إعلان

"شكرا يا صاحبي".. تفاصيل 20 ساعة تبرع فيها "محمود" بكبده لصديقه "عبدالله" (صور)

07:00 ص الإثنين 18 مارس 2019

الإسكندرية – محمد البدري:

للإنسانية صور عديدة، ومن بينها تلك التضحيات التي تحدث بين أشخاص لا تربطهم صلة سوى الصداقة، لتكون بمثابة ميثاق أخوة كفيل بتقديم التضحيات دون تردد أو انتظار أي مقابل، فهي تضحية فقط من أجل إنقاذ حياة إنسان.

في الإسكندرية جسد تلك المعاني "عبدالله أبو المجد" و"محمود عبدالله" الصديقان في عمر الشباب، إذ كان يعاني الأول من خطر صحي كبير جراء إصابته بمرض وراثي أضر بوظائف الكبد، ليجد صديقه حاضرًا للمساعدة خاصة مع فشل إمكانية وجود متبرع مناسب من أفراد أسرته وفقًا لنتائج الفحوصات الطبية.

بداية القصة

البداية كانت بمنشور كتبه "عبدالله أبو المجد"، 24 سنة، طالب في كلية العلوم جامعة الإسكندرية، على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" مصحوبًا بصورة تجمعه مع صديقه، داخل مستشفى المواساة الجامعي بالإسكندرية، كتب فيه: "صور ما قبل أوضة الحجز وتجهيز العمليات مع صديقي العزيز محمود، حقيقي أنا مهما عملت مش هوفي 1% من اللي عملته معايا. ومهما اتكلمت وقولت مش هعرف أعبر عن امتناني الشديد جدًا لوجودك يا صديقي"، "صديقي، اللي أي يوم بعد النهاردة هكون عايشه، هيكون بسببه، صديقي اللي هيضحي بأكتر من 60% من كبده عشاني".

كانت تلك بعض من الكلمات التي نشرها الصديق الذي أصابه المرض في محاولة للتعبير عن امتنانه بما فعله صديقه المتبرع بفص من كبده لإنقاذ حياته، قبل لحظات من دخول غرفة العمليات والتي أبدى إصراره على نشرها ليعلمها جميع من يعرفوهما في حالة إذا لم تكتب لأحدهما النجاة من الجراحة الدقيقة.

بعد أيام من إجراء الجراحة التي تكللت بالنجاح خرج "محمود" - الصديق المتبرع - إلى غرفة خاصة في مستشفى المواساة التابع لجامعة الإسكندرية المتخصصة في جراحات زراعة الكبد، فيما نُقل صديقه – المتبرع له – إلى غرفة عزل بوحدة العناية المركزة لاستكمال الرعاية الطبية بعد نقل فص الكبد إلى جسده الذي بدأ أولى خطواته في طور التعافي.

(مصراوي) هناك

"مصراوي" زار الصديق المتبرع "محمود" داخل غرفته بمستشفى المواساة، ليروي جانبًا من حكايتهما التي باتت حديث صفحات التواصل الاجتماعي كأيقونة جديدة على الوفاء بين الأصدقاء.

عبدالله مرض فجأة في شهر يوليو الماضي، ولم يكن يعرف حقيقة ما به وبعد أشهر من الفحوصات الطبية اكتشف إصابته بمرض وراثي نادر أصاب الكبد، وأكد الأطباء أن العلاج الوحيد هو زرع كبد، لتبدأ بعدها رحلة الصديق العليل في البحث عن متبرع بين أفراد أسرته، إلا أن نتائج الفحوصات جاءت محبطة فلم يكن أي من أفراد العائلة مؤهلًا للتبرع.

كل ذلك كان يحدث ولم تخطر بعد الفكرة في ذهن "محمود" أنه سيكون الملاذ الأخير لإنقاذ صديقه - كما يقول - مبينًا أنه كان يستكمل إجراءات خاصة بأداء الخدمة العسكرية في الوقت الذي كان يبحث فيه "عبدالله" عن متبرع بين أفراد عائلته، وعندما علم "محمود" أن عليه الذهاب لمعرفة موقفه التجنيد، قرر زيارة صديقه قبل رحيله بيوم واحد للاطمئنان على حالته ليعلم أنه لم يجد أحدًا حتى قرر التبرع لصديقه على أمل أن يحصل على تأجيل في التجنيد.

بعد مرور هذا اليوم اجتمع الصديقان مرة أخرى ليخطر عبدالله صديقه محمود أن جميع محاولات البحث عن متبرع في العائلة فشلت، ليؤكد الأخير من جانبه استعداده للتبرع بجزء من كبده لإنقاذ صديقه الذي اشترط موافقة أسرة محمود قبل إقدامه على تلك الخطوة.

يتابع محمود: "أخبرت أسرتي بنيتي على التبرع لصديقي لإنقاذ حياته ولم يمانعوا بعد إصراري على الأمر بشرط التأكد من سلامته الصحية وأهليته للتبرع، وتواصلنا مع الجهات الطبية لمعرفة الإجراءات الخاصة بإتمام الجراحة، وكانوا بجانبي طوال فترة التأهيل وكانوا يعاملوننا كأننا شقيقين وليس مجرد أصحاب".

وعن معرفته بصديقه أوضح أنهما زملاء دراسة من سنوات الجامعة، وترابطت علاقتهما خلال الفترة التي كان يعاني فيها عبدالله من مشكلات صحية دون معرفة أسبابها الرئيسية، حتى بدأت الزيارات تتزايد بينهما للاطمئنان على صحة زميله، مشيرًا إلى أن عبدالله طموح ونشيط ومحبوب من كل زملائه و"أتمنى له العودة إلى حياته الطبيعية بشكل أفضل مما مضى".

18 طبيبا

قال الدكتور أحمد الجندي، منسق وحدة زراعة الكبد بمستشفى المواساة الجامعي، والمشرف على الجراحة، إن عملية التبرع استغرقت 8 ساعات وعملية نقل الكبد إلى جسد عبدالله استغرقت 12 ساعة، وشارك في إجراء الجراحة 18 طبيبًا منهم 9 جراحين و6 أطباء تخدير وطبيبين آشعة و3 أطباء معامل بالإضافة طاقم كبير من التمريض لمتابعة حالة المرضى بالكامل خلال إتمام الجراحة.

وأضاف الجندي لـ"مصراوي": "العملية كلها قائمة على وجود متبرع، وتلك المشكلة كانت تواجه عبدالله إذ لم يجد متبرع في أفراد أسرته لأسباب منها عدم تطابق الفصيلة وعامل السن وبعض المشكلات صحية، إلى أن فوجئنا بعودته بصحبة صديقه محمود وإخبارهم بنية الأخير في التبرع، واصفًا إياها بالمفاجئة إذ تعد المرة الأولى من نوعها بالنسبة لهم أن يتبرع طالب لصديقه في الجامعة بفص من الكبد، ليعيد إليه الأمل بعد أن كان باب الزرع مغلقا".

وتابع: "كانت الآشعة والفحوصات مقبولة في ما عدا تغيير خلقي في أحد الأوردة المغذية لفصوص الكبد إذ كان لديه وريد زائد يسمى طبيًا (ثلاثي التفريع) وهو يمثل مشكلة تقنية لضمان فصل الفصين مع الحفاظ على كليهما، ليتم على إثرها إجراء اجتماع علمي برئاسة الدكتور محمد فتحي عبدالغفار أستاذ الكبد بجامعة عين شمس، لتباحث حول الأمر لبيان قبول أو رفض الحالة، وكان الصديقين في انتظار نتيجة الاجتماع".

وتابع: "تم إخطار الصديقين بنتيجة الاجتماع وبعض ما قد يواجهانه فيه، ووافق المتبرع على إجراء الخطوة بعد التأكد من إمكانية إجراء الجراحة"، متابعًا: "أهم شيئ بالنسبة للأطباء ضمان أمان المتبرع خاصة وأنه إنسان معافى ينوي فعل خير".

الجامعة

وبدوره قال الدكتور شادي فؤاد أبو النجا، مدير مستشفى المواساة الجامعي، إن جامعة الإسكندرية تحملت تكاليف الجراحة بالكامل والتي تجاوزت 310 آلاف جنيه، مشيرًا إلى أن حالة المتبرع بدأت في التحسن وأن وظائفه الحيوية تعمل بصورة طبيعية، فيما ستستغرق الحالة بين 3 أشهر إلى عام لنمو الكبد وهو العضو الوحيد الذي ينمو مرة أخرى في جسم الإنسان.

وأوضح "أبو النجا" أن حالة المتبرع إليه مستقرة ولاتزال قيد الملاحظة، ونقل إلى غرفة عزل لضمان حمايته من أي مضاعفات مع ضعف جهازه المناعي في تلك الفترة، خاصة مع نقل عضو جديد إلى جسده وهو ما يجد صعوبة في البداية للتأقلم مع الجهاز المناعي، مبينًا أن مستشفى المواساة الذي جرت فيه الجراحة يعد الوحيد الحكومي الجامعي المتخصص في زراعة الكبد لخدمة الإسكندرية والبحيرة ومطروح، وهو يقدم خدماته سواء بمقابل مادي أو بالمجان لغير القادرين وفقًا للبرنامج الرئاسي الخاص بقوائم الانتظار.

"أنت أفضل صديق"

لم يتسن لـ"مصراوي" مقابلة "عبدالله" الصديق الذي جرى التبرع له، بسبب التعليمات الطبية بعدم الاختلاط حفاظًا على صحته، إلا أن ما كتبه على حسابه الشخصي قبل ساعات من إجراء الجراحة عكس ما يشعر به تجاه ما حدث وجاء فيه: "صديقي محمود اللي كان ولازال وسيظل نعم الأخ ونعم الصديق، صديقي اللي كان موجود في الصعب قبل السهل، في المرض قبل العافية، صديقي اللي ماكتفاش بالتشجيع والمواساة في أحلك المواقف، بل كان موجود في كل تدخل طبي مريت بيه، صديقي اللي داخل معايا عملية جراحية، تعتبر من أعقد وأطول العمليات الجراحية الطبية".

واختتم عبدالله أبو المجد رسالة امتنانه لصديقه قائلًا: "الأعمار بيد الله يا محمود، لكن قبل ما ندخل الأوضة دي، وقبل ما يبدأو كل حاجة، أنا لازم اعترفلك أنت أفضل صديق ممكن حد يبقي صديقه، شكرًا ليك يا صاحبي و يطلعنا منها على خير، وخليك على يقين أن يومًا ما هخليك فخور باللي عملته ده".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان