مواجهة حتمية وسلطة بعيدة المنال.. ما مستقبل "قسد" في سوريا؟
مواجهة حتمية وسلطة بعيدة المنال.. ما مستقبل ''قسد'
كتبت- سلمى سمير:
رغم مرور 3 أشهر على صعود الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى السلطة، وتمكنها من إحداث متغيرات كثيرة على الساحة السياسية، أهمها إقناع الفصائل المسلحة بتسليم أسلحتها والاندراج تحت عباءة وزارة الدفاع السورية، إلا أنه يبدو أن مستقبلًا خاصًا ينتظر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بعد رفضها التسليم مثل باقي الفصائل.
في إعلان بيان اللجنة التحضيرية للحوار الوطني السوري الأخير، اتضحت الصورة بشكل كبير بشأن الطريقة التي ستسلكها الحكومة الجديدة ضد "قسد"، مع التأكيد على أن الأخيرة لن يكون لها أي دور في الحوار الوطني السوري، والذي من المقرر أن يصدر بيانًا يشكل إعلان دستوري للسياسة السورية، وذلك بحسب ما أعلن رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع.
وتسيطر قسد التي يقودها الأكراد على مساحات واسعة من شمالي وشرق سوريا، وهو الوضع الذي استمر لوقت طويل طوال السنوات الماضية خلال الوضع الذي شهدته سوريا بعد اندلاع الثورة ونشوب الحرب، إلا أن ذلك الوضع يبدو أنه إلى تغير مع الإعلان الأخير.
ما مستقبل "قسد"؟
تضم سوريا نحو 17 فصيلًا و20 حزب، إلا أنه من بينهم جميعا رفضت "قسد" الكردية المندرجة تحت العباءة الأمريكية التسليم للإدارة الجديدة مراهنة على دعم واشنطن، الغير مأمون في الوقت الحالي مع تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب التي أعرب فيها عن رغبته بعدم التدخل في الشأن السوري، وفي هذه المسألة يقول المحلل السياسي المختص في الشأن السوري، الدكتور قصي عبيدو، في تصريحات خاصة لـ "مصراوي"، إن الحكومة السورية تصر على أن تسليم السلاح يجب أن يتم تحت مظلة الدولة، وأن أي فصيل يرفض القيام بذلك لن يكون له تمثيل في مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في الأول من مارس.
وأشار عبيدو، إلى أن اللجنة التحضيرية لتنظيم المؤتمر، أكدت أنها ستدعو جميع الأطراف للمشاركة، ولكن على مستوى الأفراد وليس ككيانات تنظيمية أو حزبية. وبالتالي، فإن قسد لن تكون ممثلة كتنظيم، بل سيقتصر تمثيل الأكراد على شخصيات معينة يتم دعوتها بصفة فردية لتمثيل مناطقهم.
ولا توجد حتى الآن أي بوادر على التوصل إلى اتفاق أو حل شامل لملف "قسد"، بحسب دكتور قصي، الذي أشار إلى وصول بعض القادة إلى منطقة السويداء عبر ريف حمص الأيام الأخيرة للقاء الوجهاء المحليين. وهو ما قابله على الجانب الآخر، تعزيزات عسكرية أمريكية توجهت إلى المناطق التي تسيطر عليها قسد، مما يعزز التوقعات بأن الأزمة قد لا تجد طريقها إلى الحلول السلمية بسهولة.
دلل على احتمالية التصعيد العسكري، تحذيرات الحكومة السورية، من تحرك عسكري حتمي لإعادة السيطرة على المناطق التي يتواجد فيها السلاح خارج نطاق الدولة حال رفض تسليم السلاح من الفصائل الأخرى، إضافة لتقديم خمسة أعضاء من "قسد" لاستقالتهم، وسط مؤشرات على احتمال حل هذا الكيان بحسب عبيدو.
من جانبه يرى دكتور المحلل السياسي المختص في الشأن السوري، دكتور محمد الهويدي في تصريحات خاصة لـ "مصراوي"، أن الخيارات المطروحة أمام قوات سوريا الديمقراطية في الوقت الحالي محدودة، خاصة بعد الإعلان عن الحوار الوطني، مشيرا إلى أن التفاوض مع الإدارة الحالية أصبح هو المسار الرئيسي المتاح، وهو ما يبدي كلا الطرفان استعداد بشأنه إلا أنه مع ذلك لم يتم تحقيق أي نتائج.
ويعد الدعم الأمريكي أحد الخيارات المطروحة أمام "قسد" لمواصلة المفاوضات بحسب هويدي، وذلك بهدف التوصل إلى مقاربة تدمج قسد ضمن الجيش الجديد، مع إشراكها في الحكومة المستقبلية، إلا أن هويدي استبعد ذلك الخيار، نظرًا للفيتو التركي الذي يسعى إلى تفكيك قسد بالكامل بدلًا من دمجها داخل منظومة الجيش الجديد وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا لكل من قسد، وتركيا، والإدارة الجديدة، ما لم يتم التوصل إلى حلول جديدة لمعالجة المخاوف الأمنية لكافة الأطراف.
وتابع هويدي، أن خيارات قسد باتت محدودة في ظل الاعتراف الإقليمي والدولي المتزايد بالإدارة الجديدة، مشيرا إلى أن استمرار دعم الولايات المتحدة هو العامل الرئيسي الذي تعول عليه قسد.
واستشهد الدكتور محمد، بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر باريس، حين شدد على ضرورة أن تكون قسد جزءًا من الجيش الجديد، مثنيًا على دورها في محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أن هذا الدعم الدولي لا يكفي وحده، ما لم تتخذ قسد خطوات فعلية تفرض واقعًا جديدًا على الأرض، وهو ما يجعل الخيارات أمامها تضيق بشكل متزايد.
وفيما يتعلق بعلاقة قسد بالحكومة السورية المؤقتة أو الانتقالية، فإن أي تفاهم مستقبلي بين الطرفين يبدو معقدًا ومليئًا بالتحديات، بحسب هويدي، نظرًا لغياب القواسم المشتركة والتباين الأيديولوجي الواضح. فقسد تتبنى مشروعًا يقوم على العلمانية واللامركزية، بينما تتمسك الإدارة الحالية بمركزية الحكم ونهج سياسي أحادي اللون، غير قابل للتنوع. وهو ما لا يشير لإمكانية انضمام قسد للحكومة، خاصة وأن ما يحدث حاليًا هو مجرد محاولات التفاف على قسد من خلال استقطاب شخصيات كردية تدّعي تمثيل الأكراد، وهو نهج سبق أن اتبعه النظام السوري سابقًا.
حوار وعراقيل
منذ تولي الحكومة الجديدة السلطة، شهدت سوريا عدد من الحوادث الأمنية المتكررة، تجعل الشارع السوري يعيش حالة من عدم الاطمئنان، مع تصاعد المشكلات الأمنية، بدءًا من حوادث الخطف والقتل، التي كان آخرها جريمة تقطيع أحد سكان ريف اللاذقية، وصولًا إلى الانفلات الأمني في عدة محافظات، مثل طرطوس وحمص ودمشق وحلب وريفها، بحسب دكتور قصي، الذي أشار إلى تكرر حوادث القتل والخطف واغتصاب النساء بشكل يومي.
وعلى هذا النحو، يرى عبيدو، أن التوصل إلى اتفاق بين الحكومة ولجنة الحوار الوطني مع قسد قد يفتح الباب أمام بعض الانفراجات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني، مشيرا إلى الجهود المبذولة في مختلف المحافظات عبر نشر الحواجز على مداخل ومخارج المدن وتسيير دوريات أمنية للحد من جرائم الخطف والقتل، وهو ما لم يحول رغم ذلك دون ممارسة بعض الفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة بعض الأنشطة الغير قانونية وهو ما يزيد من تعقيد المشهد.
وأكد عبيدو، أن نجاح مؤتمر الحوار الوطني وإشراك جميع مكونات الشعب السوري سيكون مفتاحًا رئيسيًا للخروج من الأزمة، خاصة أن سوريا تضم أكثر من 17 طائفة وحوالي 20 حزبًا وتيارًا سياسيًا، ما يستوجب تمثيلًا شاملًا يضمن مشاركة جميع الأطراف في صنع مستقبل البلاد.
الدور الأمريكي والتركي
منذ بداية ظهور نفوذ قسد في سوريا ارتبط ذلك بشكل كبير بالدعم الأمريكي، يعول عليه التنظيم الآن، ورفض تركي حاربه لسنوات، وهو ما يجعل مشاركة قسد في الحكومة أمر مستبعد بحسب، الدكتور هويدي، نظرا للعاملين السابقين، قائلًا إن الطريق لا يزال طويلًا بين قسد والإدارة الجديدة، ويعتمد بشكل أساسي على مدى استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة.
وأوضح هويدي، أن الوجود الأمريكي يمثل عامل التوازن الأساسي لقسد، فهو بمثابة الأوكسجين الذي يضمن استمرارها، بحسب المختص بالشأن السوري، الذي أكد أنه في حال غياب دعم واشنطن فإن قسد ستواجه تحديات عديدة قد تهدد وجودها بالكامل.
على الجانب الآخر، لا تزال تركيا ترفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال الفيدرالية في سوريا، بحسب هويدي، الذي قال إن أنقرة، تعتبر أن وجود قسد ككيان مستقل يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وترى أن أي دور سياسي لقسد في المستقبل غير مقبول على الإطلاق، ما يجعل من الصعب تجاوز العقبات التي تعترض طريق أي تفاهم بين الطرفين.
وبناءً على المعطيات السابقة، يرى هويدي أن التحديات التي تواجه قسد والإدارة الجديدة كبيرة جدًا،متوقعًا عدم حدوث أي انفراجة على المدى القريب.
فيديو قد يعجبك: