آخر غرابلي في دمنهور: مهنتنا تنقرض زي "الطرابيش"
البحيرة – أحمد نصرة :
داخل محل ضيّق، بمبنى قديم ومتهالك، في سوق البندر العتيق بدمنهور، يقف "حسن" وسط أكوام وصفوف طويلة متراصّة من المناخل والغرابيل، متمسكًا ومدافعًا بقوة عن مهنته التي ورثها أبًا عن جد، رافضًا التفريط فيها أو تركها تلحق بركاب مهن عديدة أخرى اندثرت، وباتت جزءًا من الماضي.
ورغم حمله مؤهلًا عاليًا لم يُفكر "حسن" آخر "غرابلي" بمدينة دمنهور، في البحث عن مصدر رزق آخر، مع تراجع العائد من هذه المهنة، وكساد تجارتها كنتيجة طبيعية للتغير في أنماط المعيشة والحياة الاجتماعية.
"مهنتنا عاملة زي مهنة الطرابيش في سبيلها للانقراض، الشارع ده كان بيفرش فيه جنبي أعمامي وأولادهم، وعلى أوله محل والدي، ومافاضلش غيري دلوقتي محتفظ بالمهنة دي إللي ورثتها أبًا عن جد وماعنديش استعداد أسيبها أو أفرّط فيها".. خرجت هذه الكلمات حزينة من فهم الحاج "حسن" وهو يشرح لـ"مصراوي" حاله، وما وصلت إليه مهنة أجداده، التي عملوا بها وتوارثوها قبل قرنين من الزمان.
ويُحدد "حسن" السبب في تراجع المهنة قائلًا: "الفلاح بقى كسول بياكل من بره وبيشتري العيش من المخابز، قبل كده كان كل بيت عنده الفرن بتاعه والست بتخبز العيش والمخبوزات كلها بنفسها".
"زمان كان الموسم الرئيسي بتاعنا في أواخر شهر رمضان قبل العيد الصغير، الستات كانت بتيجي تشتري المناخل والأدوات المختلفة لزوم عمل الكحك والحلويات، دلوقتي أغلب الناس بقوا بيستسهلوا ويشتروا من بره جاهز، ونسبة قليلة هي اللي لسه محافظة على العادات دي وبتعمل المخبوزات بنفسها" يسترجع حسن ذكريات الماضي وفترات ازدهار مهنته"
وعن مهنته قال "حسن": "أساس مهنتنا هي المنخل والغربال، المنخل يصنع من الحرير للدقيق أو من السلك للحبوب، وسعره 10 جنيهات أما الغربال فيصنع من السلك أو الجلد، والجلد أفضل لأنه يعيش أطول ولا يتعرّض للصدأ أو تأكله الفئران، إلا أنه أغلى نظرًا للطلب على الجلود في صناعات أخرى كالأحذية، فيصل ثمنه إلى 100 جنيها، بينما السلك 20 جنيها، وتختلف العيون أو حجم الفتحات باختلاف الغرض المستخدم فيه الغربال سواء الكسكسي أو المخروطة وغيرها من الاستخدامات المختلفة".
إلى جوار المنخل والغربال يبيع "حسن" بعض الأدوات المتعلقة بصنع المخبوزات مثل السريع والنشابة لفرد العجين، والمطرحة التي تستخدم لإدخال العجين للفرن، كما اضطر للعمل في بعض الصناعات اليدوية الأخرى كالمقشات السمر، والحصير، والسبت الخوص، وبعض المنتجات الخشبية، ليستطيع البقاء والاستمرار بعدما أصبح من الصعب الاعتماد على المنخل والغربال وحدهما".
"المواد الخام بقت غالية وتضاعف علينا مرات، والبيع تراجع كتير وأديني بحاول أقاوم علشان أجيب مصاريف المحل والعمالة، بدأت أشتغل في حاجات تانية جنب المناخل والغرابيل، بس برده هتفضل هي الأساس، وعمري ما هتخلى عنها لو حتى مادخلتليش قرش صاغ واحد" هكذا أوضح عم حسن، الصعاب التي يواجهها في مهنته مؤكدًا تصميمه على الحفاظ على بقائها.
فيديو قد يعجبك: