أبناء ''أرض الفيروز'' يبحثون عن التنمية بأيديهم.. ''والسيناوية مش مجرمين''
كتبت - علياء أبوشهبة:
يعتبرون أنفسهم معزولين.. يقولون عن أنهم عندما يتحدثوا فهم يحدثون أنفسهم ويتكلمون بلغة لا يفهمها أبناء الوادي.. هم أبناء ''أرض الفيروز'' سيناء التي كلم الله نبيه موسي علي جبلها، الذين يحملون بداخلهم الكثير من الشكاوي والهموم التي تخفي شعورا بالظلم، ورغبة قوية في التأكيد علي مصريتهم وانتمائهم الذي لا يقبل أي تشكيك، ولكنه يشوبه الكثير من التشويه.
''مصراوي'' التقت عدد من أبناء سيناء لتستمع إليهم عن قرب؛ ''مصطفي الأطرش'' - أحد النشطاء الذين استخدم التدوين كوسيلة للتعبير عن أفكاره - وهو من أبناء ''الشيخ زويد'' وبالتحديد قبيلة ''الترابين''، وهو معني بشئون الأسرى المصريين في سجون إسرائيل .
يقول ''الأطرش'' أن أهالي سيناء فاض بهم الكيل كما يقولون؛ فرغم الدور البطولي الذي لعبه أبنائها - علي حد قوله - إلا أنهم لحق بهم وصم التخوين طوال سنوات حكم مبارك، وجاءت الثورة لتحرك بداخلهم الأمل والذي سرعان ما قتله المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية، ولم يختلف الوضع كثيرا في عهد الرئيس محمد مرسي، وخاصة مع تعميم النظر إليهم من منطلق أنهم إرهابيين ويخطفون السائحين.
أن تمكين بدو سيناء من تملك الأراضي وليس منحهم حق الانتفاع يعد المطلب الأساسي لهم، ويري ''الأطرش'' أن بنود القانون يمكن أن تحمل مواد تحفظ للدولة حقها بوضع نص يمنعهم من إعادة بيع الأراضي للأجانب.
مازالت سيناء تحوي كنوز لم تكتشف بعد هذه هي الحقيقة التي يؤكدها مصطفي الأطرش، قائلا:'' إن مساحة 240 كيلومتر من الأراضي المطلة علي شاطئ طويل لم تستغل بعد؛ حيث يمكن أن يتم استثمارها في مشروعات سياحية علاوة علي ما بها من ثروة سمكية، وكلها مشاريع تساهم في توفير فرص عمل لأهالي سيناء الذين يعانون البطالة ولا يجدون من يستمع إلي شكواهم''.
ليس هذا فقط بل مازال أبناء سيناء وفقا لما يقول ''الأطرش'' بعيدون كل البعد عن خريطة التنمية المجتمعية، وكأنهم ليسوا أبناء هذا البلد؛ فالحصول علي خدمات المرافق مثل الكهرباء والماء يعتبر حلم لا يتحقق للكثيرين، وتحرم منه قري بأكملها، كما أن الطرق تفتقد إلي الصيانة.
لم يعد مصطفي يحزن من تجاهل تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور لأهالي سيناء في تشكيلها الأول والثاني، وكل ما يتمناه أن تضعهم في الاعتبار.
'' 12 كيلومتر هي المسافة التي كثيرا ما يجد الطالب السيناوي نفسه مضطرا أن يمشيها حتي يصل إلي مدرسته، ولذلك فالتعليم هو المطلب الأول لأهالي ''أرض الفيروز'' حتي يتمكنوا من تنمية أراضيهم بأيديهم''.. هذا هو ما أكده أيمن محسن المدون والصحفي وابن قرية ''الشيخ زويد''، والتي يقول عنها أنها ''سلة فاكهة مصر''؛ فهي الأرض التي تزرع الخوخ و''الكنتالوب'' الذي نتفاخر به ونصدره للخارج، وليس ''البانجو'' هو النبات الوحيد الذي تزرعه.
أيمن لم يردعه الأمن الذي طارده وألقي القبض عليه بسبب مدونته، واستغل مهاراته الإعلامية بحكم دراسته، وقام بتأسيس قناة علي موقع ''يوتيوب'' تحت عنوان ''قناة سيناء الآن''، لينقل من خلالها الواقع كما هو، بسلبياته وإيجابياته راحة، علي حد قوله، واستخدم كاميراته ليسجل بها المشهد الثوري في سيناء.
''القنبلة الموقوتة'' هذا هو اسم الفيلم الوثائقي القصير الذي أعده ''أيمن محسن'' عن معاناة أهل سيناء والتضييق الأمنى فيما قبل الثورة، وأثر ذلك فى أن تكون الثورة فى ''رفح والشيخ زويد'' مسلحة وليست سلمية كما كانت فى باقى الجمهورية، فهو كما يقول لا يتفق مع كل ما قام برصده ولكنه مهتم برصد الواقع كما هو.
وبابتسامة تذكر أيمن الجملة التي غناها المطرب جمعة غنام في أغنية ''عشان لازم نكون مع بعض'' وقال: ''حتي ولو كلمة واحدة يكفي أن هذا العمل تذكرنا، في حين أننا صدمنا من التشويه الذي طالنا بأبشع الاتهامات والتشنيع في فيلم ''المصلحة'' والذي لم يكلف صناعه أنفسهم بالنزول إلي أرض الواقع لمعايشته، و أتعجب من إنتاجه بعد الثورة''.
الحاجة ''فرحانية''.. سيدة مسنة تخطت سنوات عمرها الـ80 عاما، عاصرت الكثير من الأحداث التي يشيب لها الجبين، تناست كل مخاوفها وبذلت ما في وسعها لتدافع عن أرض الأجداد حتي أنها فجرت قطارا لذخيرة العدو الإسرائيلي، وكانت لها اليد البيضاء في كثير من العمليات الفدائية والتي أخفت تفاصيلها حتي عن المقربين لها''.. حكاية الشيخة ''فرحانة'' التي أقعدها المرض وتحلم بزيارة بيت الله الحرام، رواها سعيد اعتيق - الناشط السيناوي وأحد قادة ثورة يناير في الشيخ زويد - وهو ابن المناضل المرحوم اعتيق حسان (أبو العبد) الأسير السابق في سجون إسرائيل لمدة 7 سنوات.
''سعيد'' من قرية شبانة التابعة لمدينة الشيخ زويد ''قبيلة السواركة''، ويري أن النظام الحالي تحركه نفس العقلية الأمنية التي تتعامل علي أساس القمع والعنف مع أهالي سيناء، ولا تحاول تفهم طبيعتهم القبلية؛ فسجن النساء عار لا يمحيه سوي القتل وسب الوالدين وبالأخص الأم جريمة لا سبيلها الوحيد القصاص، و بالتالي فالأسلوب الأمني القديم غير صالح في هذه البيئة، ويتعجب كيف أن الجنود اليهود وموظفي الأمم المتحدة يدرسون جيدا طباع أهالي سيناء وعاداتهم ولديهم دليل للتعامل معهم بينما يغفل أهل بلدهم الطريقة المثلي للتواصل معهم.
ويقول سعيد ''أن سر كل قبيلة في شيخها فهم يعيشون في مجتمع تحكمه القبلية، وشبابه الآن يسعون لإرساء فكرة الانتخاب في اختيار شيخ القبيلة، كما يوضح أن النظام الحالي جاء بقيادات إخوانية في المحافظة والمجلس المحلي، وهم شخصيات مع وافر الاحترام والتقدير لا يملكون مفاتيح التعامل مع أهالي سيناء''.
''التعليم ثم التعليم ثم التعليم هذا هو أقصي ما نطمح إليه؛ فنحن لا نجد لنا موقعا علي الخريطة المصرية ونحلم بتطوير أراضينا بأيدينا لا بأيدي المستثمرين الغرباء''.. هذا هو ما قاله ''سعيد'' الذي يدعوا جميع المصريين لزيارتهم لرؤية الواقع كما هو وليس من خلال روايات شخصيات أمنية وجهات إعلامية تفتقد إلي النزاهة والشفافية، علي حد قوله .
ويتمني أن تنقل هذه القوافل علم وحرفة وربما نصيحة أو حتي رسم بسيط يساعدهم علي تنمية ''أرض الفيروز'' التي مازالوا محرومين من تملكها، ومازالوا يتعرضوا للتشويه حتي هذه اللحظة، وزاد حادث رفح من الطين بلة ليستمر التنكيل بالأبرياء ويبقي المجرمين طلقاء.
فيديو قد يعجبك: