أبراج الحمام.. "غية" باب رزق وزينة للناظرين
البحيرة – أحمد نصرة:
ما من مسافر على أحد الطرق الزراعية إلا وتسرق أنظاره هذه القطع "الديكورية" المتناثرة فوق بساط من الخضرة، فلا يصرف بصره عنها سوى خروجها من مجال رؤيته، ليسارع بملاحقة أخرى بدأت تلوح أمامه، أما الأوفر حظًا فهو من تتيح له ظروفه الاقتراب منها على قدميه ليستمتع بتأملها على مهل ومراقبة سكانها يحومون حولها بحركتهم الدؤوبة.
بنايات مخروطية من الطين زينت أجسادها ثقوب دائرية تراصت في تناغم، بنمط معماري شبه متطابق، جعل من أبراج الحمام سمة مميزة للريف المصري وأحد أهم الرموز البصرية والذهنية المرتبطة به.
"ورثنا المهنة دي عن جدود جدودنا" بهذه الكلمات القليلة بدأ الشاب محمد عاطف من مدينة الدلنجات، بمحافظة البحيرة، حديثه معبرًا عن نشأته في عائلة يعمل جميع أفرادها في بناء أبراج الحمام، وتشكل هذه المهنة مصدر رزقهم الأساسي.
ويوضح محمد، سبب بناء معظم أبراج الحمام بالشكل المخروطي أو "المبرجل" كما يطلقون عليه في الريف: "الأفضل للبرج أن يكون مبرجلا أو مدورا؛ لأن ذلك يجعل البناء أقوى وأوفر، بعض الزبائن يطلبون أن يكون البرج مربعا، لكن بناءه بهذه الطريقة أصعب، ويحتاج إلى صنايعي ماهر، ويتطلب فخارا أكتر بنسبة 20% تقريبًا".
ويكمل محمد "المواد الخام المستخدمة في البناء هي الطين و التبن، ويتم خلطهما ليكونا بمثابة الأسمنت والرمل في البنايات العادية، وهناك أيضًا القواديس الفخار، والخشب".
ويستطرد محمد:" الفخار أو القواديس يستخدمها الحمام في معيشته داخل البرج، وبعضها يستخدم في عمل فتحات التهوية والدخول والخروج للحمام، أما الرفارف أو المناشر الخشب، فالحمام يستخدمها في الوقوف عليها لالتقاط أنفاسه عند عودته للبرج، أو للعب عليها".
"يمكن بناء البرج بارتفاعات مختلفة تبدأ من 3 متر وتصل إلى 14 متر، وأقل برج يتكلف بناءه 4 آلاف جنيه قيمة الفخار والنقل والبناء، بخلاف الطين والتبن والخشب التي يوفرها الفلاح".
ويفسر محمد سبب وجود بعض الأبراج باللون الأبيض: "البعض يطلب طلاء البرج بالجبس والأسمنت الأبيض، ويساعد ذلك في إطالة عمر البناء وعكس أشعة الشمس وخفض درجة الحرارة داخل البرج في فصل الصيف، ولكن الغالبية يفضلون تركه بلونه الطبيعي تجنبًا للحسد، وحتى لا يتمكن الأغراب من رؤية الحمام بوضوح عند وقوفه على المناشر، ويكتبون أيضًا بعض العبارات الدينية للوقاية من العين".
"عدد الحمام في البرج يحدده مساحة الأرض وعدد القواديس الفخار الموجودة، كل زوج حمام يحتاج 3 قواديس واحدة للمعيشة وأخرى للبيض وثالثة للصغار حديثي الفقس، والبرج الصغير ارتفاع 3 أمتار يمكنه استيعاب 40 زوج حمام "يوضح محمد القدرة الاستيعابية لكل برج.
ويبين محمد الفارق بين العنبر والبرج بين قائلًا: "الأول يغلق على الحمام ويتكفل صاحبه برعايته وغذائه طوال تواجده، أما الثاني فيكون مفتوحًا أمام الحمام الذي ينطلق ليتغذى بنفسه وتقتصر الرعاية على النظافة ووضع الماء وبذلك تكون نفقاته وجهده أقل وهامش ربح دورة التربية أعلى".
ويشرح محمد كيف يقضي الحمام يومه: "ينطلق الحمام في الصباح الباكر بحثًا عن الغذاء، ويعود فترة الظهيرة ليستريح ويرقد على البيض، قبل أن ينطلق ثانية وقت العصر ويعود للمبيت قبل غروب الشمس" وأحيانًا يجتذب البرج حمامًا غريبًا غادر أماكنه السابقة التي كان يعيش فيها، بسبب قلة النظافة والرعاية، أو بسبب شعوره بالخوف وعدم تأمين المكان من البوم والجوارح وغيرها من الأعداء الطبيعيين للحمام".
ويختتم محمد حديثه: "تربية الحمام باب رزق جيد لأصحابه، بخلاف اتخاذ الكثيرين له كهواية، ونفذت طلبات كثيرة لبناء أبراج خارج البحيرة في أغلب محافظات الجمهورية وبخاصة من كفر الشيخ، الفيوم، الإسماعيلية، الأقصر، أسوان".
فيديو قد يعجبك: