''المغارة''.. قرية منسية في بطن جبال سيناء
كتب – سارة عرفة وسامي مجدي:
''عايز ابقى ظابط.. عشان اقبض على تجار المخدرات والمهربين''، هكذا قال سليم سليمان صاحب الأربعة عشر عاما الذي يدرس في الصف الثاني الإعدادي بمدرسة المغارة للتعليم الأساسي، تلك المدرسة الواقعة في قرية المغارة التابعة لمدينة العريش بشمال سيناء. لكن هل إمكانيات القرية التعليمية والمعيشية والاقتصادية ستساعد سليم على تحقيق حلمه.
تقع قرية المغارة، الواقعة في زمام قبيلة "الترابين" الشهيرة في سيناء، على بعد أكثر من 120 كيلو متر من مدينة العريش، وتحيطها الجبال من كل جانب، ويقطنها نحو 800 نسمة يعتمدون أساسا على رعي الأغنام في معيشتهم. القرية بعض بيوتها من الطوب الأحمر والأسمنت، وتلك بيوت على شكل شقق سكنية من غرفتين بنتها الدولة وملكتها للأهالي بقسط شهري خمسة عشر جنيها على ثلاثين عاما، وهناك ''عشش'' من الصفيح وزعف النخيل وجزوع الأشجار مترامية على أطراف القرية وسط الصحراء الممتدة على مدد البصر.
معاناة المدرسين
تشمل القرية على مدرسة للتعليم الأساسي فقط (الابتدائي والاعدادي) ويدرس بها نحو 110 تلميذا وتلميذة، إلا أن المأساة تكمن كما قال محمد السيد، أحد المدرسين، في صعوبة الوصول إلى المدرسة بالنسبة للمدرسين وللتلاميذ أيضا. فلا مواصلات تنقلهم من حيث يقيمون سواء في العريش أو غيرها إلى ''تلك البقعة النائية'' الواقعة بها المدرسة، كما أن التلاميذ يقطعون مسافات طويلة تتراوح بين خمسة حتى اثنى عشر كيلو مترا سيرا على الأقدام للوصول إلى المدرسة ومثلهم عند العودة لبيوتهم.
وأوضح السيد أن أجرة السيارة ''التاكسي'' التي تقله هو وزميلين له من العريش إلى المدرسة 140 جنيه ذهابا ومثلهم إيابا، إن ورضي السائق أن ''يأتي إلى هذا المكان خوفا من قطاع الطرق''.
مديرية التربية والتعليم بالعريش، من جانبها، وفرت أتوبيس يقل المدرسين إلى المدرسة إلا أن محطته الأخيرة في الحسنة التي تبعد أكثر من 35 كيلو متر عن قرية المغارة، مما يضطرهم إلى قطعها على الأقدام اللهم إلا رزقوا بأحد الأهالي يقلهم بسيارته.
كما أن المدرسين في هذه المناطق يعملون 17 يوما فقط في الشهر فيها أيام الجمع والاجازات الرسمية، ويقضون 13 يوما آخرين في بيوتهم، هذا من شروط التعاقد، والرواتب للمدرس حديث التعاقد تبلغ نحو 1300 جنيه شهريا.
رغم أن المدرسة بها استراحة للمدرسين المغتربين، إلا أن منظرها كان مزريا وبها سريران مراتبهما ممزقة ولا توجد أية وسائل أخرى للمعيشة، ما يجعل المدرسين يقطعون تلك المسافة يوميا ذهابا وإيابا. يقول أحد المدرسين الذي لا يتحمل مشقة السفر يوميا ويضطر للمبيت في المدرسة ''التعاقد مع المدرسين في تلك المناطق النائية يشمل الإقامة، إلا أنه في الحقيقة لا توجد إقامة من أي نوع... فالمكان غير آدمي بالمرة''.
كان الخوف مسيطرا على المدرسين أثناء حديثهم معنا، كانوا يريدون الحديث عما يعانونه من أهالي القرية من البدو، تحدث بعضهم عن تعامل أهالي التلاميذ معهم وكيف أنهم لا يستطيعون السيطرة على التلاميذ خوفا من انتقام أهاليهم. وحكى بعضهم كيف أنه تم التنكيل بمدرس مسيحي وتكبيله وجرجرته خارج المدرسة بعد أن ضرب تلميذ سب المسيحيين.
اشتكى المدرسون أيضا تدني مستوى التلاميذ وعدم تعاون الأهالي معهم، هذا بجانب سوء حالة الحمامات وعدم وجود ''كانتين'' ومياه نظيفة للشرب في المدرسة.
بعض التلاميذ اشتكوا من المدرسين وكيف أنهم يجعلونهم ينظفون الحمامات والفصول والحوش، حيث لا يوجد ''فراش'' بها. وكان في حوش المدرسة حفرة عميقة تستخدم للصرف الصحي وغير مغطاة، والحمامات رائحتها تزكم الأنوف.
وحدة صحية بلا أطباء
رغم أن القرية تبدو وكأنها تعيش في العصور الوسطى إلا أن الوحدة الصحية بها مجهزة بأحدث التجهيزات الطبية، من أجهزة وأسرة وأثاث، لكن للأسف لايوجد بها لا أطباء ولا ممرضين.
كانت الوحدة حينما وصلنا القرية مغلقة فجاء أحد الأطفال يدعى حسين بالمفتاح من بيت مجاور لها، وفتح الباب وكان التراب منتشرا في كل شبر بالمكان، وسجلات التطعيم والمرضى ملقاة على الأرض ومبعثرة على المكاتب والعناكب وأعشاش الطيور تسكن الشبابيك، ولوحات حملات التطعيم، وجرائد منذ عام 2004.
هذا بالإضافة إلى أجهزة وأدوات طبية لم تستعمل أبدا، مثل كرسي الأسنان أو سرير الولادة الذي كساه التراب.
كتابات كثيرة وجدناها على الجدران الوحدة الصحية ويبدو أنها لممرضات أو عاملات فيها، كن يحضرن في بعض الأيام ولم يجدن دفاتر الحضور والانصراف فاضطررن للكتابة على الجدران موعد الحضور وموعد الانصراف.
يقول الشيخ مسلم عريف، مؤسس منظمة ''درع سيناء 26''، إن آخر طبيب جاء إلى الوحدة كان من سنة 2009، من وقتها أغلقت الوحدة واعتمد الأهالي على علاج ابناءهم بالأعشاب.
وأضاف عريف، الذي كان دليلنا، أنهم تقدموا بشكاوى عديدة لمديرية الصحة بالعريش إلا أن ''لا حياة لمن ينادي''، وأن الأحزاب السياسية لا تعرف شيئا عن تلك المنطقة وما يكابده أهاليها.
حكى لنا أحد الأهالي ويدعى عايش موسى (25 سنة) أن أحد أطفال القرية لدغه عقرب، ولما لم يكن هناك طبيبا في الوحدة الصحية لم يستطع الطفل الصمود حتى نقله إلى اقرب مستشفى وفارق الحياة، مشيرا إلى تكرار هذه الحادثة مره أخرى عندما فوجئ بابنته الصغرى وقد لدغها هي الأخرى عقرب، فأسرع بها إلى أقرب وحدة صحية في قرية ''بغداد'' والتي تبعد عن المغارة نحو 45 كيلو مترا، ولم يجدوا بها المصل فاتجهوا إلى العريش خوفا من تكرار نفس السيناريو السابق.
لم تكن تلك هي الحالة التي استمعنا إليها بل هي من ضمن حالات كثيرة حكاها أهالي المغارة، وأغلبها عن ''لدغات'' من عقارب أو ثعابين، حتى أن الشيخ مسلم عريف اضطر إلى تحصين أطفاله ''زياد وفيروز وعمار'' بخلطة بدوية توضع على لبن الطفل وهو رضيع.
الإدارة الصحية في العريش، لم تنفي ما رأيناه بأعيننا، بل أكدته – على لسان أحد مسؤوليها الذي طلب عدم كتابة اسمه- وعللت ذلك بعدم رضا الأطباء حديثي التخرج العمل في تلك المناطق لعدة أسباب أهمها عدم الأمان وتدني الأجور وبعد المسافة وعدم وجود أي وسائل للحياة في القرية، حيث لا انترنت ولا شبكة اتصالات. (التقطت هواتفنا ونحن هناك شبكة اتصالات إسرائيلية).
قرية بلا مياه
من ضمن مشاكل القرية الرئيسية الأخرى، المياه، حيث لا مياه للشرب رغم أن هناك شبكة للتحلية، إلا أن الأهالي وأطفالهم يستخدمونها في الغسيل والاستحمام في أحواضها، حتى بدت وكأنها مصرف لري الزراعات لا لإطفاء ظمأ الأهالي.
هناك الآبار إلا أنها قليلة، وهم يرجعون ذلك إلى التكلفة العالية للبئر الواحد والتي تصل إلى نحو 200 ألف جنيه، من حفر وتركيب مواسير وخلافه.
اصطحبنا دليلنا إلى مكان به سد عال يسمى ''سد الكرم''، أنشئ في عام 1990، بتكلفة 3.4 مليون جنيه بأسعار ذلك الوقت، ''لحماية منطقة المغارة من مياه الأمطار والسيول''، وتخزينها لاستخدامها في الزراعة على مدى العام، إلا أن الجفاف كان سيد الموقف هناك حيث لا ماء مخزنة ولا زرع ولا غيره.
كثير من الأهالي اشتكوا من عدم اهتمام الدولة بهم ومن سوء الخدمات أو انعدامها، حتى أنهم أرونا عدة حجرات مهجورة ومهدمة وقال إنها ''المجلس المحلي'' للقرية، وكان حاله يندى له الجبين، كذلك المسجد الذي يحتاج ككل بيوت القرية إلى ترميم. هؤلاء الأهالي لديهم أمل في الحياة وفي أن ينظر إليهم أحدا من المسؤولين على أنهم مواطنين ''مثلهم مثل أهل وادي النيل''، على حد قولهم.
فيديو قد يعجبك: