إعلان

"بيزنس حضّانات حديثي الولادة" ببني سويف.. موت وخراب ديار

04:41 م الأحد 14 يناير 2018

الحضّانات الخاصة

بني سويف ــ أحمد كامل:

تحول دور الحضّانات الخاصة التي أُنشئت لرعاية حديثي الولادة، الذين يعانون من مشاكل صحية عقب ولادتهم مباشرة، إلى "مافيا" لاستنزاف أموال الأهالي، وقتل أطفالهم، وتعددت الحالات بين وضع طفل في درج مستلزمات طبيّة، وتعرّض الكثير من الرضّع لانفجار بالرئة، وتعرّض غيرهم لحروق بجسدهم.

عثرت الجهات الرقابية على رضيع حديث الولادة متوفى ومحتجز داخل درج مكتب للمستلزمات الطبيّة لعدم قدرة أسرته دفع تكاليف علاجه بإحدى حضّانات الأطفال حديثي بمحافظة بني سويف، وأُغلق المركز الطبي الذي توجد به الحضّانة، وعرضت القضية على القضاء بنهاية أغسطس الماضي، ليُضبط محامي المركز، متلبسًا بتقديم رشوة إلى مدير العلاج الحر بمديرية الصحة نظير تغيير أقواله في القضية.

بيزنس المرض

لم تكن القضية الأولى وليست الأخيرة فيما يبدو إذ لم تتحسّن الخدمة الطبية في أي من تلك المراكز الطبيّة، وحضّاناتها، ولم تتنازل أي منها عن نهمها على أموال المرضى، وأهالي الأطفال حديثي الولادة، لتظل تجارة المرض قائمة "بيزنس" يُدر المزيد من الأرباح على رجال الأعمال، دون أخذ الجانب الإنساني في اعتبارها، هذا ما أكده عدد من أهالي بني سويف.

تنتشر المراكز الطبية والحضّانات الخاصة بمراكز المحافظة السبع، وتزداد بشكل ملحوظ بمدينة بني سويف نفسها، بينها من حصل على التراخيص والاشتراطات الطبية اللازمة، وبينها ما بدأ في ممارسة نشاطه دون الحصول على أية تراخيص، لكن أغلبهم اشترك في استنزاف أُسر الرُضّع دون مراعاة لأي بُعد إنساني أو أخلاقي، ولم يلتزم أي من هذه المراكز بالاشتراطات الطبية أو الصحية أو الخاصة بالمكان نفسه، أو حتى الالتزام بالصيانة الدورية للحضّانات، أو وجود طبيب أطفال متخصص بالحضّانة بشكل مستمر، إضافة إلى عدم الالتزام بأيٍ من اشتراطات مكافحة العدوى والنظافة.

انفجار بالرئة

روى الدكتور عبدالخالق طه، طبيب نساء وتوليد، ببني سويف، مأساة حفيدته صفية، ووفاتها بسبب انفجار في الرئة أثناء وضعها على جهاز التنفس الصناعي بحضّانة خاصة بمدينة بني سويف، لــ"مصراوي" نتيجة لإعطائها نسبة هواء وتنفس أعلى من قدرتها، والقدر المسموح به، قائلا:" ولدت حفيدتي صفية ولاحظت حاجتها للوضع على جهاز تنفس صناعي "سباب" وبالفعل توجهت بها إلى إحدى الحضّانات الخاصة بمدينة بني سويف رغم أن حالتها الصحية كانت جيّدة إلى حد ما، عقب ولادتها إلا أنها كانت تُعاني ضيقًا في التنفس، وأجريت لها الإشاعات والتحاليل اللازمة، وبعد يومين بدأت حالة الطفلة الصحية تتراجع يومًا عن الآخر.

وأسهب قائلًا "أجريت لها الإشاعات والتحاليل مرة أخرى، واكتشفنا وجود هواء في الصدر وهو ما يحدث بسبب انفجار في الرئة، والذي غالبا ما يكون سببه زيادة في ضغط الهواء عن الحد المسموح به لجهاز "السباب" والذي يكون ما بين 6 إلى 8 درجات، بعدها ركبوا لها أنبوب للتنفس، وللأسف خرج من مكانه لعدم خبرة ودراية من يعملون بتلك الحضّانة، وتم تركيب أنبوب آخر، بعدها ساءت حالة الطفلة، وحدث لها تسمم دموي، واضطررنا إلى نقلها إلى القاهرة، وأجرينا لها عدة جراحات انتهت بوفاتها".

وأشار الطبيب إلى أن أغلب تلك الحضّانات تمتلك أجهزة غير مضبوطة، وبها أعطال، أو أن من يعمل عليها لا يُجيد التعامل معها، أو عدم إجراء الصيانة الدورية المضبوطة، إضافًة إلى عدم تدريب ونقص الخبرة للممرضات والأطباء الذين يعملون بداخلها، وعدم وجود طبيب أطفال متخصص داخل الحضانة بصفة مستمرة، لافتًا إلى أنه أثناء وجود حفيدته في الحضّانة سمع عن وفاة رضيعان آخران وهما "ياسين" و"طارق" لحدوث انفجار في رئتيهما.

وقال الدكتور عبدالخالق، إنه تقدّم بشكوى إلى مديرية الصحة ونقابة الأطباء للتحقيق، فيما حدث بتلك الحضّانة خوفًا على صحة وحياة باقي الأطفال الذين يأتون عليها، وحماية لهم من تلك المهازل، مشيرًا إلى إنفاقه ما يقرب من 20 ألف جنيه بالحضانة بينها 6 آلاف للعلاج و14 ألف للحضّانة نفسها، بالإضافة إلى إنفاق ما يقرب من 40 ألف جنيه في عمليات وعلاج عقب نقل حفيدته إلى القاهرة جرّاء ما حدث لها بالحضّانة، مطالبا بضرورة تدخل ومراقبة مديرية الصحة، ونقابة الأطباء بشكل أفضل، حماية لصحة وحياة الأطفال.

فوق كل ما سبق، لم تكتف خزينة الحضّانة بما نهبت من أموال، فاتصلت بأسرة الطفلة "صفية" لتطلب المزيد، إذ تلقت والدة الطفلة مكالمة تليفونية من إدارة الحضّانة المالية تطالبها بسداد ألفي جنيه "باقي مستحقات حجز الطفلة المتوفية" كأن شيئًا لم يكن.

مأساة مريم

مريم.. مأساة أخرى وقعت بحضّانة مركز طبي بمدينة بني سويف، لمولودة بمركز ببا جنوبي المحافظة، إذ توفيت الطفلة بعد ساعات قليلة من حجزها بالحضّانة، وأخفى المسؤولون خبر الوفاة عن أسرتها، ليجلبوا الأموال.

وقال عبدالفتاح شحاتة، والد مريم، إن ابنته ولدت في الشهر السابع من الحمل، وكانت تعاني عدة مشاكل مع التنفس، وتوجهّت بها إلى حضّانة خاصة بمدينة بني سويف، بواسطة سيارة إسعاف، ودفعت 3 آلاف جنيه كتأمين، مع دخولنا إلى الحضّانة، ووضعت الطفلة على جهاز التنفس، وتركتها مغادرًا إلى عملي على أمل تحسنها، وبعد ساعات تلقيت اتصال هاتفي من مجهول يخبرني بأن الطفلة توفيت، وأنهم يضعوها على الجهاز فقط للحصول على المال.

وتابع "شحاتة" "توجهت مسرعًا إلى الحضّانة، ولم أجد حتى طبيب أطفال بالحضّانة لأطمئن على ابنتي، وطلبت رؤية ابنتي إلا أنهم رفضوا، وبعد 4 ساعات من المناقشات والمحاولات نجحت في الصعود، بعد أن تواصلت مع أحد أقاربي الذي تواصل مع قيادات بمديرية الصحة، ووصلت إحدى الطبيبات من المديرية، ودخلنا سويًا لرؤية الطفلة، لنفاجأ بوفاتها، رغم إصرارهم على النفي، وتأكيدهم أن الطفلة على قيد الحياة، وتستجيب لجهاز التنفس".

وأضاف والد "مريم" أنه فُزع من الفاجعة، فكيف لملائكة الرحمة أن يتعاملون بهذا المنطق، وكيف لهم أن يتركوا طفلة متوفية نظير الحصول على الأموال؟ دخلت معهم في مشادات حتى حصلت على جثة طفلتي، ورفضت الخروج دون حصولي على التأمين الذي دفعته بالكامل، وحصلت عليه بعد أن اتصلت بصاحب الحضّانة.

وتابع والد الطفلة "في البداية رفضوا إعطائي جثة الطفلة قبل خصم مبلغ حجزها يومًا داخل الحضانة من التأمين الذي دفعته مسبقًا، إلا أنني أبلغتهم بأنني سأتقدم بشكوى ضدهم وتحرير محضر في قسم الشرطة والنيابة، وهو ما دفعهم إلى تسليمي جثة نجلتي، ولم أتقدم بعد ذلك بأي محاضر خوفًا على جثمان نجلتي من التشريح حسبما سمعت، بالإضافة إلى مطالبة أسرتي لي بإحضار جثة الطفلة لدفنها".

احتراق الرضّع

لم تتوقف المصائب هنا، بل إن الإهمال في الكثير من الحالات يؤدي إلى تعرّض الأطفال لخطر الحرق، إذ كشفت التحقيقات أن والدة طفلة أودعتها بحضّانة مستشفى خاص بمدينة بني سويف، على جهاز تدفئة "سيرفو" إلا أن وجود الجهاز دون طبيب متخصص جواره، والاكتفاء بممرضة غير مدربة تسبب في تعرّض الطفلة للحرق، خاصة أن الجهاز غير مؤهل للفصل الأوتوماتيكي.

التحايل على القانون

وقال مصدر طبي، رفض ذكر اسمه، لــ"مصراوي" إن بعض أصحاب المراكز الطبيّة الخاصة وبينها الحضّانات يتحايلون على القانون بعد إغلاق منشآتهم الطبيّة من خلال إنشائها مرة أخرى، في مكان آخر، باسم جديد، لكن بنفس الأجهزة والأطقم الطبيّة ونفس الإدارة.

وأضاف "هناك نقص شديد في الحضّانات الحكومية بالمحافظة، فهي لا تتوفر سوى في بعض المستشفيات الحكومية والمستشفى الجامعي، ولا تكفي بأي حال من الأحوال الأعداد المتزايدة للمواليد، ما دفع عدد من الأطباء ورجال الأعمال إلى إنشاء حضّانات لسد العجز في أعدادها، والحصول على الأموال، حتى وصل سعر الليلة الواحدة في بعض الحضّانات إلى 1000 جنيه، رغم عدم التزام الاشتراطات الطبية ومكافحة العدوى وعدم وجود أطباء متخصصين بصفة دائمة.

وأوضح المصدر أن إحدى الحضّانات التي عثرت إحدى الجهات الرقابية بداخلها على رضيع متوفى، ومحتجز داخل درج مكتب للمستلزمات الطبيّة، صدر قرار بإغلاقها، ومازالت القضية متداولة بأروقة القضاء، إلا أن أصحاب هذه الحضّانة عادوا مرة أخرى، وافتتحوا حضّانة باسم جديد، بمكان آخر، ويزاولون نشاطهم الآن بشكل طبيعي.

رد "الصحة"

من جانبه قال الدكتور عبد الناصر حميدة، وكيل وزارة الصحة ببني سويف، في تصريحات لـ"مصراوي" إن هناك لجانا وحملات مُكثّفة تشنها إدارة العلاج الحر، لرصد أي مخالفات داخل المراكز الطبيّة الخاصة، ومن بينها الحضّانات، بالإضافة إلى التحقيق في أي شكوى ترد إلى المديرية من تلك المراكز، ويصدر بشأن المخالفين منهم قرارات إغلاق سريعة بعد اتخاذ الإجراءات المُتبعة، لافتًا إلى أن أي شكوى سواء مكتوبة أو شفهية ترد إلى المديرية يتم التحقيق فيها، واتخاذ الإجراء المناسب ضدها في حال ثبوت صحة الشكوى.

وأشار "حميدة" إلى أن إغلاق عدد كبير من المنشآت الطبيّة الخاصة العام الماضي، إذ وصلت قرارات الإغلاق منذ بداية عام 2017 وحتى الآن حوالي 857 قرارًا بينها 18 قرار إغلاق لمراكز حضّانات خاصة، وفي عام 2016 أغلق ما يقرب من 1486 منشأة طبيّة خاصة بينها 6 مراكز حضّانات، ما يدل على أن المديرية أبدت اهتمامًا كبيرًا خلال عام 2017 بمتابعة الحضّانات وإغلاق المخالف منها.

وأضاف: "جرى تشغيل 30 حضّانة تنفس صناعي "فينت وسباب" بالمستشفى العام لرفع العبء عن أهالي محافظة بني سويف ليصل إجمالي الحضّانات بالمستشفى إلى 60 حضّانة ليرتفع عدد الحضّانات بالمحافظة إلى 157 حضّانة تابعة لمستشفيات مديرية الصحة، بينهم 17 تحت الإصلاح أو الاحتياطي، إضافة إلى ما يقرب من 102 حضّانة بمستشفى خاص، يجري متابعتها بواسطة إدارة العلاج الحُر بمديرية الصحة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان