أكبر "مصنع للورق".. هل ينهي معاناة عقدين مع حرائق قش الأرز بالبحيرة ؟
البحيرة – أحمد نصرة:
في نهاية الألفية الماضية وتحديدًا بخريف عام 1999 كانت محافظات الوجه البحري على موعد مع ظاهرة جديدة وقت ذاك، تمثلت في السحابة السوداء، الناتجة عن حرق الفلاحين لقش الأرز بعد جمع المحصول، وعلى مدار 17 عامًا فشلت كل المحاولات التي بذلت والقوانين التي وضعت في إقناع المتسبب بالعدول عن هذا السلوك.
وكانت الحلول جميعها تعتمد على الصدام وتفتقرللناحية العملية بتوفير البديل المريح للتخلص من القش.
وقبل أيام قليلة اتجهت محافظة البحيرة في خطوة جديدة لإيجاد حلًا عمليًا للمشكلة يضرب أكثر من "عصفور بحجر واحد"، من خلال جذب استثمارات صينية ضخمة بقيمة 1.25 مليار جنيه، بالتعاون مع مؤسسة الأهرام، لإقامة أكبر مصنع ورق في الشرق الأوسط يعتمد في مواده الخام على تجميع قش الأرز من الفلاحين بدلاً من حرقه، فهل ستنجح هذه الخطوة في إنهاء معاناة اقتربت من العقدين مع حرائق قش؟.
قال محمد حسين – رئيس جمعية زراعية بمركز دمنهور: " بدأت مشكلة حرق قش الأرز مع بدء تخلي الفلاحين عن الأفران البلدي واستبدالها بأفران الغاز، فلم يعد الفلاح بحاجة لتخزين كميات القش لاستخدامها كوقود، وبدلًا من حرقها بكميات صغيرة داخل الأفران على مدار العام، أصبحت كل الكميات الناتجة عن المحصول تحرق في توقيت زمني واحد فظهرت المشكلة.
وأضاف: " الفلاح معذور، فعلى مدار الحكومات المتعاقبة لم يحاول أحد إيجاد آلية فعالة لجمع القش، فلا يجد أمامه سوى حرقه خاصة أنه يعد بيئة جاذبة للقوارض و الحشرات، وأيضاً فالاعتقاد السائد لدى الفلاح أنه الرماد الناتج عن الحرق يزيد من خصوبة الأرض".
ورغم إعلان محافظة البحيرة تحرير عدد كبير من المخالفات لحارقي قش الأرز، والاستعانة بالعديد من الوسائل التكنولوجية في الرصد و الاتصال، إلا أن كل هذه الجهود لم تنجح في إنهاء المشكلة.
قال الدكتور محمد سلطان، محافظ البحيرة: " إن عدد المحاضر التي تم تحريرها هذا العام لمخالفات حرق قش الأرز بلغت حتى الآن 1758 محضر من إجمالى المساحات التي تم حصادها والتي بلغت 159 ألف و 690 فدان بنسبة 96% من اجمالى المساحات المنزرعة البالغة 167 ألف فدان".
وأضاف المحافظ بأنه تم رصد وتحديد مواقع وعمليات حرق قش الأرز المخالفة من خلال الأقمار الصناعية بالإضافة إلى التنسيق والتواصل بين جهاز شئون البيئة، ورؤساء المدن، ومديرية الزراعة من خلال تفعيل خدمة (واتس أب ) في تحديد ومراقبة أماكن الحرق ورصد أماكن انبعاث الأدخنة.
قال سيد علي – تاجر: " معظم الفلاحين بيحرقوا القش بالليل، علشان عارفين إن الموظفين و اللجان مش هيمروا في الوقت ده، انا بأبقى ماشي على أي طريق زراعي ومش شايف قدامي وهتخنق من الدخان".
كذلك فشلت جهود وزارة البيئة في إظهار أثر ملموس في حل المشكلة، رغم إعلانها إمداد المزارعين بالمواد اللازمة مجاناً لعملية تدوير قش الأرز، وتحويله لكومات سمادية، أو كومات أعلاف، كما أعلنت دعم المتعهدين بجمع قش الأرز بنطاق المحافظة بمبلغ 50 جنيهاً للطن في حالة تجميع 300 طن فأكثر وذلك بالمواقع المحددة طبقاً للاشترطات، ولكنها جميعا إجراءات لم تترجم عملياً على أرض الواقع، ليتحول الأمل الأخير نحو هذا المصنع العملاق المزمع إنشاءه.
قال محمد عبد العظيم – فلاح: " إحنا مضطرين نحرق القش، أمال هنوديه فين، والكلام إلي بنسمعه من المسؤولين كله في الهوا، ماشفناش حد جه قالنا هاتوا القش إلي عندكم، رغم اننا مستعدين نديهوله ببلاش".
ويخشى الكثيرون ألا يكتب النجاح للمشروع ويذهب أدراج الرياح شأنه شأن مشروع آخر مماثل، أعلن عنه اللواء مصطفى هدهود، المحافظ السابق.
قال أيمن لطيف – أحد المهتمين بشؤون البيئة: "في عهد اللواء مصطفى هدهود، تقدم مستثمر سعودي بعرض لإنشاء مصنع لتصنيع لب الورق من قش الأرز على مساحة 100 فدان بالمنطقة الصناعية بمدينة رشيد، باستثمارات تبلغ نصف مليار جنيه ويوفر العديد من فرص العمل المباشرة والغير مباشرة، ولكن فجأة اختفى كل شيء".
ووضعت دراسة الجدوى للمشروع الحالي في اعتبارها عاملين أساسيين الأول يتعلق بالمادة الخام للتصنيع ممثلة في وجود كميات كافية من قش الأرز والثاني يتعلق بتسويق المنتج وهنا لا يمكن إغفال وجود مؤسسة الأهرام كشريك في المشروع بما تشكله في الوقت ذاته كأكبر جهة مستهلكة للأوراق في مصر من خلال مطابعها و إصداراتها الورقية.
قالت المهندسة نادية عبده، نائب محافظ البحيرة: "إن المنطقة الصناعية برشيد تتميز بقربها من الطريق الدولي الساحلي والبحر المتوسط مما يسهل عملية النقل والمواصلات ، كما ان مدينة رشيد بها العديد من الأيدي العاملة المدربة وتشهد تطوراً كبيراً فى تطوير البنيه التحتية والارتقاء بمرافقها ، بالإضافة الى أن محافظة البحيرة تزرع أكثر من 166 الف فدان من محصول الارز سنوياً تنتج اكثر من 500 ألف طن من قش الارز مما يضمن سد احتياجات المصنع من المواد الخام".
ويقام المصنع على مساحة 128 فدان وباستثمارات تبلغ مليار و250 مليون جنيهًا، ويوفر 350 فرصة عمل مباشرة بالإضافة الى أكثر من الف فرصة عمل غير مباشرة، غير أن بعض أهالي رشيد كان لهم رأي آخر غير متحمس للمشروع.
قال وليد صالح – محام: " الأرض المقرر إقامة المشروع عليها، هي منطقة صناعية كانت مخصصة لمشروعات شباب الخريجين، فلماذا أختيرت هذه الارض تحديداً لهذا المشروع، ليحرم الشباب من حقهم من اجل كبار المستثمرين، كذلك فمركز رشيد ليس أكبر مراكز المحافظة في زراعة الأرز".
في المقابل أيد عدد كبير من المواطنين خصوصاً قاطني المدن، المشروع آملين أن يسهم في حل مشكلة الأدخنة الناتجة عن حرق قش الأرز قال علي مطاوع – معلم: " بعد أن كان فصل الخريف أفضل فصول السنة مناخًا تحول إلى أسوأها بسبب المعاناة التي نراها وأطفالنا من حرق القش، والعديد من الأسر أصيب أبناؤها بحساسية الصدر جراء ذلك".
ووفقًا لدراسة الجدوى من المقرر أن ينتج المصنع 300 ألف طن من لب الورق و100 الف طن من الورق مما سيوفر عملة الصعبة والتى تقدر بمليار دولار سنويا قيمة استيراد الأوراق، كما أن المشروع صديق للبيئة وسيقضى على ظاهرة حرق قش الارز بالمحافظة والمحافظات المجاورة كما سيسهم فى رفع دخل مزارعي الأرز.
قال الدكتور أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، الشريك الأساسي للمستثمر الصيني، خلال حفل توقيع عقود إنشاء المصنع: "سنحاول الخروج بمشروع عملاق يرسخ ريادة مصر فى تلك الصناعة ويسهم فى تلبية الاحتياجات المحلية من الورق".
وتؤكد الشركة الصينية المنفذة للمشروع أنه سيكون وفقا لأحدث التقنيات التكنولوجيا باستخدام الموجات فوق الصوتية للحصول على أكبر استفادة ممكنة من قش الارز لاستخدامها فى صناعة الورق بالاضافة إلى التوسع السنوى الذى سيتم بالمصنع للوصول الى طاقة انتاجية تبلغ 10 مليون طن سنويا خلال 10 سنوات بالاضافة الى كونه مصنع صديق للبيئة وموفر للطاقة، فهل سينجح فعلاً في القضاء على ظاهرة آرقت المواطنين طويلًا و أثرت بالسلب على صحتهم.
فيديو قد يعجبك: