هل يستطيع ترامب إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي؟
(بي بي سي)
دونالد ترامب رجل في عجلة من أمره. فخلال الأشهر القليلة التي قضاها في منصبه، سعى الرئيس الأمريكي إلى إحلال السلام في غزة وأوكرانيا، لكنه فشل في ذلك. لقد قصف اليمن، وشنّ حربا تجارية عالمية، والآن يحول اهتمامه إلى إيران.
وبالنسبة لترامب، تُعد إيران مهمةً لم تُنجز منذ ولايته الأولى.
ولا تزال المسألة كما كانت آنذاك: ما الذي يمنع إيران من السعي لامتلاك سلاح نووي؟
تنفي إيران أي طموح من هذا القبيل. لكن دولا أخرى تعتقد أن الجمهورية الإسلامية تريد على الأقل أن تمتلك القدرة على صنع رأس نووي، وهي رغبة يخشى البعض أن تُشعل سباق تسلح، أو حتى حربا شاملة، في الشرق الأوسط.
في عام 2015، أبرمت إيران اتفاقا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، سُمي بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة".
وبموجب هذا الاتفاق، ستحد إيران من طموحاتها النووية - وتسمح بدخول المفتشين الدوليين - مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
لكن ترامب انسحب من الاتفاق عام 2018، مدعيا أن الاتفاق يكافئ الإرهاب بتمويله ميليشيات إيران بالوكالة مثل حماس وحزب الله. وأعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات.
في المقابل، تجاهلت إيران لاحقا بعض قيود الاتفاق، وواصلت تخصيب اليورانيوم.
ويخشى محللون أن تمتلك إيران قريبا ما يكفي من اليورانيوم للاستخدام في صنع رأس نووي حربي.
وتقدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، يكفي لصنع حوالي ست قنابل نووية، إذا تم تخصيبه إلى المستوى التالي والأخير.
وفي غضون أيام من تنصيبه، أعاد ترامب سياسته السابقة المتمثلة في ما يسمى بـ "الضغط بأقصى حد" على إيران.
في الرابع من فبراير/شباط، وقع ترامب مذكرةً تأمر وزارة الخزانة الأمريكية بفرض المزيد من العقوبات على إيران، ومعاقبة الدول التي تنتهك العقوبات الحالية، وخاصةً تلك التي تشتري النفط الإيراني.
ويأمل البيت الأبيض الآن في مواكبة هذا الضغط الاقتصادي بالدبلوماسية.
ففي الشهر الماضي، أرسل ترامب رسالةً إلى المرشد الأعلى الإيراني، أية الله علي خامنئي، عرض خلالها بدء المفاوضات، وسعى للتوصل إلى اتفاق في غضون شهرين.
وقد وافق الآن على إجراء مناقشات مباشرة بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين، في عُمان نهاية الأسبوع.
وأصبح التهديد الأمريكي لإيران واضحا: إما التوصل إلى اتفاق أو مواجهة عمل عسكري.
وقال ترامب يوم الاثنين: "إذا لم تنجح المحادثات مع إيران، أعتقد أن إيران ستكون في خطر كبير".
فكيف سترد إيران؟
يبدو أن بعض صناع القرار في طهران حريصون على التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى رفع العقوبات.
يمرّ الاقتصاد الإيراني بأزمة خانقة، مع ارتفاع حاد في التضخم وتراجع حاد في قيمة العملة.
لكن أي اتفاق من هذا القبيل قد ينطوي على تنازلات، قد يجد بعض المتشددين صعوبة في تقبّلها.
لقد عانت إيران من انتكاسات هائلة في الأشهر الأخيرة، حيث حدث تقويض شديد للميليشيات المتحالفة معها نتيجة للحرب مع إسرائيل وسقوط حليفها الإقليمي، الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد. ويرى البعض في طهران أن هذا هو الوقت المناسب تماما لبناء رادع نووي.
تبدو كل من الولايات المتحدة وإيران على طرفي نقيض، فمواقفهما التفاوضية غير واضحة.
لكن الولايات المتحدة أوضحت رغبتها في التفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك الوقف الكامل لأي تخصيب لليورانيوم، بالإضافة إلى وقف أي دعم إضافي لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
قد يكون هذا الأمر فوق طاقة إيران.
لطالما اعتُبر الحظر الكامل على أي تخصيب نووي - حتى للأغراض المدنية - خطا أحمر مطلقا بالنسبة لطهران.
وهناك أيضا مشكلة الخبرة التكنولوجية الإيرانية: فعلماؤها ببساطة يعرفون الآن عن كيفية صنع سلاح نووي أكثر مما كانوا يعرفونه قبل عشر سنوات.
أما إسرائيل، فقد أوضحت أنها لن تقبل إلا بالقضاء التام على أي قدرة نووية إيرانية. ويقول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه سيوافق على "الطريقة التي تم بها ذلك في ليبيا"، في إشارة إلى قرار الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، تفكيك برنامجه النووي بالكامل عام 2003 مقابل رفع العقوبات.
لكن من غير المرجح أن تحذو إيران حذوها.
فماذا لو فشلت المحادثات؟
لطالما درست إسرائيل الخيارات العسكرية لمحاولة تدمير القدرات النووية الإيرانية. لكن العديد منها مدفون في مخابئ عميقة تحت الأرض.
ويقول محللون عسكريون إن إسرائيل لن تحتاج فقط إلى مساعدة أمريكية لقصف إيران، بل قد تحتاج أيضا إلى قوات خاصة على الأرض لضمان تدمير منشآتها النووية.
هذا يعني أن العمل العسكري سيكون محفوفا بالمخاطر، ونجاحه غير مضمون بأي حال من الأحوال.
لقد تعهد ترامب بعدم إشعال المزيد مما يُسمى بـ "الحروبا الأبدية"، وقد يصبح الصراع الإقليمي الشامل الذي تشارك فيه إيران أحد هذه الحروب.
لكن هذا لم يمنع الرئيس الأمريكي، وفقا للتقارير، من تزويد إسرائيل بمزيد من الدفاعات الجوية ونشر المزيد من قاذفات بي-2 بعيدة المدى في المنطقة.
لذا، يبدو أن ترامب يبحث حاليا عن حل دبلوماسي - حل قد تضطر إسرائيل لقبوله كأمر واقع، بغض النظر عن بنوده.
لكن في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فإنه يحتفظ بحق استخدام القوة، وهو ما قد تكون عواقبه وخيمة.
في غضون ذلك، يمنح الرئيس الأمريكي مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق.
ربما نسي ترامب أن المفاوضين استغرقوا عامين للتوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. فالدبلوماسية المتسرعة ليست دائما دبلوماسية ناجحة.
فيديو قد يعجبك: