إعلان

ترشيح إمام أوغلو لمنافسة إردوغان.. هل تتصاعد الأزمة في تركيا؟

04:00 م الإثنين 24 مارس 2025

احتجاجات تركيا

كتبت- سلمى سمير:

يقارب الأسبوع على الاكتمال ولا تزال تركيا تشهد احتجاجات واسعة لا تقل حدتها بل تتسع منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بعد توجيه عدد من التهم له وضبطه على إثرها ليتم إصدار قرارًا رسميا باعتقاله بعدها وإيداعه في سجن مرمرية، وهو ما لم يوقف حدة التظاهرات بل وصلت حد إعلان حزب الشعب الجمهوري، ترشيح أوغلو في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.

وشهد الداخل التركي احتجاجات متزايدة بعد اعتقال إمام أوغلو، مما زاد من حدة الأزمة، خاصة في ظل اتهامات رسمية وجهتها السلطات التركية له. وتضمنت هذه الاتهامات شبهة فساد مالي، وهو أمر لم تثبت صحته حتى الآن، حيث لا تزال القضية قيد التحقيق. أما الاتهام الثاني، فيتعلق بالتعاون مع جماعة إرهابية، وهو ما جاء قبيل إعلان أوغلو ترشحه رسميًا لانتخابات الرئاسة المقررة عام 2028.

صورة 1

هل تتصاعد التوترات؟

في هذا الشأن يقول المحلل المختص في الشأن التركي الدكتور محمد الديهي في تصريحات خاصة لـ "مصراوي"، إن المشهد السياسي في تركيا بات معقدًا للغاية، نظرًا لاهتمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمدينة إسطنبول وإدارتها، إذ تمثل إسطنبول نقطة ارتكاز سياسية هامة في البلاد. وفي هذا السياق، جاء اعتقال أكرم إمام أوغلو ليؤجج أزمة كبرى، خاصة أن هناك مقولة شائعة تفيد بأن "من يحكم إسطنبول يحكم تركيا". وبالتالي، فإن هذه القضية تحمل أبعادًا سياسية كبيرة قد تؤثر على مستقبل المشهد التركي.

وعلى الرغم من أن الرئيس التركي يحاول التزام الصمت تجاه هذه التطورات، فإن الضغوط الشعبية والسياسية قد تجبره على إعادة النظر في القضية، بحسب الديهي، الذي قال إن أردوغان ربما يضطر للإفراج عن إمام أوغلو ووقف التحقيقات الجارية، مشيرًا إلى أن الساحة السياسية التركية أصبحت الآن تشهد منافسًا قويًا يتمتع بشعبية كبيرة، قد يكون قادرًا على مواجهة أردوغان في الانتخابات المقبلة.

على ذات الجانب يرى المحلل السياسي المختص في الشأن التركي، دكتور كرم سعيد، في تصريحات خاصة لـ "مصراوي"، إن التوترات في الساحة السياسية التركية ستتصاعد خلال المرحلة المقبلة، خاصة بعد صدور حكم بسجن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ووضعه قيد الاعتقال على خلفية التحقيقات المفتوحة ضده، سواء في القضايا المتعلقة بالفساد أو بالإرهاب، مشيرًا إلى أن فرص التوتر هي الأرجح في الوقت الحالي لنظرًا للمعطيات الموجودة.

صورة 2

ولا تزال المعارضة التركية مصرة على خيار الاحتجاجات كأحد الأدوات الأساسية لمواجهة القرارات الحكومية، بحسب سعيد، مشيرًا إلى أن هذه التحركات تعتبر إحدى الآليات التي قد تساهم، من وجهة نظر المعارضة، في إحداث تغيير في مسار القضية.

وأوضح كرم سعيد، أن اللافت في التظاهرات الحالية أن خطاب الاحتجاجات لم يعد يقتصر على المطالبة بإطلاق سراح إمام أوغلو، بل امتد ليشمل قضايا أوسع مثل سيادة القانون، ومستقبل الديمقراطية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، موضحًا أنه بات واضحًا أن المشاركين في التظاهرات لا ينتمون فقط إلى القاعدة التقليدية لحزب الشعب الجمهوري، بل انضم إليهم قطاع واسع من الأتراك، بعضهم غير منخرط في السياسة، لكنه يرفض الأوضاع الحالية بشكل عام.

وزاد من حدة التوتر، في رؤية سعيد، إصرار الحكومة على استخدام القبضة الأمنية لمواجهة المحتجين، دون إبداء أي بوادر للتراجع أو فتح قنوات حوار. وهو ما يزيد من احتمالية استمرار التصعيد في المشهد التركي خلال الفترة المقبلة.

3

أهمية إسطنبول في السياسة التركية

تعد مدينة إسطنبول من الناحية السياسية والاقتصادية أهم المدن التركية، حيث تضم أكبر كتلة سكانية في البلاد، فضلًا عن أنها المركز الرئيسي للاستثمارات الاقتصادية الكبرى. ولذلك، فإن السيطرة على هذه المدينة تمنح السياسي نفوذًا واسعًا، وهو ما يجعلها ساحة رئيسية للصراع السياسي، بحسب الديهي.

أما بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، فإن إسطنبول تحمل أهمية خاصة، إذ أنه بدأ مسيرته السياسية فيها عندما شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، وهو ما ساعده لاحقًا في الوصول إلى منصب رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية. وفي هذا يقول الديهي، إن ما يحدث اليوم مع أكرم إمام أوغلو قد يكون تكرارًا للسيناريو الذي واجهه أردوغان نفسه، حيث كان قد تم توقيفه واعتقاله أثناء توليه رئاسة بلدية إسطنبول، ليعود بعدها إلى المشهد السياسي بقوة حتى أصبح رئيسًا للبلاد، مشيرًا إلى أن التحليلات السياسية ترجح ربما أن إمام أوغلو قد يسير على نفس الخطى، لا سيما في ظل شعبيته المتزايدة والدعم الذي يتلقاه من المعارضة التركية.

كيف يستفيد حزب الشعب الجمهوري من هذه الأزمة؟

بعد قرار اعتقال إمام أوغلو وخروج تظاهرات حاشدة، وجدت في وجهها قوى الأمن التركية، استطاع حزب الشعب الجمهوري أن يوظف هذا المشهد لصالحه بشكل واضح، بحسب محمد الديهي، وذلك من خلال خلق أداة ضغط قوية على الرئيس التركي من خلال تأجيج الرأي العام وتحريك الشارع التركي ضد قرار الاعتقال. كما أنه استفاد من الموقف بالإعلان عن ترشيح إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يعزز من موقفه السياسي في مواجهة الحزب الحاكم.

وأضاف محمد الديهي، أن حزب الشعب سيواصل استغلال هذه القضية للضغط على النظام التركي، سواء من خلال الترويج لفكرة "المظلومية السياسية" التي يتعرض لها إمام أوغلو، أو عبر استخدام القضية كورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية مع السلطة الحاكمة.

صورة 4

من جانبه يرى، كرم سعيد، أن حزب الشعب الجمهوري قد استفاد سياسيًا من الأزمة الجارية بشكل أو بآخر، قائلًا إنه رغم أن بعض التحقيقات الجارية تتعلق بمخالفات في مناقصات حكومية، إلا أن الحزب استطاع توظيف القضية لتعزيز موقعه السياسي.

وأوضح سعيد، أن أحد أبرز المكاسب التي حققها الحزب هو تحويل المؤتمر الخاص به، والذي كان مخصصًا لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة—سواء جرت في موعدها عام 2028 أو تم تبكيرها—إلى ما يشبه استفتاءً شعبيًا على دعم إمام أوغلو، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن نحو 15 مليون تركي أبدوا تأييدهم له في هذا السياق.

إضافة لذلك ساعدت الأزمة الحالية على تقوية التماسك الداخلي داخل الحزب، بحسب سعيد، حيث تم تجاوز العديد من الخلافات الداخلية التي كانت تختمر تحت السطح خلال الشهور الماضية. كما أن بعض القيادات التاريخية في تركيا، مثل الرئيس الأسبق عبد الله جل، اعتبرت أن ما يحدث مع إمام أوغلو يشبه "المظلومية السياسية" التي تعرض لها جل وأردوغان نفسه في تسعينيات القرن الماضي، مشيرًا إلى وجهة نظر تتحدث عن أن هذه المظلومية قد تتحول إلى رصيد سياسي لصالح حزب الشعب الجمهوري وإمام أوغلو في أي استحقاق انتخابي مستقبلي، سواء بلدية أو برلمانية أو رئاسية.

سبل التهدئة المتاحة أمام الحكومة والمعارضة

رغم التصعيد الحاصل وامتلاء الشوارع التركية لاسيما إسطنبول بالتحديد بأنصار إمام أوغلو الذين صوروه بمشهد الزعيم، إلا أن الديهي، يرى أنه لا تزال هناك فرصة للتهدئة وذلك من خلال الإفراج عن إمام أوغلو وإغلاق ملف القضايا المرفوعة ضده، إلا أن هذا الخيار قد يكون مكلفًا سياسيًا للنظام التركي، لأنه سيضعه في موقف محرج أمام الرأي العام، إذ سيُنظر إليه على أنه كان يسعى لإقصاء أحد منافسيه البارزين عبر توجيه اتهامات غير مثبتة، بحسب تحليلات المختص في الشأن التركي.

وعلى الجانب الآخر، يرى محمد الديهي، أن حزب الشعب الجمهوري لن يفرط في هذه الفرصة بسهولة، بل سيعمل على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية من خلال الاستمرار في إثارة القضية إعلاميًا وسياسيًا، مما قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في الشارع التركي.

5

ومع ذلك لم يفقد الرئيس التركي شعبيته بالكامل بحسب الديهي، إلا أن هذه الأزمة قد تؤثر على صورته لدى قطاع من الشعب التركي، خاصة أن المعارضة تحاول تصوير القضية على أنها استهداف سياسي مباشر لمنافس قوي في الانتخابات المقبلة. وهو ما يحاول أردوغان تفاديه عبر التأكيد على أن القضية قانونية بحتة وليس له أي تدخل فيها.

وتابع الديهي، أن في حال أراد أردوغان تحويل هذه الأزمة إلى مكسب سياسي، فقد يلجأ إلى سيناريو آخر، يتمثل في صدور حكم قضائي يدين إمام أوغلو، ثم يقوم الرئيس التركي بإصدار عفو رئاسي عنه، مما سيجعله يظهر بمظهر القائد المتسامح الذي يتجاوز الخلافات السياسية، مشيرًا إلى أن تنفيذ هذا السيناريو، قد يؤدي إلى حرمان إمام أوغلو من الترشح للانتخابات المقبلة، مما يمنح أردوغان فرصة أكبر لتعزيز موقعه السياسي.

رغم أن الاحتجاجات الأخيرة كانت قوية وحظيت بمشاركة واسعة، إلا أنها لم تصل إلى الحد الذي يمكن معه القول إنها باتت تهدد شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل جذري، بحسب كرم سعيد، الذي قال إن الرئيس أردوغان لا يزال يتمتع برصيد شعبي واسع، خاصة بعد نجاحه في تحقيق بعض المكاسب على صعيد السياسة الخارجية، مثل التطورات في الملف السوري، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إضافة إلى تحسن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في ظل التوترات بين أوروبا وواشنطن.

وتابع سعيد، أنه علاوة على ذلك، لا تزال الأجهزة الأمنية التركية ممسكة بزمام الأمور، وتمتلك القدرة على ضبط الأوضاع ميدانيًا. وهذا يجعل من غير المرجح أن تصل التظاهرات إلى نقطة اللاعودة، أو أن تتحول إلى تهديد جدي للنظام في الوقت الراهن، مشيرًا إلى أنه في الوقت ذاته، فإن استمرار الاحتجاجات مع انضمام فئات غير حزبية إليها قد يجعل الأوضاع أكثر تعقيدًا ويفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة.

أما عن الحل الأمثل لعلاج الأزمة الحالية في الشارع التركي، فيري كرم سعيد، أنه يكمن في معالجة حالة الاستقطاب السياسي المتفاقم في الداخل التركي من خلال فتح حوار موسع مع قوى المعارضة وهو ما قد يكون عبر مبادرة سياسية تتيح للأطراف المختلفة الجلوس على طاولة الحوار لمناقشة الأزمة، إضافة إلى إخلاء سبيل إمام أوغلو مع استمرار التحقيقات وهو ما قد يمتص جزءًا من الغضب الشعبي، والتوقف عن ملاحقة الخصوم السياسيين والمعارضين، محذرًا من أن استمرار حملة الاعتقالات والملاحقات القانونية قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان