تحقيق- ما الذي جرى عند المنصة؟
كتبت – سارة عرفة وسامي مجدي:
عشرات يحملون كراتين وأكياس بها أدوية يهرولون بها باتجاه مكان معين، هرولت ورائهم.. هذا بيتادين وهذه كذا وهذا كذا.. وصلوا ووصلنا معهم إلى الباب الرئيسي للمستشفى الميداني برابعة العدوية التي تحتل إحدى قاعات الاجتماعات الملحقة بالمسجد الشهير بمدينة نصر، شرق القاهرة.
أمام الباب أكوام من الأدوية التي تحتاج إلى رص وتصنيف. مجموعة من الشباب على ما يبدوا أن أغلبهم جامعيون ملتحون وقفوا على الباب لتفتيش الداخل. الإعلام الغربي يجد سهولة في التعامل إضافة إلى مراسلي قناة الجزيرة ووكالة أنباء الأناضول... أما الأعلام المصري من قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية رسمية وغير رسمية فتجد صعوبة حتى في دخول الاعتصام، فضلا عن الاعتداءات التي تطال المراسلين والمصورين كما جرى مع الزميلة جيهان نصر مصورة صحيفة الشروق.
في منتصف المستشفى الميداني وقف طبيب يرتدي زيا أخضر، كزي غرفة العمليات، يدعى الدكتور عبد العزيز، يوجه هذا ويرد على ذاك. لم يكن بالمستشفى غير عدد قليل من مصابين، بعضهم - كما قال أحد أعضاء فريق المركز الإعلامي - من المصابين في أحداث سابقة وآخرين جاءوا يسألون عن علاج للصداع والمغص وغير ذلك من الأمراض العادية.
رفض الدكتور عبد العزيز الحديث إلينا، وقال كل الكلام من أرقام للضحايا (وصفوهم بالشهداء) ونوعية الإصابات، سيقال في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في الخامسة مساء السبت وتحدث فيه المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين أحمد عارف وطالب فيه بفتح تحقيق دولي في الإحداث ودان من أسماهم ''قادة الانقلاب''، ووصفهم ب''المجرمين'' وحملهم مسؤولية الأحداث.
مع الإلحاح قال الدكتور عبد العزيز إن أعداد الضحايا عندهم (عصر السبت) لا تتجاوز الـ25 ''شهيدا''، والصحة قالت إن لديها 20 آخرين. قلنا له أن الصحة رفعت العدد إلى 38، وما تقوله أنت والصحة مخالق لما يقوله جهاد الحداد على تويتر. كان الحداد قد قال إن أعداد ''الشهداء'' وصل إلى 120 وآلاف الجرحى والمصابين.
تلعثم الطبيب قليلا ثم قال ''يبقى العدد كله هيوصل 100''.
وحتى الآن وأعلنت وزارة الصحة عن ارتفاع عدد قتلى الأحداث إلى 72 شخصا، إضافة إلى 292 مصابا، وتوزع المصابون والقتلى على مستشفيات الدمرداش والحسين الجامعي والتأمين الصحي بمدينة نصر.
كميات الأدوية كانت كبيرة، وبعضها جاء في سيارات نقل وأخرى ملاكي، حتى أن القائمين على المستشفى الميداني والاعتصام كانوا يرفضون التبرعات العينية ويطلبون التبرعات المالية.
وكان هناك مكان يبعد عن المستشفى الميداني باتجاه طيبة مول من الخلف، به آثار دماء، وحينما سألنا ما هذه الدماء قيل لنا إنها ''دماء الشهداء''، وقالت شاهدة عيان إن جميع جثث الضحايا تم تجميعها في هذا المكان قبل أن تنقلها سيارات الإسعاف.
روايتان داخل الاعتصام
تعددت الروايات حول ما جرى؛ فداخل الاعتصام يتداول كثيرون روايتين للأحداث وأسبابها، الأولى كما رواها أكثر من شخص وأكدها بعض من التقيناهم في مستشفى الدمرداش خلال تبرعهم بالدم للمصابين، تقول إن المعتصمين ضاق بهم المكان نتيجة زيادة الأعداد في جمعة ما سمي بـ''أسقاط الانقلاب'' أو ''جمعة الفرقان''، فاتجهوا لتوسعته من ناحية نادي السكة حيث الطريق واسع وعريض عند النصب المنصة التي اُغتيل فيها الرئيس الراحل أنور السادات على أيدي الجماعة الإسلامية التي هي أحد الأعضاء الفاعلين في التحالف الوطني من أجل الشرعية وإسقاط الانقلاب.
الرواية الثانية وهي الأكثر رواجا بين المعتصمين هي أن المعتصمين نظموا مسيرة باتجاه كوبري أكتوبر وكانت بحسب تأكيدها ''سلمية''، فهجمت عليهم قوات الأمن ومن أطلقوا عليهم ''بلطجية''، فقتلوا منهم من قتل وأصابوا من أصيب.
جانب آخر من القصة
على الجانب الآخر هناك رواية أخرى؛ فوزارة الداخلية أكدت في مؤتمرها الصحفي إنصار الرئيس السابق حاولوا نقل اعتصامهم وغلق كوبري أكتوبر، فجرت اشتباكات بينهم وبين أهالي منطقة امتداد رمسيس فتدخلت الشرطة لفص الاشتباكات، مؤكدة إن ضباطها وجنودها لم يستخدموا سوى قنابل الغاز المسيل للدموع.
رواية الداخلية عززتها روايات أخرى لشهود عيان، منهم النائب البرلماني السابق في مجلس الشعب المنحل زياد العليمي وعضو اتحاد شباب الثورة، الذي كتب على حسابه على فيسبوك يقول إنه فوجئ أثناء سيره في طريق الاوتوستراد امتداد طريق النصر بنحو 50 شخصا من الإسلاميين يقطعون الطريق ويقذفون المارة والسيارات بالحجارة.
وأضاف العليمي أنه سمع دوي طلقات الرصاص، وشاهد عشرات الأهالي يفرون خوفا من هجوم أنصار مرسي؟
الثابت على الأرض إن هناك حواجز من بلاط الرصيف (ثلاثة حواجز) أقامها أنصار مرسي، وقالوا أنها كانت لحمايتهم من هجمات ''الأمن والبلطجية''، كما أن هناك سيارات أحرقت، قال شهود عيان إن أنصار مرسي وراء حرقها.
والثابت أيضا إن الطرفين كانا مسلحين سواء إنصار مرسي أو الأمن أو الأهالي؛ فالسلاح منتشر بكثرة في كافة إنحاء الجمهورية، كما أن الاعتصام يأتيه السلاح من أماكن عدة مثلا أنصار مرسي وإخوان أطفيح والصف بالجيزة يأتون بسياراتهم وبها أسلحة، وفق ما أكده سائق يقلهم إلى الاعتصام، كما أكده أيضا بعض من يشاركون في اعتصام النهضة، وهذا أيضا راه مصراوي رأي العين خلال اشتباكات بين السريات الأخيرة واشتباكات ميدان الجيزة قبل نحو أسبوع، وداخل خيامهم كذلك.
بعض شهود العيان من داخل الاعتصام قالوا لمصراوي إن هناك ''بلطجية'' جاءوا من منشأة ناصر القريبة من نادي السكة الحديد، على موتسيكلاتهم، واشتبكوا مع الإخوان، وتبادل الطرفان إطلاق النيران.
لماذا الحواجز؟
كان السؤال الذي ألححنا عليه كثيرا، هو لماذا بناء السواتر والحواجز من بلاط الرصيف، لم نحصل على إجابة مقنعة ممن سألناهم من المعتصمين وهم كثر؛ جميعهم تحدث ان ''صد هجوم الأمن والبلطجية''، لكن الأمن ومن يسمونهم ''بلطجية'' لم يتحركوا ناحية الاعتصام بل المعتصمين هم من تحركوا إليهم.
أحد الأشخاص قابلته في الاعتصام، بدى إنه ليس من أنصار مرسي، تحدث طالبا عدم ذكر اسمه، وقال ''الهدف من التقدم ناحية كوبري أكتوبر هو السيطرة على منطقة المنصة وأمام جامعة الأزهر، فهم يرون إن هذه المنطقة أكثر حيوية من منطقة رابعة، حيث أنها قريبة من مساكن الضباط الخاصة بالقوات المسلحة، كما أنها ستتسبب في غلق كوبري أكتوبر تماماً وتحدث حالة من الشلل في المنطقة بأكملها''.
ربما تكون هذه الرواية صحيحة، حال ربطها بما قاله أحد ضباط الشرطة، لمصراوي ''كنا مكلفين فقط بمنعهم (أنصار مرسي)، من صعود كوبري أكتوبر''.
وأكد الضابط، وهو برتبة رائد، أن قوات الأمن المركزي لم تكن مسلحة سوى بقنابل الغاز، نافيا بشدة ما يقال عن استخدام رصاص حي من قبل الأمن.
رجح الضابط أن يكون الأهالي وأنصار مرسي هم من أطلقوا الرصاص الحي، وقال ''السلاح في يد الجميع ومنتشر بكثرة.. لا تنسى شيئا هاما أن غالبية المعتصمين من الأرياف والصعيد وهؤلاء سهل عليهم الحصول على السلاح''.
لكن إحدى الروايات الخاصة بإطلاق الأمن رصاص حي - سمعناها من أحد المعتصمين، وشاهد عيان من سكان المنطقة - قالت إن ضباط الشرطة حينما اشتدت الاشتباكات لجأوا لسلاحهم الشخصي.
الداخلية
اتهم هاني عبد اللطيف المتحدث باسم الداخلية أنصار جماعة الإخوان المسلمين بالسعي إلى ''افتعال الأزمات''، وقال ''إن جماعة الإخوان المسلمين ابت أن يمر اليوم (مليونية ''لا للإرهاب'') في سلام وسعوا لإفساده''.
وأضاف عبد اللطيف أن ''مسيرة لأنصار مرسي تحركت من ميدان رابعة العدوية إلى مطلع كوبري 6 أكتوبر لقطع الطريق وتعطيل الحركة المرورية، وقاموا بإشعال الإطارات بكثافة في مطلع الكوبري والاشتباك مع أهالي منطقة منشأة ناصر القريبة من المنطقة''.
وأشار عبد اللطيف إلى ان الاشتراكات بين أنصار مرسي والأهالي استخدم فيها أسلحة نارية وخرطوش.
وشدد المتحدث باسم الداخلية على أن قوات الشرطة في كل الفعاليات أو مواجهة أعمال الشغب لم يتجاوز تسليحها الغاز المسيل للدموع، ولم تستخدم في كل المواجهات سواه.
ولفت عبد اللطيف أن هناك 14 ضابطا أصيبوا في الاشتباكات منهم 2 بطلقات نارية في الرأس في حالة خطر.
الإخوان المسلمين
قال بيان من المستشفى الميداني في رابعة العدوية تلاه أحمد عارف المتحدث باسم الإخوان المسلمين عصر يوم السبت، إن 66 شخصا لقوا مصرعهم بالإضافة إلى 61 حالة موت إكلينيكي، ليصبح الإجمالي 127 قتيلا فضلا عن جرح نحو 4500 متظاهر بإصابات أغلبها خطيرة، حسب البيان.
وأوضح البيان أن الإصابات تراوحت بين 700 إصابة بطلق ناري و كسور وسجحات وخرطوش، فضلا عن أكثر من 3500 حالة إصابة بالغاز وفي حالة تشنجات، و مئات الحالات الأخرى التي تمت معالجتهم في مستشفيات ومراكز طبية و لم يتسنى حصرهم جميعا.
وقال البيان إنه تم ملاحظة استخدام نوع جديد من الغاز يؤدي لإحداث تشنجات أو فقدان السيطرة على الوعي مما يستدعى إجراء تحليل لمحتوياته للتأكد من احتوائه على مواد تخالف القوانين الدولية، وتم استخدامه بكثافة شديدة بحيث تحوله من وسيلة لإحداث اختناق مؤقت لأداة قتل مباشر من شدته.
وتابع البيان أنه تم ''استخدام الرصاص الحى بكثافة شديدة من قبل قوات الأمن ، مع التركيز على الرأس و القلب بغرض القتل العمد''.
وأشار بيان المستشفى الميداني إلى أن كافة الأدوية والمستلزمات الطبية بالمستشفى الميداني نفذت تقريبا بسبب الزيادة الرهيبة في أعداد ''الشهداء'' والمصابين، وهو عكس ما رصده مصراوي حيث كانت هناك تلال من الأدوية تحيط بالمستشفى الميداني من كل جانب.
فيديو قد يعجبك: