لعبة كبرى جديدة بالشرق الأوسط: هل تتنافس تركيا وإيران وإسرائيل على السيطرة على الشام؟
واشنطن - (د ب أ)
في ظل التغيرات الجيوسياسية الكبيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بدأ صراع جديد يُعرف بـ "اللعبة الكبرى الجديدة" بين القوى الإقليمية الكبرى مثل تركيا وإيران وإسرائيل، وسط مساع لبسط النفوذ في منطقة الشام، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ويقول المحلل ليون هدار، وهو زميل أول غير مقيم في برنامج الأمن القومي بمعهد بحوث السياسة الخارجية، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن القومية العربية، من الناحية العملية، قد انقضت.
وأضاف أن "العالم العربي" فقد قضيته الموحدة، وهي إسرائيل، ودعمه الخارجي، وتفكك إلى كتل جيوسياسية، مع تنافس ثلاث قوى غير عربية رئيسية - تركيا وإيران وإسرائيل - على الهيمنة في منطقة الشام، وفي الواقع، فإن العصر الذهبي للقومية العربية في القرن العشرين، عندما سعت مصر إلى توحيد الشعوب العربية وهيمنت الحركات القومية على السياسة في المنطقة، قد ولى منذ زمن بعيد.
وفي أعقاب حرب العراق الكارثية التي قادتها الولايات المتحدة، يبدو الشرق الأوسط اليوم مختلفا تماما، بما في ذلك من حيث مكانته في النظام الدولي، وبدأت الولايات المتحدة في فك ارتباطها بالمنطقة بعد حرب العراق، وتوقفت روسيا عن كونها قوة مؤثرة في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في سوريا، وأصبحت القوى الإقليمية الآن هي المسؤولة عن إدارة شؤون المنطقة.
وقال هدار إنه بطريقة ما، تم بلقنة الكثير مما يُشار إليه بمنطقة الشام، وهي منطقة فرعية على حدود البحر الأبيض المتوسط من الغرب والعراق من الشرق، مُجزأ حيث تحتفظ إيران بما لها من أهداف تتعلق بالهيمنة، وإسرائيل، بقيادة حكومة قومية، وتركيا، التي يحلم رئيسها بإحياء الإمبراطورية العثمانية، بمناطق نفوذ خاصة بها.
وتشمل منطقة النفوذ الإسرائيلي، بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، أيضا المملكة الأردنية الهاشمية، وجزءا كبيرا من جنوب لبنان، ومرتفعات الجولان السورية وجبل الشيخ.
وبعد فقدان وكلائها في قطاع غزة (حماس) وسوريا (الأسد)، لا تزال إيران تحافظ على نفوذها في لبنان من خلال جماعة حزب الله الشيعية الضعيفة، وفي العراق عبر حلفائها الشيعة، وتعتبر إسرائيل منافسها الاستراتيجي الرئيسي في المنطقة.
وكانت تركيا، مثلها مثل إسرائيل، أحد المستفيدين من انهيار نظام الأسد في سوريا، على أمل أن يحتضنها النظام الإسلامي في دمشق كراع عسكري واقتصادي، وهو ما كان سيحدث على الأرجح.
وتحتل قوات الجيش التركي وحليفها "الجيش الوطني السوري" مناطق في شمال سوريا منذ الحرب الأهلية السورية، وهي دويلة تحت الإدارة المزدوجة للمجلس المحلي والإدارة العسكرية التركية.
وفي الوقت نفسه، تشعر تركيا بالقلق إزاء ما تراه تهديدا من القومية الكردية في سوريا، حيث أسس الأكراد خلال الحرب الأهلية السورية "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" بدعم من الولايات المتحدة.
ويُعد الأكراد في سوريا أكبر أقلية عرقية في البلاد، وينحدر معظمهم في الأصل من أكراد تركيا الذين عبروا الحدود خلال القرن العشرين، ويتمركزون حول الحدود السورية-التركية، ويسعى الكثير منهم إلى تحقيق حكم ذاتي سياسي فيما يعتبرونه "كردستان الغربية"، على غرار حكومة إقليم كردستان في العراق.
ومن هذا المنظور، تواجه كل من تركيا وإسرائيل تحديا من شعبين بلا دولة، الأكراد في حالة تركيا، والفلسطينيين في حالة إسرائيل، وكلاهما يسعى لتحقيق الاستقلال السياسي.
ومع ذلك، تصر كل من تركيا وإسرائيل على أن الاستقلال السياسي الكامل لهذين الشعبين سيمثل تهديدا وجوديا لهما، وفي أفضل الأحوال، عُرض على كلا الشعبين شكل محدود من الحكم الذاتي السياسي.
وهناك أيضا الأقلية الدرزية الكبيرة في سوريا، بالإضافة إلى طائفة الأسد، العلويين، الذين حكموا سوريا خلال فترة نظامه، ويمكن توقع استمرار التوترات العرقية والطائفية في البلاد خلال السنوات المقبلة، والتي قد تشمل الإسرائيليين (إلى جانب الدروز)، والإيرانيين (إلى جانب العلويين)، والأتراك (إلى جانب الأغلبية السنية).
وفي الوقت نفسه، من المحتمل أن يواجه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ضغوطا من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للانضمام إلى إسرائيل في مهاجمة المنشآت النووية العسكرية الإيرانية، ومع ذلك، من المرجح أن يرفض ترامب دعوة الزج بالقوات العسكرية الأمريكية في المنطقة وصراعاتها المتعددة.
وخلص هدار إلى أنه إذا انتهى الأمر بحصول الإيرانيين على قدرة نووية عسكرية، فمن المرجح أن تفكر تركيا أيضا في الخيار النووي، مما يثير شبح توازن الردع النووي المتبادل بين ثلاث قوى إقليمية.
فيديو قد يعجبك: