إعلان

''خالد'' .. الحلم يبدأ من ''أوغندا''..صور

11:10 م الأحد 23 مارس 2014

كتبت – هند بشندي:

''خالد محمود'' شاب سكندري، مهندس في إحدى شركات البترول، قرر أن يفتتح شركة سياحية.. لكن لن تذهب مع ''خالد'' إلى تركيا أو اليونان .. وهي كذلك ليست شركة للسياحة الدينية .. وأيضا لن تتمكن من زيارة شرم أو الغردقة .. بل الرحلة ستكون أبعد من ذلك قليلا إلى أوغندا .. عبر شركته للسياحة التطوعية ''سفراء لتعارفوا''.

''أفريقيا'' حلم ظل يراود ''خالد'' كثيرا، شعور بالغيرة يملؤه كلما قرأ عن أحدي المنظمات أو أحد المشاهير الأجانب ذهب إلى هناك لمساعدة مواطني القارة السمراء، لم يجد تشجيع من أصحابه على فكرته التي طرأت في ذهنه بالذهاب إلى هناك ولم يعرف كيف السبيل للوصول؟.

الصدفة البحتة هي التي حققت حلم الشاب السكندري، عندما وجد على موقع ''تويتر'' رابط للتطوع على صفحة الإعلامي أحمد الشقيري مقدم برنامج خواطر، كان من ضمن أسئلة استمارة التطوع ''إلى أي قارة تحب السفر معنا؟'' بدون تردد اختار ''خالد'' محبوبته ''أفريقيا''.

وفي النهاية، اختير من قبل برنامج خواطر للسفر إلى ''أوغندا''، سافر ''خالد'' رغم خوف وقلق أسرته عليه من هذه التجربة بعد ان طمأنهم بأخذ التطعميات اللازمة وهي نحو 7 تطعيمات بالإضافة لحبوب الملاريا.

خمسة أيام

أراد القائمون على البرنامج تصوير كل اللحظات بشكل واقعي أمام الكاميرا، لذا لم يعرف ''خالد'' ماذا سيفعل هناك تحديدا سوى تصوير لحلقة وثائقية، في صباح اليوم التالي من وصولهم لأوغندا بُلغ ''خالد'' ان مهمته هي التطوع في دار أيتام لمده خمسة أيام.

أسئلة كثيرة دارت في ذهنه عن مهمته في الدار وعن حال الدار، دور أيتام عديدة زارها ''خالد'' في مصر وكلها على أقل تقدير آدمية بها ماء وطعام وأماكن للمبيت لذا شعر خلال رحلته التي امتدت لنحو ساعة وربع من العاصمة ببعض الطمأنينة.

لكن المكان فاق تصورات ''خالد'' ليجد مكان بدائي في قرية وسط غابات أوغندا، وفي غرفة مبنية من ''صاج'' استقر خالد في الدار ليكتشف ان مهمته تكمن في الحياه في هذه الدار مع قاطنيها بكل التفاصيل.

''نأتي بالمياه، ننظف المكان، نأكل ونشرب، ثم النوم'' يلخص ''خالد'' نمط الحياه هناك، في يوم بسيط يشوبه صعوبة الحصول على أبسط أساسيات الحياه كالمياه والكهرباء.

ففي الدار يوجد كشاف كهرباء واحد يفتح من المغرب حتي وقت النوم ثم خوفا عليه يغلق بعد ذلك، أما المياه ورغم ان أوغندا دولة مصب تقع بشكل شبة كامل داخل حوض النيل الا ان الحصول على المياه صعب ويتم من خلال بئر يملئ منه ''جراكن''.

''المياه'' هي الشيء الوحيد الذي لم يستطع خالد تجربته لان معظم المياه بها كوليرا أو بلهارسيا نتيجة اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي، فلا يوجد في أوغندا بنية تحتية.

هناك اقترب من مليكة الطفلة السمراء ذات العيون الساحرة وباقي أطفال الدار، وتعرف عن قرب عن أحلامهم البدائية البسيطة كما حياتهم.

تكمن أقصي أحلامهم في الحصول على كتاب أو الذهاب للمدرسة المكلفة ماليا نتيجة ان المدارس هناك خاصة، لا يطلب الأطفال هناك لعبة أو حلوى؛ فلديهم قناعة بما يملكون، لذا لا يتذمرون ولا يشعرون بنقص.

خمسة أيام اعتاد فيها ''خالد'' أكل الماتوكي -بورية موز- والبيلاو -سبانخ وأرز-، غيرت من حياته بشكل كامل، جعلته أكثر امتنانا بالنعم التي يملكها، ورغم الفقر والبؤس والشقاء الا انه اكتسب من خلال هذه التجربة طاقة أمل.

اكتسب أمل بالإضافة إلى تجارب جديدة، فقد تعامل خلال تواجده هناك مع مرضي الإيدز –لم يكن يعلم في البداية- وهناك تعلم ان هذا المرض يمكن التعايش معه، وان المريض هناك يمارس حياته بشكل طبيعي.

انتهت الخمسة أيام بوعد من ''خالد'' بتكرار الزيارة في أقل عام، ولأنه لا يخلف وعدا حرص بعد نحو 11 شهرا على زيارة أخري لينفذ فيها ما لم يسعفه الوقت في إنجازه وأهم هذه المهام جلب المياه من البئر اتوماتيكيا من خلال الطاقة الشمسية.

شاب ''مزونجو''

يعود من رحلته ليقرر دراسة عدة مشاريع هناك لمشاركتهم في العمل التطوعي، لكنه لم يجد ما ينشد اليه فالمنظمات الخيرية هناك أغلبها ذات فكر ''تبشيري''، وهناك منظمة إسلامية وحيدة وهي منظمة عون لكنها تساعد الفقراء من المسلمين فقط.

خالد الشاب المزونجو كما يطلق عليه في أوغندا –اي الأجنبي صاحب البشرة البيضاء- اراد ان يساعد ''الإنسان'' ايا كان ديانته، ومن هنا جاءت فكرة ''مزونجو-عربي'' .

فكرة المشروع ليست جديدة في أوغندا –كما يوضح لنا- ولكنها ستكون شاملة لعدة مشاريع وهي دار أيتام ومدرسة ومركز صحي، بالإضافة إلى ورش حرفية، ولأن التبرعات في المشروع لفترة مؤقتة، يريد أن يلحق بالمشروع مشاريع اخري كزراعة وتربية مواشي لتدر دخلا ثابتا يستطيع من خلاله تغطية مصاريف المشروع.

وفي زيارته الثالثة في ديسمبر من العام الماضي، وقع اختيار ''خالد'' على أرض للمشروع تقع على بحيرة فيكتوريا، ويأمل في نهاية أبريل أن يكون قد جمع المبلغ اللازم لها وانتهي من شراءها.

ويكمن سر تمسك ''خالد'' بتطبيق المشروع ''أسلم'' التي أثرت فيه قصته حد البكاء وقرر ان يبدأ من بعدها مشروع مستدام لخدمة الأهالي هناك.

ويحكي عن لقاءه بأسلم ''وجدت صوت غناء ديني بين الغابات اقتربت وجدت شاب أوغندي يجلس تحت الشجرة تحدثنا وعرفت منه أنه بلا عمل، وبعد وفاه والده أصبح مسئول عن والدته واخته ولنقص المال تركوا منزلهم في أحد المدن ليسكن وسط احدي الغابات لكنه يغني لله متيقنا بقدرته على تبديل حاله''.

''وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا'' آية قرآنية من سورة الحجرات سمعها من الداعية معز مسعود اثرت فيه ليقرر بعدها ان يكون اسم مؤسسته ''سفراء لتعارفوا'' لتنطق منها مشروع مزونجو في أوغندا كأولى مشاريع المؤسسة.

بعد عام ونصف وبعد ان كاد ان يفقد الأمل حصل عل رقم اشهار مؤسسته في مصر لكنه صدم عندما اكتشف انه لا يمكنه جمع تبرعات من مصر وارسالها لخدمة بلد أخر، ولا يستطع استقبال تبرعات من خارج مصر ''هتاخد أمن دولة على طول'' هكذا يقول بنبرة ضاحكة مخلوطة بالآسى.

يشعر بالأسى، فبعد إشهار المؤسسة لن يكون لها فاعلية في مشروعه في أوغندا، لذا قرر السفر إلى هناك وإشهار مؤسسة في أوغندا.

ينوي اتمام مشروعه مهما كانت العقبات ويتمني ان يستطيع في يوم ما التفرغ له، لكنه لن يستطع ترك عمله حاليا نظرا لحاجة المشروع للمال، وسيعتمد على أهل الثقة في إدارة المشروع، مع إشرافه المالي عليه.

في مصر

''هو مفيش فقراء في مصر؟؟'' سؤال استنكاري يطرح على ''خالد'' مرات كثيرة، ربما هو شاهد فقر في مصر قد يكون اسوء لكنه يقول ''في مصر ''أهل الخير'' كثر، هناك المنظمات قليلة جدا وتساعد على مستوي محدود واستحاله تجد أوغندي يتبرع لمواطن آخر''.

سبب آخر يسرده وهو انه غير مقتنع بفكرة الحدود، فقط بفكرة ان الكل ''إنسان'' مضيفا ''وضعهم الإنساني صعب جدا، كما أني لا أجور على حق مصري لأعطيه للأوغندي فقط أعلن ويتواصل معي من يريد مساعدتهم''.

يري أننا كمصريين مقصرين في حقهم بشكل كبير، فالأزهر يرسل 25 أزهري للدعوة هناك لا يقموا بالدعوى هناك فهم لا يجيدوا الإنجليزية ولا الأوغندية فقط يستفادوا بقبض الدولارات شهريا، فيما تساهم الكنيسة المصرية ببعض المشاريع المحدودة كحفر الآبار.

أما السفارة المصرية فقد ذهب اليها مرة، ليبلغها بمشروعه وندم على هذه الخطوة أشد الندم ''حبيت أبلغهم يمكن يستفادوا من المشروع في التقارب وتحسين العلاقات'' لكن بعدها بأيام ثارت الشكوك لدي السفير لذا قررت ان أعمل في صمت لإتمام مشروعي''.

ربما ينجح هناك فيما لم يستطع ان ينجزه هنا كما حدث له في موضوع الغارمين عندما حاول مرار وتكرار في مصر لكنه فشل ليترك المال لمؤسسة مصر الخير لتقوم بهذه المهمة، أما هناك فالموضوع أبسط يوضحه قائلا ''نذهب للمحامي الموكل من الطرق الثاني صاحب الدعوى وندفع له الدين، فيكتب ورقة تفيد بذلك، ثم نذهب مع المسجون بصحبه عسكري صباحا للمحكمة، ويتأكد القاضي أن صاحب الدعوى أخذ أمواله فيفرج عن الغارم في الحال ويخرج معنا من المحكمة''.

إسلام ''كيسامي''

أستطاع ''خالد'' دفع الدين عن ثلاثة غارمين، منهم ''جوبالي'' الذي لا تغيب عن ذاكرته لحظة رائعة بلقاءه بأهله، ليأتي الدور على ''كيسامي'' الذي وعده بان يخرجه من الحبس ولكنه وجد أن المال معه لا يكفي الدين، ولكن سرعا ما أرسل لأهله في مصر لإرسال باقي المبلغ المالي.

نفذ ''خالد'' وعده لـ ''كيسامي'' بعد أن دفع دينه البالغ نحو 400 دولار، ليشعر الأخير بسعادة غامرة، لكنه تعجب واستمر في طرح الأسئلة على ''خالد'' ''هتشتري بيتي في المقابل؟؟ هشتغل عندك؟؟ ما المقابل؟؟'' تعجب من عدم وجود مقابل ولم يجد إجابة على أسئلته سوى رد خالد ''ديني يأمرني بهذا''.

اتفق معه ان يلتقيه مره أخرى ليعطي له مبلغ مالي يكفية لمده شهر حتى حصوله على عمل، وسأله اذا كان يريد منه شيئا طلب كتب –كعادة الأوغنديين هناك لا يطلبوا من الأجانب سوى الكتب لقراءتها-، ليستكمل ''قلت اني لا املك سوى كتب عن الإسلام، فطلبها، وانا في طريقي للمطار بعد نحو ثلاثة أيام التقيت به، اكتشفت انه قرأ الكتب وقالي لي: انا بعتبر نفسي مسلم بل وتعلمت من الكتب الطهارة والوضوء ونطق الشهادتين''.

يقول ''لم أكن اساعده بهدف ان يسلم بل لم أسأل عن ديانته من الأساس، وأرفض اربط المساعدة بالدين، لكن المشروع بشكل غير مباشر وبدون قصد به جانب دعوى عن طريق التعامل مع شاب مسلم''.

(شاهد إسلام كيسامي)

عربي .. إنسان

''أول مرة اتعامل مع عربي ذو طابع إنساني'' كلمات قالها ''فيليب المصور لأحد القنوات الإخبارية العربية هناك لخالد، لينقل صورة سائدة عن العرب هناك فيقول ''لم أصادف في حياتي عربي رحيم''.

كما أن أزمة المياه مع مصر، جعلت الحكومة هناك تلقي اللوم على مصر، ''هم يعتبرون أننا من حرمناهم من الكهرباء، وهي صورة سائدة خصوصا مع انعزالهم مع العالم الخارجي'' يقول ''خالد''.

''لا يوجد هناك عرب متطوعين فقط متواجدون من أجل الـ''بيزنس''، اما الأجانب فكثر، خصوصا الطلبة التي غالبا ما تتأثر بالتجربة وتعود أو تستمر هناك لسنوات'' هكذا يوضح.

كما أن لديهم انطباع غير حقيقي عن العرب، بالمثل كان لدي ''خالد'' انطباع غير حقيقي عنهم وهو العنف ''كنت حاسس أول زيارة أني هموت هناك''، أحساس سرعان ما تبدد ليكتشف ان العنف أبعد ما يكون عنهم، فحتى اذا حدثت مشادات لا يرتفع صوتهم خلالها.

''طيبين جدا وبشوشين جدا'' هكذا يصفهم، مضيفا ''فكرة التحرش والمعاكسة غير موجودة لديهم اطلاقا، فالأجنبيات تمشي بملابسهم القصيرة في الشوارع لا يتعرضوا حتي لكلمة، كما كان بصحبته هناك في أخر رحلة ثلاث فتيات من المتطوعات لم يتعرضوا لاي مضايقة فقط تعاملوا احترام وود''.

الحلم

يطمح ''خالد'' أن يستفاد من تجربة أطفال الشوارع التي قام بها هناك أوغندي كان طفل شارع قبل ان يتبناه أجانب ليطبقها في مصر، ويشرحها ''الطفل هناك يمر بأكثر من مرحلة؛ المرحلة الأولى مدتها ثلاثة شهور يتم فيها تعريف بالمكان وتعليم الطفل للقراءة والكتابة والرسم، ثم تأتي مرحلة الاختبارات لو نجحوا ينتقلوا للمرحلة التالية وأهم ما في هذه المرحلة التأكد من توقف الطفل عن إدمان –مخدر شبيه بالكلة- بعدها يتم استضافتهم في دار متخصصة.

بلهجة يملأها الأمل ''شاهدت النتيجة النهائية وذهلت ان هؤلاء كانوا يوما ما أطفال شوارع، تجربة تعطي أمل، وان كانت التحديات في مصر أصعب''.

كما يطمح ان يطبق مشروعه في كل دول العالم في مصر وكينيا وتنزانيا ورواندا، لان حلمه كما يقول ''التأثير على الناس بشكل ايجابي، نقلل من معانتهم، ونجعل حياتهم أفضل''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان