التحرش.. صداع في رأس مصر
تقرير- محمد الأسواني وحسن الهتهوتي ومحمد مهدي:
يبدو أن رياح التغيير التي تشهدها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 لم تُغير ذئاب البشر ليتخلصوا من قذاراتهم وعاداتهم القبيحة التي يطلون بها كل فترة ليقتلون بها أحلام وأفراح آخرين، فما شهدته مصر خلال الأيام الماضية من حفلات جماعية للتحرش في شوارع العاصمة، كانت مرآة عكست واقع مؤلم يعيشه المجتمع المصري، لتعيش بنات مصر تحت رحمة البلطجية.
محاضر بالجملة!
وقد تمكنت أجهزة الأمن تحرير أكثر من 134 محضرًا تعدى على أنثى بالطريق العام خلال أيام العيد، حيث تمكنت مباحث الآداب من ضبط حالات تحرش بمناطق حديقة الحيوان وكورنيش النيل وشارع جامعة الدول العربية وحديقة الأورمان وعدد من الميادين العامة، أثناء الاحتفالات بأيام عيد الفطر.
وشهدت المناطق الأثرية وجوداً أمنياً مكثفاً تحسباً لوقوع أي حالات تحرش، خصوصًا في ظل وجود الشباب والفتيات بأعداد كبيرة على مدار اليوم، ورغم ذلك فقد وقعت عدة حالات تحرش، وتم ضبط المتهمين فيها.
من جانبه، قالت الدكتورة منال زكريا، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، أن ظاهرة التحرش يعود سببها إلى عاملين أساسيين وهما شخصية المتحرش، والسلوك المنحرف، وبالنسبة لشخصيته، قد يكون الدافع هو رغبته في إثبات ذاته بطريقة غير سوية في التصرف مع الآخرين، وقد يكون السبب هو محاولة إقامة علاقة جنسية مع الطرف الثاني، ويحاول رؤية مدى رغبته في ذلك.
ورفضت القول بأن من يقوم بهذه الأفعال مريض نفسياً، مؤكدة أنه سلوك انحرافي مثل السرقة والكذب، وتفكير من شخص غير سوي لا يراعي حرمة الآخرين، لافتة أيضاً إلى معتقد آخر خاطئ لدى البعض بشأن القول أن التحرش مرتبط بأماكن ومناطق معينة ، وهذا غير صحيح، فالتحرش من الممكن أن يقوم به الغني أو الفقير، أو المقيم بمنطقة عشوائية أو راقية، على حد قولها.
شخصية الفتاة
وأشارت إلى أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى التحرش، هو ضعف شخصية الضحية، فالجاني يكون واثقاً بأن المجني عليه لن يتخذ أي شيء ضده في حال التحرش به، وهذا نابع عن المعتقد السائد والنظرة إلى المرأة على أنها شخص ضعيف، ولذا يحدث التحرش في وسائل المواصلات أو الأماكن العامة أو العمل.
وأضافت ''أستاذ علم النفس'' أن الحل هو أن يكون هناك قوانين رادعة لمعاقبة أي فرد يقوم بهذا الشيء، وأن تُعمم فكرة كاميرات المراقبة في الأماكن العامة والشوارع، كما حدث في وسط القاهرة، مما يُسهل الوصول إلى مرتكب هذه الجريمة.
وتابعت، ولابد من الاهتمام بالبعد الثقافي والتوعية، سواء للفتاة أو الشاب من خلال برامج توعية، وألا تخجل الفتاة في القول بأنها تعرضت للتحرش، وأن تكون قوية ضد الاتهامات بأن السبب في ملابسها، ومطالبات أسرتها بجلوسها في المنزل، فالملابس لا تفرق كثيراً، فهناك محجبات يتم التحرش بهن، ولكن الفارق هنا يكون في شخصية الفتاة، فإذا شعر المُتحرش بأن شخصيتها قوية لن يتعرض لها أبداً.
البرامج الاباحية والتحرش
وطالبت الدكتورة منال زكريا، بضرورة التصدي لعرض الصور والبرامج الإباحية في البرامج التلفزيونية، قائلاً ''نريد برامج محترمة، فاعتياد رؤية المشاهد ينتج عنه الرغبة في ممارستها، نريد إعلام واعي يُراعي المبادئ الدينية والأخلاقية، ويراعي ضميره فيما يُبث.
وعن علاقة التحرش بتأخر سن الزواج، قالت: لا علاقة بين تأخر سن الزواج والتحرش، فلو كان ذلك لكانت الفتيات هن من تحرشن بالشباب فتأخر سن الزواج بالنسبة لهن أكثر بكثير، ولكن المشكلة تكمن في انعدام القدوة.
وقال المستشار رفعت السيد، رئيس نادي قضاة أسيوط السابق، أن التحرش الجنسي ظاهرة ليست وليدة اليوم، ولكنها تحدث على استحياء على فترات متباعدة، ومرتكبيها من الأشخاص الذين تربوا في بيئة غير سوية، أو الوعظ الديني بالنسبة لهم غير موجود.
الجريمة والعقاب
وأضاف ''السيد'' لوحظ بعد الثورة أن حالة الانفلات الامني أدت إلى انتشار الرذيلة، بالإضافة إلى استغلال الفرصة من قبل رواد الجريمة، والتحرش هو عبارة عن اعتداء على رجل أو امرأة في موقع العفة منه، بالمساس به سواء كان بالقوة أو بغير القوة، وهو ما يُعد بمثابة هتك عرض، وإذا كان بالقوة فهذا يُعرضه للعقوبة الجنائية وقد تعرضه للحبس المشدد من 3سنوات إلى7سنوات، وإذا كان من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ 16سنة، كانت العقوبة بالسجن المشدد الذي قد يصل لـ15سنة، أما إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو المتولين تربيته أو من لهم سلطة عليه فقد تصل العقوبة إلى السجن المؤبد، وإذا كان هتك العرض لمن لم يبلغ الـ18 عاماً بغير قوة، فإنه يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن3سنوات.
الخوف من الفضيحة
وعن إمكانية تغليظ عقوبة التحرش من أجل التخلص من تلك الظاهرة، قال: هذه العقوبة رادعة لكن المشكلة تكمن في خوف الضحية من ''الفضيحة''، وبذلك لا تُبلغ بذلك ويفلت الجناة من العقاب، وإذا تم ضبط الواقعة في حالة تلبس، فإنها في الغالب تُنكر، ووقتها لا يُمكن اتخاذ أي إجراء قانوني ضد الجاني.
وبالنسبة تقدير القضاء للعقوبة قال: تختلف من واقعة لأخرى، فالتحرش بفتاة خليعة يختلف عن التحرش بفتاة بوسيلة مواصلات أو بمحل عملها أو بالطريق العام، والقاضي لديه الرخصة في تقدير العقوبة وفقاُ للمادة 17 من قانون العقوبات الخاص بجرائم الشرف.
يغتصب ابنة أخيه!
أما عن فترة عمله في القضاء وأهم القضايا التي عاصرها، أشار أنها كانت مواقعة بين شخص وابنة أخيه التي كانت تُقيم معه في المنزل، وكانت تنام معه في نفس الغرفة وأغواه الشيطان وهي لم تمتنع، وعندما علم بحملها، تخلص منها بالتعاون مع والدها، دون أن يُخبره بأنه من فعل ذلك، وكان حكمي وقتها بالسجن المؤبد له، و7سنوات لوالدها..
التوعية الدينية
وتابع: الحل للحد من هذه الظاهرة، هو التوعية الدينية، ويكون هناك تدريس للقيم العليا وبثها في نفوس المجتمع المصري وتلتزم الفتيات بمظهرهن ولا يكن عاملاً للطمع فيهن، وهي ظاهرة تحتاج لأجيال لكي تتلاشى، لكن الوقاية خير من العلاج.
فيديو قد يعجبك: