إعلان

خريطة أولمرت للدولة الفلسطينية.. هل كانت مفتاح السلام في الشرق الأوسط؟

12:11 م الإثنين 24 فبراير 2025

بي بي سي

في عام 2008، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت نداءً للرئيس الفلسطيني، وقال حينها: "خلال الخمسين عامًا القادمة، لن تجد زعيمًا إسرائيليًا واحدًا يقترح ما سأقدمه الآن. وقّع عليها، وقّع عليها ودعنا نغير التاريخ"، جاء ذلك خلال محادثات أُجريت حول صفقة كان أولمرت يأمل في أن تكون أساسًا للسلام في الشرق الأوسط.

وكانت تلك الصفقة تتضمن حل الدولتين، وهو الحل الذي يبدو أنه أصبح بعيد المنال اليوم. وإذا تم تنفيذها حينها، كانت ستؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية على أكثر من 94 في المئة من أراضي الضفة الغربية المحتلة.

الخريطة التي قدمها أولمرت أصبحت الآن محط اهتمام كبير، حيث اكتسبت مكانة شبه أسطورية على مر السنين، وعلى الرغم من وجود العديد من التكهنات حولها، إلا أن أولمرت لم يكشف عنها للصحافة حتى الآن.

e9be07d0-f22d-11ef-896e-d7e7fb1719a4.jpg_11zon

في أحدث سلسلة من الأفلام الوثائقية للمخرجة نورما بيرسي بعنوان "إسرائيل والفلسطينيين: الطريق إلى السابع من أكتوبر"، التي أصبحت متاحة الآن على (آي بلاير) بدءًا من اليوم الإثنين، يكشف إيهود أولمرت عن الخريطة التي يقول إنه عرضها على محمود عباس خلال اجتماع في القدس بتاريخ 16 سبتمبر 2008.

وقال أولمرت لصنّاع الفيلم: "هذه هي المرة الأولى التي أعرض فيها هذه الخريطة لوسائل الإعلام".

وتظهر الخريطة تفاصيل حول الأراضي التي اقترح أولمرت ضمها إلى إسرائيل، والتي تبلغ 4.9 في المئة من الضفة الغربية، وكان من الممكن أن تشمل الخطة أيضًا الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى، تمامًا كما في المقترحات السابقة التي تعود إلى أواخر التسعينيات.

في المقابل، قال رئيس الوزراء إنه سيتحتم على إسرائيل أن تتنازل عن مساحة معادلة من الأراضي الإسرائيلية على طول حدودها مع الضفة الغربية وقطاع غزة.

وكان من المقرر ربط المنطقتين الفلسطينيتين عبر نفق أو طريق سريع، وهي فكرة تمت مناقشتها أيضا في وقت سابق.

وفي الفيلم، يتذكر أولمرت رد الرئيس الفلسطيني: "قال لي: يا رئيس الوزراء، هذا أمر خطير للغاية. إنه خطير جدًا جدًا".

وكان الأهم في خطة أولمرت، أنها تضمنت حلًا مقترحًا لقضية القدس الشائكة.

تنص الخطة على أن يكون لكل طرف الحق في المطالبة بأجزاء من المدينة لتكون عاصمته، بينما سيتم تسليم إدارة "الحوض المقدس" - بما في ذلك المدينة القديمة ومواقعها الدينية والمناطق المحيطة - إلى لجنة أمناء مكونة من إسرائيل وفلسطين والمملكة العربية السعودية والأردن والولايات المتحدة.

وكان من الممكن أن تكون الآثار التي ستخلفها الخريطة على المستوطنات اليهودية كبيرة.

فلو نُفّذت الخطة، لكان من المحتمل إخلاء عشرات التجمعات السكانية الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية وغور الأردن.

عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون بإبعاد بضعة آلاف من المستوطنين اليهود بالقوة من قطاع غزة في عام 2005، كان ذلك يُعتبر صدمة في نظر اليمين الإسرائيلي.

لذا كان إخلاء معظم المستوطنات في الضفة الغربية سيمثل تحديًا أكبر بكثير، حيث كان سيشمل عشرات الآلاف من المستوطنين، مع احتمال حدوث عنف حقيقي.

لكن ذلك التحدي لم يحدث أبدًا.

فعند نهاية ذلك اللقاء، رفض أولمرت تسليم نسخة من الخريطة لمحمود عباس ما لم يوقعها الرئيس الفلسطيني.

ورفض عباس من جانبه التوقيع مبررًا ذلك بأنه كان بحاجة إلى عرض الخريطة على خبرائه أولًا للتأكد من أنهم يفهمون بالضبط ما يُعرض عليهم.

ويقول أولمرت إن الرجلين اتفقا على عقد اجتماع مع خبراء الخرائط في اليوم التالي، مضيفًا: "لقد افترقنا، كنا وكأننا على وشك اتخاذ خطوة تاريخية إلى الأمام".

لكن اجتماع اليوم التالي لم يحدث، وبينما كان الفريق الفلسطيني يغادر القدس في تلك الليلة، يتذكر رفيق الحسيني، رئيس طاقم الرئيس عباس، الحوارات التي دارت في السيارة التي استقلوها.

ويقول في الفيلم: "بالطبع ضحكنا".

اعتقد الفلسطينيون أن الخطة قد فشلت، إذ أعلن أولمرت - الذي كان متورطًا في فضيحة فساد منفصلة - عزمه على الاستقالة.

ويضيف الحسيني أنه "من المؤسف أن أولمرت - بغض النظر عن مدى لطفه - كان بطة عرجاء، وبالتالي، لن يذهب المقترح إلى أي مكان".

كما ساهم الوضع في غزة في تعقيد الأمور حينها، إذ أمر أولمرت بعد شهور من الهجمات الصاروخية من الأراضي التي تسيطر عليها حماس، بشن هجوم إسرائيلي واسع تحت اسم "عملية الرصاص المصبوب" في نهاية ديسمبر، مما أدى إلى اشتعال القتال العنيف الذي استمر مدة ثلاثة أسابيع.

لكن أولمرت يقول في الفيلم الوثائقي إنه كان من "الذكاء الشديد" أن يوقع عباس على الصفقة حينها، ثّم يقول للعالم إذا حاول رئيس وزراء إسرائيلي مستقبلي إلغائها بعد ذلك، إن "الفشل كان خطأ إسرائيل".

a3d848a0-f22f-11ef-896e-d7e7fb1719a4_11zon

وجرت الانتخابات الإسرائيلية، في فبراير، وأسفرت عن فوز بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود والمعارض لإقامة دولة فلسطينية، ليصبح رئيسًا للوزراء.

ومع هذا التغيير، تلاشت خطة أولمرت وخريطته بعيدًا عن الأنظار تدريجيًا.

ويؤكد أولمرت أنه انتظر الرد من عباس، وفي نهاية المطاف انضمت خطته إلى قائمة طويلة من الفرص الضائعة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي عام 1973، قال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، أبا إيبان، مازحًا إن الفلسطينيين "لا يفوتون أبدًا فرصة لتضييع الفرصة"، لكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك، خاصة بعدما وقع الجانبان اتفاقيات أوسلو التاريخية في عام 1993.

إذ حملت عملية السلام، التي بدأت بمصافحة بين إسحق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض، لحظات أمل حقيقية، ولكنها كانت متبوعة بالمآسي. وفي النهاية، باءت تلك الجهود بالفشل.

الأسباب معقدة ويشوبها الكثير من الاتهامات المتبادلة، لكن الحقيقة هي أن الظروف لم تكن مواتية أبدًا.

لقد عايشت هذا الواقع بنفسي قبل 24 عامًا.

ففي يناير 2001، في منتجع طابا المصري، ناقش المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون مرة أخرى الخطوط العريضة للصفقة.

ورسم أحد أعضاء الوفد الفلسطيني خريطة تقريبية على منديل وأخبرني أنهم وللمرة الأولى - كانوا ينظرون إلى الخطوط العريضة لدولة فلسطينية قابلة للتطبيق.

لكن المحادثات لم تحقق أي تقدم، إذ غرقَت في دوامة العنف المتصاعد في شوارع الضفة الغربية وغزة، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر من العام نفسه.

ومرة أخرى، كانت إسرائيل تمر بمرحلة انتقال سياسي، إذ استقال رئيس الوزراء السابق إيهود باراك من منصبه، وهزمه آرييل شارون بسهولة بعد بضعة أسابيع.

وأصبحت تلك الخريطة على المنديل، مثل خريطة أولمرت التي جاءت بعد ثماني سنوات، شاهدًا على ما كان يمكن أن يكون.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان