إعلان

لا عفو عن الخاطف حتى لو تزوج ضحيته.. الكويت تلغي قانونًا مثيرًا للجدل

03:50 م السبت 03 مايو 2025

الكويت

بي بي سي

في خطوة قال حقوقيون إنه طال انتظارها، أعلنت الكويت إلغاء مادة في قانون البلاد كانت تتيح لمرتكب جريمة خطف امرأة الإفلات من العقاب إذا ما تزوج من الضحية.

وأعلن مجلس الوزراء الكويتي موافقته على مشروع مرسوم بقانون يقضي بإلغاء المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي رقم 16/1960 والتي تنص على أنه "إذا تزوج الخاطف بمن خطفها زواجًا شرعيًا بإذن من وليها، وطلب الولي عدم عقاب الخاطف، لم يحكم عليه بعقوبة ما".

وقال وزير العدل الكويتي المستشار ناصر السميط، في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا)، إن القرار يأتي انطلاقًا من التزام الكويت بتعزيز حماية الحقوق والحريات وترسيخ مبادئ الكرامة الإنسانية المستمدة من الشريعة الإسلامية والتقيد بالمواثيق الدولية، وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ونقلت صحيفة "القبس" الكويتية عن السميط قوله، إن إلغاء المادة 182 من قانون الجزاء له أسباب عدة، أهمها أن لدينا فتوى من وزارة الشؤون الإسلامية بمخالفة المادة لأحكام الشريعة، كما أنها مخالفة للدستور أيضًا".

1_1_11zon

القرار "تأخر كثيرًا"

لطالما طالب ناشطون حقوقيون ومحامون كويتيون من الجنسين بإلغاء تلك المادة التي رأوا أنها ظالمة للضحايا.

"الخطوة تأخرت كثيرًا وكان ينبغي أن تتخذ لتصبح رادعًا لكل من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم"، هكذا أخبرتنا الناشطة الحقوقية الكويتية كريمة كرم، التي أضافت أنها تحدثت مرارًا في هذا الموضوع وقالت إنه "يجب على الخاطف أن يعاقب على عقوبة الخطف سواء تزوج بمن خطفها أم لا، لأن عدم معاقبته من الممكن أن تشجع آخرين على الخطف".

ويرى حقوقيون أن وصمة العار التي تحيط بضحايا الاختطاف أو الاغتصاب في مجتمعات محافظة مثل المجتمع الكويتي هي السبب في إبقاء مواد في القانون تسمح للجاني بالإفلات من العقاب، حيث كان يعد المشرعون أن في تلك المواد حماية للنساء والفتيات من الوصم ومن إمكانية تعرضهن للإيذاء أو القتل على يد الأهل.

وقالت المحامية الكويتية، شيخة الجليبي، لـ "بي بي سي عربي"، إنها تعتقد أن سبب التأخر في إلغاء المادة 182 "هو اعتقاد المشرع بعدم جاهزية المجتمع لقبول فكرة الإلغاء، خصوصًا أن المجتمع اعتبر الأمر به مساس بمبدأ الشرف".

أما هيفاء الموسى، رئيسة فريق مشروع "ورقتي" الإلكتروني لرفع الوعي القانوني للمرأة في الكويت وعضوة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية، فترى أن السبب هو أن "قضايا المرأة للأسف كانت لا تحظى بالاهتمام الكافي سابقًا من قِبل الجهات المعنية"، مضيفة أن المجتمع الكويت "يحتاج إلى الكثير من نشر الوعي فيما يخص أهمية دور المرأة في تحقيق الأمن الاجتماعي والتوازن بين أفراده".

"انتهاك صارخ لآدمية المرأة"

وردًا على فكرة أن المادة 182 من قانون الجزاء الكويتي كانت بمثابة "حل وسط" يضمن الحفاظ على سمعة الضحايا وعائلاتهن من التشهير، تقول المحامية شيخة الجليبي إنها "إهانة للمرأة، فالمرأة الضحية تعرضت للخطف الذي قد يؤدي إلى الاعتداء مرة واحدة، لكن بعد إجبارها على الزواج بحجة الحفاظ على الشرف، فإنها تتعرض للاعتداء يوميًا تحت ستار الزواج والحفاظ على الشرف".

أما الناشطة هيفاء الموسى، فترى أن المادة كانت "نموذجًا لانتهاك صارخ لآدمية المرأة باسم القانون وتحت حماية المجتمع وبمشاركته. فحين يقوم الخاطف بانتهاك حق المرأة في العيش بأمن وأمان ثم تجبر على الزواج منه، فكأنما تعَاقب الضحية لا الجاني ويعفى هو من العقوبة بموجب القانون. والمجتمع يبارك الجريمة بزف الضحية إلى جلادها".

وتتساءل مستنكرة: "أليس في هذه المادة ما يشجع على مزيد من الانتهاكات ضد النساء في هذا المجتمع؟"

وكثيرًا ما تحدث منتقدو فكرة تزويج الضحية من خاطفها أو مغتصبها عن استغلالها من قبل رجال يتقدمون لخطبة نساء فيرفض أولياء الأمور أو ترفض النساء أنفسهن، فيقرر هؤلاء الرجال خطفهن لإجبار الأهل على إتمام زواج مرفوض.

كما حدثتنا الموسى والجليبي عن حالات أجبر فيها أولياء الأمور بناتهن على الزواج من الخاطفين رغم رفضهن، لأن نص المادة 182 كان يتطلب موافقة الولي فقط وليس الفتاة.

تقول الجليبي: "الزواج شرعا يكون بموافقة الفتاة ووليها، أما النص فتطلب موافقة الولي فقط، وهو مخالفة صريحة لأحكام انعقاد العقد وفق الشريعة الإسلامية".

وتلفت الموسى إلى الآثار النفسية السيئة التي تتعرض لها "ضحايا هذه المادة من النساء" اللاتي "تصبح لديهن ذكريات أليمة تترسب في أعماق النفس الإنسانية ويستمر معها كابوس تعنيفها واختطافها مدى الحياة بزواجها من مجرم عوضًا عن عقابه. ويحتاج هؤلاء النساء إلى تأهيل ضمن برامج اجتماعية ونفسية وتربوية متخصصة كي يتمكنّ من العودة إلى الانخراط في المجتمع".

2_2_11zon

مزيد من الإصلاحات القانونية

يأتي إلغاء المادة 182 بعد سلسلة من التعديلات التي أدخلتها الكويت على قوانينها في مارس الماضي، والتي قالت السلطات الكويتية إنها تتماشى مع التزاماتها الدولية.

كان أبرز تلك التعديلات إلغاء المادة 153 من قانون الجزاء، والتي كانت تمنح للرجل عذرا مخففا للعقوبة عند ارتكابه جريمة قتل زوجته أو إحدى قريباته ضمن ما يعرف بـ"جرائم الشرف". كما تضمنت أيضا رفع سن الزواج إلى 18 عاما، وغير ذلك من التعديلات التي شملت محكمة الأسرة وقضايا العنف الأسري.

وترى الموسى أن هناك المزيد من القوانين الكويتية الذي يحتاج إلى إعادة النظر أو التفعيل فيما يتعلق بالأسرة والمرأة والطفل.

تشير الموسى، على سبيل المثال، إلى ضرورة "تفعيل مراكز مناهضة العنف الأسري الواردة في المادة رقم 8 من قانون الأسرة رقم 12 لسنة 2015"، التي تنص على أنه "ينشأ بكل محافظة مركز يلحق بمحكمة الأسرة، يتولى تسوية المنازعات الأسرية وحماية أفراد الأسرة من العنف والإيذاء الذي يقع من أحدهم على أفرادها الآخرين".

وبإلغاء المادة 182 من قانون الجزاء تكون الكويت قد انضمت إلى بلدان عربية أخرى ألغت قوانين تسمح بالعفو عن مرتكبي جرائم الخطف أو الاغتصاب إذا تزوج الجاني من الضحية.

من بين تلك الدول مصر التي ألغت في عام 1999 المادة رقم 291 من قانون العقوبات التي كانت تعفي المغتصب من العقوبة إذا تزوج الضحية، والمغرب الذي ألغى في عام 2014 بندًا من المادة 475 من قانون العقوبات كان يعفي مغتصبي أو خاطفي الفتيات القاصرات من الملاحقة القضائية إذا قبلوا بالزواج منهن، وتونس والأردن ولبنان التي ألغت مواد مشابهة في عام 2017، والبحرين التي اتخذت الخطوة ذاتها في عام 2023.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان