"شيشة وأكلة سمك في المقابر".. كيف غيرت الحروب مظاهر الاحتفال بالعيد بالسويس؟
السويس - حسام الدين أحمد:
تتفرد مدن القناة بشكل عام، ومحافظة السويس بشكل خاص، بمسيرة تاريخية حافلة تأثرت كثيرًا بحرب يونيو 67، وحرب الاستنزاف والتهجير وحصار المدينة، وأخيرًا بحرب أكتوبر المجيدة، وساهمت تلك الحروب بشكل نسبي في العادات والتقاليد المتبعة في الأعياد وطرق الاحتفال بها.
وقبل الحروب التي شهدتها السويس في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت سكان المدينة يمثلون مجتمعًا مغلقًا، يحتفظون بعادات راسخة في الاحتفال بالأعياد خاصة عيد الفطر.
مجتمع مغلق
وبعد التجهير الجبري الذي تعرضوا له في يناير 1968، وتوزيعهم على مختلف مدن وضواحي المحروسة اكتسب أهالي السويس عادات جديدة، وبعد انتهاء الحرب وعودة المهجرين في مايو 1974 استقطبت السويس عشرات الآلاف من الوافدين من إقليم الدلتا والصعيد، وساهمت التركيبة السكانية الجديدة في تغير ملامح الاحتفال.
"كنا بنقضي يوم الوقفة في تجهيز مستلزمات وطعام رحلة أول يوم العيد".. تتحدث ماجدة الطنبولي موظفة بالمعاش، وابنة إحدى العائلات السويسية عن مظاهر احتفال أهل السويس بالعيد قبل يونيو 67 وتقول إن السوايسة كانوا يؤدون صلاة العيد في الأحواش والأماكن الخالية أمام المساجد، ولم يعرفون حتى ذلك الوقت فكرة ساحات الصلاة.
وتحكي أن الأسر كانت مقيمة بحيي الأربعين والسويس كانت تتجه إلى الروض القديم، وهي المقابر القديمة في السويس بحي الأربعين، والتي تضم رفات شهداء معركة "كفر أحمد عبده" 1951 وتعد اقدم مقابر بالمحافظة.
وعن تفاصيل أول يوم عيد تقول الطنبولي: "يبدأ اليوم بقراءة الفاتحة والدعاء لأقاربنا المتوفين وأموات المسلمين ثم نفترش الأرض، ونضم ما جهزته الأمهات من أسماك مملحة وفسيخ، أعدوه في المنزل" وتضيف أن الرجال كانوا يحرصون على جلب الشيشة التي هجروها في رمضان.
ملاهي في القبور
وتحكي "الطنبولي" أنها عايشت تلك المظاهر الاحتفالية حين كانت في المرحلة الثانوية، وكانت بعض الأسر تقضي الأيام الثلاثة في الروض، وساهم ذلك في استقطاب كل مظاهر الاحتفال، حتى أن سوق العيد الذي يجد فيه الأطفال ضالتهم ويمرحوا كان متاخم للقبور.
"كانت الشرطة تستاء من ذلك الأمر نظرًا لقدسية المقابر، فترسل الهجانة لدفع الناس لمغادرة المكان".. تتحدث عن رد الفعل من الدولة تجاه هذه العادة، وتوضح أن ذلك لم يمنع السوايسة بل استمرت طريقة الاحتفال حتى آخر عيد فطر عام 1386 هجريًا والذي تزامن مع شهر يناير عام 1967، بينما قضى السوايسة العيد اللاحق مشتتين في مدن وضواحي مصر بعد قرار التهجير.
المغتربين
وتكشف عن أن الفنانين والمشاهير كانوا يلجؤون في ذلك الوقت إلى السويس لقضاء عطله العيد، وتشير ماجدة إلى أنها كانت تشاهد الفنانين الراحلين عماد حمدي، وأحمد رمزي في منطقة الكبانون المطلة على خليج السويس والتي كانت "بلاج" وكان الأول حمدي المولود في السويس محبًا للصيد وكان يحضر كل فترة نهاية الأسبوع لممارسة هوايته.
وتغير مجتمع السويس بعد عودة الأهالي من الهجرة، فاختفت تلك العادة بعد عام 1974 وحلت أماكن الجنينة الفرنساوي، ومشاية بورتوفيق مكان الروض. "طرق احتفال السوايسة بالعيد تغيرت وتأثر أبناء المدينة بالمغترين".. تفسر سبب ذلك التغيير، لافتة إلى أن عدد كبير من العائلات فضلت البقاء في المحافظات التي توجهوا إليها في التجهير خاصة الغربية والإسكندرية والقاهرة.
أول عيد بعد الحرب
عن تلك الفترة التي أعقبت حرب أكتوبر يحكي "كمال الدين مكي" 58 سنة، موظف في شركة النصر للبترول: "في الهجرة كنا في جزيرة بدران بشبرا، ولما رجعنا السويس كان عندي 13 سنة، وفي أول عيد صلينا في مسجد الأربعين" واستطرد أن السويس لم تشهد ساحات الصلاة المفتوحة حتى ذلك الوقت لأن عدد السكان لم يتجاوز 50 ألف على أقصى تقدير في عام 74.
ويضيف عقب الصلاة توجه مع أسرته إلى الحديقة الفرنساوي ببورتوفيق، وهى الحديقة المطلة على المجرى الملاحي للقناة وأقامها الفرنسيين بعد حفر القناة لتكون متنزه وسط فيلات المرشدين الملاحيين وكبار موظفي الهيئة الأجانب.
"كان السوايسة يتناولون السمك المملح في أول أيام العيد، ولم تكن الرنجة والأسماك المملحة منتشرة، أمي زي بقية الستات في السويس كانت تشتري قبل رمضان بأيام أسماك السردين البلدي والسهلية والدوبارة وتملحها بعد تسويتها على البخار، وفي ليلة العيد تجهزها لتناولها في غداء أول يوم".. يحكي مكي عن الإفطار الذي كانت تعده أمه.
أتوبيس باب 9 وحنطور
أما عن برنامج الاحتفال والتنزه فيقول إنه كان يبدأ بعد تناول الغداء، فيتحرك الأطفال والشباب سيرًا على الاقدام إلى كورنيش القناة ببورتوفيق، يشاهدوا السفن التجارية المارة بالمجرى الملاحي الذي حفره أجدادهم.
"كانت فسحتنا وكنا نصطاد سمك من القنال وفي آخر اليوم نرجع راكبين الأتوبيس من أمام باب 9 بميناء بورتوفيق".. بحسب مكي لم تعرف السويس في حقبة السبعينيات الميكروباصات أو سيارات التاكسي الفردي بل كانت التاكسيات تحمل بعدد الركاب وفي خطوط محددة، والأتوبيسات كانت وسيلة الانتقال الرئيسية. "كانت تذكرة الأتوبيس بـ5 مليمات، وكان في عربيات الحنطور وكان ليها موقف بحي الأربعين أمام الروض القديم".
15 جنيها عيدية
"العيد زمان كان ليه طعم وطقوس وبهجة فقدناها بمرور الوقت".. هكذا بدأ "إسماعيل عبده" 33 سنة مدير شركة سياحة حديثة عن ذكرياته مع العيد قبل 20 عامًا، ويقول إن في ذلك الوقت بدأت تنتشر ساحات الصلاة في المناطق المفتوحة بالمحافظة، وبعد أداء صلاة العيد يتزاور الأقارب بينما كان يحصل هو على عيديته ويبدأ برنامجه الخاص.
كانت عيديه إسماعيل 15 جنيهًا، يحصل عليها من والده ووالدته وشقيقة الأكبر، وكانت بحسب قوله مبلغ كبير وتزيد في قيمتها عن 150 جنيهًا في الوقت الحالي، ويقول إنه كان يتوجه مع أصحابه إلى الملاهي، بعد سداد 50 قرشًا قيمة الدخول.
بعد التنزه واللعب وتناول الغداء يذهب مع أصحاب إلى سوق العيد، بمكانه الذي استقر فيه بعد حرب أكتوبر بجوار سوق الأنصاري، وكان السوق حدثًا بالنسبة للسويس، خاصة أن المحافظة لا تضم مناطق ترفيهية للأطفال ولا تشهد إقامة موالد لأولياء الله الصالحين مثل المتبع في محافظات الدلتا والصعيد.
يتذكر مدير شركة السياحة كيف كان يجد ضالته هو وأصحابه في سوق العيد، فمنهم من يشتري لعبة ومن يفضل ممارسة لعبة البندقية والمدفع، وثالث يشاهد عروض الساحر أو الأراجوز.
ومع تطور المدينة عمرانيا وإعادة تخطيطها جغرافيًا عقب الحرب أكتوبر، ردمت مساحة كبيرة من جونة السويس، وأسس الكورنيش الجديد فكان متنزهًا مفتوحًا للعائلات، لكن ما حوته ذاكرة من عايشوا طعم الأعياد بعد الحرب يدفعهم للحنين إلى تلك الأيام، ويرون أنها أفضل من مظاهر الاحتفال اليوم رغم بساطتها وقلة الإنفاق على الفسح، لكنها في نظرهم أفضل من الترفيه الذي يعيشه الشباب اليوم.
فيديو قد يعجبك: