إعلان

بالأرقام: منظومة البحث العلمي في مصر.. تتآكل (تحقيق)

11:17 ص الثلاثاء 21 أكتوبر 2014

تحقيق- محمد أبو ليلة:

''أنا حصلت على براءة اختراع لدواء يعالج مرض الإيدز من جنيف وحصلت على ميداليات ذهبية من جامعات عالمية، بعدها أخذت وعود من أكاديمية البحث العملي في مصر لتنفيذ هذا المشروع، لكن بعد فترة اكتشفت أن كل هذه الوعود غير حقيقية والمسألة أشبه بالمستحيل''.. هكذا استهل دكتور شريف صلاح أحد المخترعين المصريين حديثه لمصراوي، كجزء من شهادته على ما وصفه بـ''الخلل'' الواضح في منظومة البحث العلمي في مصر.

وقت تكريم شريف في جنيف تلقى أكثر من عرض لتنفيذ اختراعه الجديد، تحت إشراف جامعات عالمية كجامعة برلين وأمستردام، لكنه رفض ذلك هو والوفد المصري المرافق له، وقرر تنقيذ المشروع في مصر، وحينما عاد من جنيف استقبله عدد من المسؤولين، وكرمته أكاديمية البحث العلمي في مصر، وأعطوه وعودا بتنفيذ ذلك المشروع، لكنه حتى الآن لايزال في انتظار تلك الوعود.

''كله كلام في كلام، اختراعي يعتبر من أفضل البراءات اللي قدمت على مستوى العالم حتى الآن لأنها واخدة ( scoor 6 by 6)، لازم تتحرك جهات سيادية في الدولة علشان المشروع يتنفذ، المفروض لما بيبقى في اختراع أخذ جوائز عالمية بيبقى قوى لوحده بسبب هذه الجوائز وبيبقى عليك كدولة أنك تستفيد منه وشكل الاستفادة بيحدد مدى السلبية والإيجابية في هذا الاكتشاف''.. يتابع شريف الذي حصل مصراوي على مجموعة من الوثائق والشهادات الدولية تؤكد حصوله على براءة اختراع في علاج مرض الإيذر بالإضافة لعدد من الميداليات.

خللٌ بالمنظومة

حالة شريف لم تكن الوحيدة التي تعاني من روتين منظومة البحث العلمي في مصر، فهناك آلاف الباحثين والمخترعين مروا بتلك التجارب، الدكتورة هبة عبدالرحمن نقيب المخترعين قالت لمصراوي، إن ما يحدث في البحث العلمي مأساة حقيقية، مدللة ذلك بأن الحصول على براءة اختراع ربما يستغرق أربعة أعوام وهى مشكلة واجهت الألف مخترع المقيدين بنقابة المخترعين .

وحصلت ''عبد الرحمن'' على 30 براءة اختراع فى علم المواد، منها 4 براءات فقط تم تطبيقهم بالتسويق الذاتي دون مساعدة من أحد، فقد واجهت مشكلات عديدة في التمويل وتطبيق النماذج والتسويق، انتظرت عام ونصف من أجل النظر فى الطلب بوازرة البحث العلمي فقط حتى يتم عمل ما يسمي الأسبقية أو الإيداع من أجل بدء الفحص، ثم يتم البدء في إجراءات الفحص للتأكد من صحة الاختراعات وإذا كان هناك تشابه أم لا و يستغرق هذا عامان رغم أنه من الممكن أن نتحكم في تقليل الوقت في اجراءات الفحص.

وأكدت أن أغلب النفقات يتحملها الباحث، ولا يوجد أي جهة تتولى رعايته ومجهوده منذ بداية الفكرة عكس الخارج، فهناك شركات تتولى رعاية الباحثين، إما في مصر فلا يوجد مركز للمخترعين يتولى رعاية المخترع فى كل المراحل، وينظم الأمور المتعلقة بإنشاء خط إنتاج تجريبي ويقوم بدراسات سوق ودراسات اقتصادية ودراسات تتعلق بشكل المنتج قبل طرحه في السوق.

''كل الاختراعات تظل في الأدراج إذا لم يسوقها الباحث، فالوازرة لا تقدم للباحث شيئا سوي تلقى الطلب بعد الانتهاء من الاختراع، وبعد الحصول على البراءة من الممكن المساعدة في النموذج الأول وهذه ميزة يحصل عليها عدد قليل من الباحثين''.. هكذا تقول.

86 براءة اختراع فقط

حصل مصراوي على مجموعة من الوثائق الرسمية من داخل أكاديمية البحث العلمي، أكدت أنه في عام 2013 وصل عدد طلبات الحصول على براءات اختراع التي تم تقديمها لمكتب براءات الاختراع المصري لـ 2057 طلب أكثر من 67% منهم مقدم من شركات، لكن مكتب براءات الاختراع لم يوافق على منح براءات سوى ((465 براءة اختراع فقط))، منهم 86(( براءة اختراع)) منحت لمصريين والباقي تم منحه للأجانب، وليس من بين هذه البراءات تم منحها لجامعات في العام نفسه، وهذا يؤكد أن أداء المراكز البحثية والجامعات ضعيف بالمقارنة بالشركات والأفراد.

عدد الباحثين في القطاع الحكومي وصل لـ 22ألف و825 باحث، كما أن عدد الباحثين في قطاع التعليم العالي وصل لـ 72 ألف و914 باحث كانت أكبر نسبة منهم في جامعة القاهرة بنسبة 17.2% وذلك لعام 2013، وقد بلغ عدد الأبحاث المنشورة دوليا لباحثين مصريين 14 ألف و115 بحث على الرغم من أن عدد الباحثين بالوزارات المختلفة كبير فإن الإنتاج البحثي قليل بالمقارنة بهذا العدد، وتحتل جامعة القاهرة المرتبة الأولى بين جامعات مصر في عدد الأبحاث المنشورة دوليا بعدد ألفين و582 بحث تليها جامعة عين شمس بـ ألف و582.

قطر الأولى عربيا

ومن الوثائق التي حصل عليها مصراوي وثيقة تؤكد احتلال مصر المرتبة 111 من بين 148 دولة في مؤشر القدرة على الابتكار بقيمة 3.1، وبترتيب التاسع بين الدول العربية بينما جاء دولة قطر في المرتبة الأولى بين الدول العربية في مؤشر القدرة على الابتكار بقيمة 4.8.

في مجال البحث والتطوير بين الجامعة والصناعة تصدرت دولة ((قطر)) أيضا في المرتبة الأولى بين الدول العربية بقيمة 5.5 واحتلت المرتبة السابعة على مستوى دول العالم، بينما جاءت مصر في المرتبة 133 من بين 148 دولة في هذا المجال وبقيمة 2.6 وبترتيب الـحادي عشر على مستوى الدول العربية والتي تتصدره دولة قطر أيضا.. وذلك حسب تقرير التنافسية العالمية لعام 2013-2014.

بينما في مجال إتاحة أحدث التقنيات للبحث العلمي احتلت مصر المرتبة 117 على مستوى العالم، والمرتبة الـ12 على مستوى الدولة العربية، بعد حصول دولة الإمارات على المرتبة الأولى في الدولة العربية في مؤشر إتاحة أحدث التقنيات البحث العلمي بقيمة 6.4 وجاءت دولة قطر في المرتبة الثانية عربيا بقيمة 6.1 وذلك أيضا حسب تقرير التنافسية العالمية لعام 2013-2014.

لكن الدكتور هاني الناظر رئيس المجلس القومي للبحوث السابق يرى أن أليات تقييم منظومة البحث العلمي في أي دولة تعتمد على عدد من الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات العلمية المرموقة الدولية، بالإضافة لعدد براءات الاختراع وكمية المشروعات القومية التي تم تطبيقها في الواقع في جميع المجالات زراعة صحة وبيئة والخ، ثم بعد ذلك يتم النظر إلى الجوائز العالمية التي حصل عليها الباحثين كنوبل مثلا، بالإضافة لاتفاقيات التعاون التي تتم بين مصر والدول الأخرى في مجال البحث العلمي، ''كلما هاجر العلماء المصريين وحصلوا على براءتهم من الخارج كلما أثر بالسلب على تقييم مصر وأخر ترتيبها في مجال البحث العلمي''.

الإنفاق ضئيل

على الرغم أن المادة 23 من الدستور المصري الجديد أعطت الدولة مسئولية كاملة عن تطوير منظومة البحث العلمي، باعتباره وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية من خلال رعاية الباحثين والمخترعين، ونصت المادة صراحة على أن تخصص نسبة 1% من الناتج القومي للبحث العلمي إلا أنه حتى الآن لا زال الإنفاق عن البحث العلمي لا يتخطى قيمة 0,2 % من إجمالي الناتج القومي المصري، ينما دول مصر إسرائيل 2,2 % من إجمالي الناتج القومي.. وذلك حسبما أفاد رئيس المركز القومي للبحوث السابق دكتور هناي الناظر في لقاءه بمصراوي.

''الناظر'' لديه رؤية لتطوير منظومة البحث العلمي في مصر من خلالها سيصل الإنفاق على البحث العلمي لـ 4% من إجمالي الناتج القومي بعد 10 سنوات من تنفيذ هذه الرؤية، قائلا'' زيادة الإنفاق بمعدل سنوي لابد أن يتخذ حيز التنفيد، لابد أن نزود نسبة 0.3% كل عام على البحث العلمي، جزء منها يأتي من حكومة والقطاع الخاص''، مطالبا الحكومة بوضع أليات للحصول على تلك الأموال، للإنفاق علي الأبحاث والمشاريع العلمية بما يضمن تحقيق الهدف المنشود وتقديم أبحاث تطبيقية تخدم الصناعة والزراعة والصحة والبيئة وتحل مشاكل البلد في مختلف القطاعات.

محمد عيسى رئيس مركز بحوث الصحراء سابقا، يرى أن أهم مشاكل تواجهها المراكز البحثية هي قلة التمويل للإنفاق على البحوث والدراسات، بالإضافة لمشكلة عدم توفير عربات للذهاب للمأموريات البحثية فى المناطق الصحراوية، ودلل إلى أننا بحاجة لاستطلاح 4 مليون فدان، والجزء الكبير فى حلايب وشلاتين، وبالتالي لابد أن يكون هناك ارتباط وثيق بين البحث العلمي ومتطلبات المجتمع، وطالب بتوفير أساليب من الطاقة النظيفة.

بينما رئيس المركز القومي للبحوث السابق حيث يرى أن المشكلة الحقيقية التي تواجه البحث العلمي في مصر أننا لا نستد إلى استراتيجية للبحث العلمي، مطالبا بوضع استراتيجية في برنامج زمني محدد مدته لا تزيد عن 10 سنوات، والنقطة الأخرى في خطة الناظر تشمل ضم المراكز البحثية المبعثرة على الوزارات لوزارة واحدة تسمى وزارة العلوم والتكنولوجيا.

ويتابع:احنا لدينا حاليا 40 مركز بحثي كبير وهذه المراكز متخصصة ومبعثرة على الوزارات، لابد من ضمها تحت مظلة واحدة، مينفعش تبقى وزارة الدولة، لازم اسميها العلوم والتكنولوجيا مثل باكستان والهند''، مع إعادة صياغة القوانين المنظمة للعمل البحثي بما يتمشى مع وزارة البحث العلمي، ''بقالنا أكتر من 50 سنة قوانين البحث العلمي ثابتة''.

فقدان التسويق

نقيب المخترعين هبة عبد الرحمن، تطالب بضرورة سن قانون للاستثمار في الاختراع لأن المستثمر يحصل على مادة معروفة ولا يفكر في مادة حديثة: ''لابد من توفير امتيازات للمستثمر كالإعفاء من الضرائب مقابل استخدام مادة حديثة أو ماكينة حديثة''، وطالبت في لقاءها مع مصراوي بضرورة وجود برنامج شراكة بين الدولة والقطاع الخاص لدعم الباحثين والمخترعين لإجراء أبحاثهم وتجارب التشغيل، مشيرة إلى أننا بحاجة لتغيير نظام المتابعة الإلكتروني بالوزارة لتسهيل البحث العلمي والاختراعات، نظرا لما يعانيه الباحثون وبالأخص من أبناء محافظات الوجه القبلي.

كما أن الدكتور هاني الناظر يرى ضرورة الاهتمام بالعلماء والباحثين أنفسهم من خلال وضع خطة لرفع دخول علماء الداخل وتوفير الرعاية الاجتماعية والصحية لهم وتذليل كل الصعاب التي تحول دون أدائهم لعملهم علي خير وجه اما الركن الرابع من الاستراتيجية فيختص بقضية تسويق نتائج البحوث والمشاريع العلمية حيث تتضمن الاستراتيجية، والتي تعتبر أخطر مشكلة تواجه البحث العلمي.. حسبما يرى الناظر.

وطالب بوضع خطط وبرامج حديثة للتسويق من خلال إنشاء قطاعات لتلك المهمة بوزارة العلوم والتكنولوجيا والمراكز التابعة لها وتوفير الخبرات والكوادر المؤهلة لهذا النوع من العمل بهدف توفير أفضل الوسائل والطرق العملية لنقل نتائج الأبحاث من المعامل الي أرض الواقع بدلا من تخزينها في الأدراج .

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان