينيين ومُدينة لإسرائيل وللسياسة الأمريكية الداعمة لها. اتهموا نتنياهو بأنه "مجرم حرب"، بينما اتهمهم هو في خطابه بأنهم "ممولون من إيران" وأنهم يخدمون أجندتها وأجندة حماس.
جاءت زيارة نتنياهو في ظروف استثنائية تواجهها أمريكا على مستويين كبيرين وأساسيين: أولهما تزايد حدة الانقسام السياسي الأمريكي، أما الثاني فهو التغييرات الملحوظة في تحرك اليسار الأمريكي الرافض لسياسة الولايات المتحدة التقليدية المؤيدة لإسرائيل وتأثير ذلك شيئًا ما على حزب الرئيس جو بايدن، الحزب الديمقراطي وهو حزب يسار الوسط في السياسة الأمريكية.
ووجد نتنياهو نفسه يتعامل مع تلك الظروف الجديدة في أمريكا ولم يكن الطيف السياسي الأمريكي موحدًا في ترحيبه برئيس وزراء إسرائيل وهي في حالة حرب، رغم أن دعم الاحتلال هو واحد من أبرز وأهم ثوابت سياسة الولايات المتحدة، سواء كانت الإدارة ديمقراطية أم جمهورية.
لكن المشهد في الكونجرس، الذي بدأ مبهرًا في احتفائه بنتنياهو و بوحدة الحزب الجمهوري في تأييد إسرائيل والترحيب برئيس وزرائها، أظهر أيضًا غياب عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي المعارضين لسياسة نتنياهو.
ومن أبرز الغائبين كانت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، التي أصدرت بيانًا أدانت فيه سياسة نتنياهو، كذلك غابت نائبة الرئيس كامالا هاريس، التي تعد بحكم منصبها رئيسة لمجلس الشيوخ، وهي تحضر عادة الجلسات الكبيرة التي يتحدث فيها الرؤساء، إلا أنها اختارت عدم الحضور من أجل حضور تجمع انتخابي في حملتها الرئاسية.
مهمة نتنياهو مع هاريس قد تكون أصعب من بايدن
لكن هاريس التقت نتنياهو في لقاء منفصل مهم، خصوصًا أنه كان مستقلًا عن لقائه بايدن، فقد زار نتنياهو البيت الأبيض واستقبله بايدن هناك بطريقة تقليدية تجنبت إظهار الاختلافات في وجهات النظر، ثم التقيا مع ممثلين عن أسر الأسرى في قطاع غزة.
وقضية الأسرى منذ البداية تشكل نقطة خلاف بين أولويات أمريكا وأولويات إسرائيل؛ فقد حاول بايدن دائمًا أن يكون مبدأ سلامة الأسرى والعمل على إعادتهم أولوية في العمل العسكري والسياسي، إلا أن نتنياهو كان وما زال يعتبر أن الهدف الأساسي والنهائي هو تدمير حماس وإنهاء خطرها على الاحتلال.
قدم بايدن ونتنياهو وعدًا مشتركًا إلى الأسر بالعمل على إعادة الأسرى قريبًا. لكن تطبيق هذا الوعد سيعتمد بصورة رئيسية على تنازلات امتنع نتنياهو عن تقديمها لحماس وسيكون الآن تحت ضغط أكبر من بايدن بأن لا يوقف مسار التوصل إلى اتفاق وصف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الأسرى، وهو الاتفاق الذي فشلت أمريكا بالتوسط للوصول إليه على مدى أشهر.
أما لقاء نتنياهو وهاريس، فتكمن أهميته في أنه كان عمليًا أبرز مناسبة تتحدث فيها هاريس في مجال السياسة الخارجية، منذ أن أصبحت المرشحة الأوفر حظًا في الحصول على ترشيح حزبها للرئاسة، فبينما لم يتحدث بايدن للإعلام سوى بكلمات ترحيب تقليدية لنتنياهو أثناء لقائه به، فإن هاريس تحدثت بعد اللقاء.
وقفت جنبًا إلى جنب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وكانت واضحة بل وكادت أن تكون قاطعة في أن وقت الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قد حان.
لم تتخل هاريس طبعًا عن المبدأ الأمريكي الأساسي الداعم لإسرائيل، فقد أكدت التزامها بدعم حق الاحتلال في الدفاع عن نفسه وأدانت بشدة هجوم حماس عليه، لكن مهمة نتنياهو معها قد تكون أصعب من بايدن إذا أصبحت رئيسة لأمريكا.
فمن الناحية السياسية المباشرة تحتاج هاريس الآن إلى تقديم مبادرات أكثر صرامة مع إسرائيل لترضي الجناح اليساري لحزبها، وقد تضطر أيضا إلى تقديم وعود إلى الناخبين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة من أجل عدم خسارة أصواتهم.
أجواء مختلفة
الأجواء كانت مختلفة عندما التقى نتنياهو ترامب، فقد بدا أولًا أن الخلاف بين الرجلين الذي ابتدأ بسبب غضب ترامب من إقرار نتنياهو بفوز بايدن في الانتخابات على ترامب قد انتهى.
رحب ترامب بنتنياهو وزوجته سارة في مقر إقامته في منتجع مارالاجو في ولاية فلوريدا. ووجد نتنياهو نفسه في قلب الصراع الانتخابي عندما انتقد ترامب هاريس بشدة واتهمها بعدم احترام إسرائيل.
تجنب نتنياهو إعطاء أي وعد علني باقتراب اتفاق الأسرى، رغم أنه قادم من ضغط شديد مستمر من بايدن وهاريس.
أما ترامب فقسم الاحتمالات بطريقته القاطعة أنه "إذا فزت في الانتخابات فسأدعم إسرائيل، وأتوصل إلى اتفاق مع إيران يرضي الجميع، أما إذا فازت هاريس فإن الشرق الأوسط مقبل على حرب كبيرة قد تكون حربًا عالمية ثالثة"!
في العموم، نجح نتنياهو في إظهار ما ردده في خطابه أمام الكونجرس، من أن العلاقات بين الاحتلال والولايات المتحدة قوية وراسخة ومستمرة مهما كانت الظروف والاختلافات في الرؤى.
لكنه أيضًا لم يغير قناعات الأطراف الناقدة له وقد ازدادت وكبرت في أمريكا. ويبدو أن جزءًا مُهمًا من الحزب الديمقراطي سيستمر في نقده له وضغطه عليه، بل وحتى دعم فكرة إزاحته من منصبه.
يأمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألا يكون ذلك هدفًا لإدارة جديدة ترأسها هاريس وهو يعلم أن ذلك لن يكون الحال إذا فاز ترامب.
فيديو قد يعجبك: