أمريكا تدخل سوق المعادن الأوكرانية.. ماذا تجني كييف؟
ترامب وزيلينسكي
كتبت- سلمى سمير:
بعد مرور 100 يوم على تولي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهامه الرئاسية، استطاع الرئيس الجمهوري، إحراز نجاح في الملف الأوكراني، وذلك بعد توقيع واشنطن وكييف اتفاقًا يفتح الباب أمام مشاركة أمريكية واسعة في ثروات أوكرانيا الطبيعية، وعلى رأسها المعادن النادرة، إلى جانب النفط والغاز.
رغم الإعلان عن توقيع الاتفاق من جانب كل من أوكرانيا والولايات المتحدة، إلا أن نص الاتفاق النهائي لم يُنشر رسميًا، لكن شبكة "بي بي سي" البريطانية اطّلعت على نسخة مسودة غير معلنة، وكشفت عن سبع نقاط رئيسية تلقي الضوء على ملامح الصفقة المثيرة للجدل.
لا ديون ولكن هناك مقابل
وبحسب التصريحات الأوكرانية الرسمية فإن الاتفاق لا يفرض على كييف أي التزام بسداد "ديون" مقابل المساعدات الأمريكية السابقة، والتي يزعم دونالد ترامب أنها بلغت 350 مليار دولار، حيث أكد رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، أن الاتفاق لا يتضمن أية صيغة لسداد هذه المبالغ، ما يعتبر تراجع من قبل ترامب عن تصريجاته السابقة التي طالب فيها كييف بسداد ثمن المساعدات الأمريكية السابقة وهو ما رد عليه نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالقول إن بلاده لم تطلب تلك المساعدات الأمريكية كقروض لتدفع ثمنها.
ورغم التركيز الإعلامي على المعادن، فإن الاتفاق يشمل أيضًا مشاريع جديدة في قطاع النفط والغاز والبنية التحتية المرتبطة بها، حيث ستظل الموارد رسميًا مملوكة لأوكرانيا، لكن الولايات المتحدة ستحظى بشراكة تشغيلية وإنتاجية فيها، وهو بند لم يكن مدرجًا في المسودات الأولى، ما يشير إلى ليونة جديدة في الموقف الأوكراني.
حلم الاتحاد الأوروبي
وفي ظل مخاوف من أن تعرقل الاتفاقية طموحات أوكرانيا الأوروبية، جاء النص ليطمئن بروكسل، حيث ينص الاتفاق صراحة على احترام واشنطن لسعي أوكرانيا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، بل ويتعهد بإعادة التفاوض على بعض الشروط إذا اقتضت عملية الانضمام ذلك. كما أكد الجانب الأوكراني أن الاتفاق لا يتعارض مع الشراكة الاستراتيجية القائمة مع الاتحاد بشأن المواد الخام.
كما ينص الاتفاق على أن جميع الأرباح الناتجة عن "صندوق إعادة الإعمار" الذي سيتم إنشاؤه بموجب الاتفاق في أوكرانيا، ستُعاد استثمارها في الاقتصاد الأوكراني طوال عشر سنوات. وبعد هذه الفترة، يمكن تقسيم الأرباح بين الشركاء الأمريكيين والأوكرانيين، وهو ما قال عنه وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت في تصريحات له إن "هذه فرصة للأمريكيين ليكونوا جزءًا من قصة نجاح الشعب الأوكراني"، لكنه لم ينف في الوقت ذاته إمكانية تحقيق أرباح مستقبلية.
وفيما يخص الدعم العسكري الأمريكي، يعيد الاتفاق الجديد التزام واشنطن العسكري إلى الواجهة، إذ تم ربط استمرار الدعم العسكري بإنجاح هذا الإطار الاستثماري، وهو ما صرحت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني، يوليا سفيريدينكو، بأن الاتفاق يفتح الباب أمام دعم دفاعي جديد، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي، وهو الطرح الذي أتى في وقت يسعى فيه ترامب، منذ عودته للبيت الأبيض، إلى تقليص المساعدات العسكرية لكييف.
لا ضمانات جدية
ورغم هذا التقدم الظاهري، لا يُوفر الاتفاق أية ضمانات أمنية صلبة، وهو مطلب مزمن لكييف وأوروبا في المقابل، حيث لم يُظهر دونالد ترامب الحماسة ذاتها التي أبدتها إدارة الرئيس السابق، جو بايدن فيما يتعلق بالالتزام العسكري تجاه كييف. فبينما قدمت إدارة بايدن دعماً واسع النطاق بالسلاح والمال والتدريب، فإن ترامب لطالما أعرب عن تحفظه حيال الانخراط الأمريكي العميق في الحرب.
ومع أن الاتفاق يتضمن التزامات اقتصادية تجاه أوكرانيا، فإنه لا يعوض بحسب "بي بي سي" عن الغياب الصريح للضمانات الأمنية التي تُطالب بها كييف، خصوصاً مع استمرار الهجمات الروسية وتصاعد المخاوف الأوروبية من اتساع نطاق الصراع.
ويعني هذا الوضع أن التزام الولايات المتحدة، التي تُعد الحليف الأهم لأوكرانيا في حربها ضد موسكو، ما زال هشًا وغير مضمون بالكامل، وهو ما قد يثير قلقًا متزايدًا في العواصم الأوروبية وكييف هو استمرار دعم الشريك الأكبر لأوكرانيا.
موقف أكثر شدة تجاه موسكو
وفيما يخص روسيا استخدم البيان الأمريكي حول الاتفاق لهجة أكثر حدة من المعتاد بالنسبة لإدارة ترامب، ووصف الحرب بـ"الغزو الروسي الشامل"، مؤكدًا أن أي دولة أو جهة مولت أو زودت روسيا بأسلحة لن يُسمح لها بالاستفادة من إعادة إعمار أوكرانيا.
ويعد الخطاب الأمريكي المرافق للإعلان عن الاتفاق الأخير، مؤشراً على تحول محتمل في الموقف الأمريكي، خاصة مع تصاعد المطالب الأوكرانية بتشديد الضغط على موسكو، وهو ما لاقى ترحيبًا على الجانب الآخر من جانب كييف التي لا تزال في جولة المفاوضات غير المباشرة بشأن وقف إطلاق النار مع روسيا، وهو الأمر الذي لم يتحدث عنه الاتفاق.
ما أهمية تلك المعادن؟
المعادن النادرة هي مجموعة من المعادن التي تستخدم بشكل أساسي في صناعة التكنولوجيا الحديثة، مثل الهواتف الذكية، السيارات الكهربائية، الأسلحة، وأنظمة الطاقة المتجددة. وتشمل هذه المعادن عناصر حيوية مثل اللانثانيوم، النيوديميوم، الليثيوم، الجرافيت، والنيكل، التي تلعب دورًا محوريًا في مجالات الطاقة الخضراء وصناعة الدفاع.
وفي هذا السياق، تزايد الاهتمام العالمي بهذه المعادن نتيجة للتوجهات المتسارعة نحو التحول إلى الطاقة المتجددة وتقنيات الحوسبة المتطورة. وبحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA) لعام 2023، من المتوقع أن يرتفع الطلب على المعادن اللازمة لتحول الطاقة أكثر من ضعفين بحلول عام 2030، مما يضاعف من قيمة السوق لهذه المعادن.
كانت أوكرانيا، قبل الحرب جزءًا من أكبر الموردين للمعادن النادرة في العالم، حيث تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن الضرورية لصناعة البطاريات والتكنولوجيا الحديثة. وطبقًا للبيانات التي قدمها معهد الجيولوجيا الأوكراني، فإن البلاد تحتوي على احتياطيات من 22 من أصل 34 معدنًا صنفها الاتحاد الأوروبي على أنها حيوية للأمن الوطني والتنمية الاقتصادية.
من بين هذه المعادن، تبرز اليورانيوم، والليثيوم، والنيوديميوم، والتي تدخل في صناعة السيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية والهواتف الذكية. كما أن أوكرانيا تعد موطنًا لاحتياطيات ضخمة من الجرافيت، والتي تمثل 20% من احتياطيات العالم، بالإضافة إلى التيتانيوم الذي كان يمثل 7% من الإنتاج العالمي قبل الحرب.
لكن ومع الحرب المستمرة مع روسيا، والتي تسيطر الآن على حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، أثرت بشكل كبير على قدرة أوكرانيا على استغلال هذه الموارد. وبحسب تقارير من "رويترز"، يقدر الخبراء أن حوالي 40% من الموارد المعدنية في أوكرانيا أصبحت تحت سيطرة القوات الروسية، مما يعقد عملية التنقيب والاستخراج.
كما جاء الاتفاق، في وقت تحاول فيه الإدارة الأمريكية تقليل اعتمادها على الصين التي تهيمن على معالجة المعادن النادرة في العالم، وتمثل تهديدًا كبيرًا للولايات المتحدة بسبب هيمنتها المطلقة في هذا المجال، إذ تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن الصين تسيطر على نحو 70% من معالجة المعادن النادرة على مستوى العالم، وفي ظل ذلك تعتبر أوكرانيا بمثابة حلقة وصل حيوية في تأمين احتياطيات هذه المعادن، خاصة وأن الولايات المتحدة ترى في أوكرانيا فرصة لتعزيز أمنها الاقتصادي والعسكري، بحسب "الجارديان".
ومنذ بداية الحرب، خسر قطاع التعدين في أوكرانيا جزءًا كبيرًا من قدراته الإنتاجية، وذلك مع سيطرة القوات الروسية على العديد من المواقع الغنية بالمعادن في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد، بما في ذلك بعض من أهم احتياطيات الليثيوم والجرافيت. ورغم ذلك، لا تزال أوكرانيا تحتفظ بالكثير من مواردها الطبيعية في المناطق الغربية والوسطى، حيث يواصل المسؤولون الأوكرانيون العمل على خطط جديدة لاستعادة السيطرة على هذه الثروات.
فيديو قد يعجبك: