إعلان

الخليج بين معضلات ثلاث.. الأمن والتنمية والإصلاح السياسي

11:37 ص الإثنين 28 أبريل 2014

مجلس التعاون الخليجي

القاهرة – (أ ش أ):

أثار المؤتمر الثاني للأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي والذي عقد الأسبوع الماضي بالعاصمة البحرينية المنامة، قضية الأمن في الخليج مجدداً وكأنه بات يمثل الهم الأكبر لدول المنطقة، إذ طالب المؤتمر بضرورة صياغة استراتيجية شاملة للأمن تكون ركيزتها بناء وتطوير سياسات حقيقية للدفاع المشترك على غرار ما يفعله حلف شمال الأطلسي (ناتو) كل عشر سنوات.

وقد أظهرت الدراسات الاستراتيجية أن منطقة الخليج باتت تموج بمجموعة متباينة من التيارات السياسية والأمنية والاقتصادية في خضم ثورات الربيع العربي، شأنها في ذلك شأن بقية دول العالم، إذ دخلت دول الخليج في سباق ماراثوني من الإصلاحات السياسية والتنموية التي تستوعب التطلعات الشبابية كل على حده، وتفاعلت أمنياً للبحث عن بدائل وآليات وخطوات جديدة لتحقيق الأمن الخليجي في إطار منظومة مجلس التعاون الخليجي ومن ثم كان الطرح لفكرة الاتحاد الخليجي التي لم تلق قبول بعض دول المجلس.

ومن هنا باتت دول الخليج تعيش وسط معضلات ثلاث وهي متلازمة التنمية المستدامة مع الإصلاح المؤسسي والسياسي مع البحث الدائم عن منظومة أمنية جماعية مستقرة تحقق الهدفين الأولين، وفي هذا السياق تبرز أسس مهمة يجب أن تكون من مرتكزات الأمن في الخليج مثل الالتزامات المتبادلة بين كل الدول الخليجية بشأن احترام استقلال الدول وسيادتها على أراضيها، وعدم التدخل في شئونها الداخلية ، فضلاً عن الالتزام بتسوية أي خلافات بالطرق السلمية وبعيداً عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.

ونظراً لأن منطقة الخليج لها أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية بالنسبة للعالم، فإن أي ترتيبات للأمن في الخليج لابد أن تأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار، بحيث يكون أمن النفط وأمن ممراته جزءاً من هذه الترتيبات.

وفي هذا السياق، يمكن أن يكون لبعض القوى والمنظمات الدولية والإقليمية دور في مسألة أمن الخليج، ولكن وفق رؤية تمثل قاسماً مشتركاً بحيث تراعي مصالح مختلف الأطراف.

كما أن مواصلة جهود الإصلاح الداخلي في الدول الخليجية تجاوباً مع حالة الربيع العربي لابد أن يكون وفق استراتيجيات شاملة تستند إلى رؤى وأجندات وطنية للإصلاح واعتبارها السبيل الحقيقي لتجفيف منابع التطرف والإرهاب، والذي يشكل مصدراً قائماً ومحتملاً لتهديد الأمن في الخليج.

فالإصلاح الحقيقي هو السبيل الوحيد لتلبية مطالب القوى الراغبة في المشاركة من خلال القنوات الرسمية، وتعزيز الشرعية السياسية، وتجديد العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، فضلاً عن تكريس الوحدة الوطنية ، وتجفيف منابع التطرف والعنف والإرهاب، وقطع الطريق أمام أي تدخلات خارجية في الشئون الداخلية.. ناهيك عن مواصلة جهود تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية.

إضافة إلى ما سبق ثمة متطلبات لازمة لعملية تنموية مستدامة في دول الخليج، في ضوء ما أطلق عليه بعض الباحثين من مفهوم'' الدولة المعدلة ثورياً''، والدولة المعدلة ثورياً هي خيار إصلاحي استراتيجي يحقق حزمة كبيرة من تطلعات الشعوب وحقوقها أي أنه ينظر إلى غائية الحراك الاحتجاجي أو الثوري وليس دوافعه النفسية وتراكماته السياسية والثقافية، كما أنه خيار تصالحي تشاركي يبتعد بهذه الدولة أو تلك عن الصدام أو العنف، ويسعى إلى احتمالات التشظي والانقسام أو الحروب الأهلية التي قد يفرضها الربيع العربي في بعض الأقطار العربية، إذ أن الدولة المعدلة ثورياً تتخذ مكاناً وسطاً بين تصورين متطرفين:

الأول: قائم يعمي الأبصار عن الحقائق والمعطيات ( التيار المنافق الجامد)

والثاني: يجهر الأبصار بأضواء مضخمة وربما مفتعلة (التيار الراديكالي الطائش).

''المعدلة ثورياً''
إذا كان واقع التنمية في الخليج يشير إلى قصور في عدة جوانب ، منها التذبذب في معدلات متوسط دخل الفرد تبعاً لبورصة النفط، وعدم الالتزام بشروط التنمية المستدامة، والتذبذب الواضح في الإنفاق العام، وشيوع حالة من النمو الاقتصادي الهش، فإن ثمة متطلبات لازمة في إطار الدولة المعدلة ثورياً لابد من توافرها حتى يمكن بناء نموذج للتنمية المستدامة خليجياً.

وهذه المتطلبات هي

أولاً: تبني مشروعات حضارية على المستوى الوطني الخليجي ، فالمشروع الحضاري الوطني، ليس مجرد مشروعات تنموية أو حتى تنمية اقتصادية أو اجتماعية أو علمية وفق منظور جزئي، بل هو حالة نهضوية جذابة طموحة ملهمة واقعية في الوقت ذاته، يضعها المجتمع بكل فعالياته ومؤسساته، في ضوء معطيات الواقع ومؤشرات المستقبل، ويكون ذلك شاملاً لكل الأقطار الخليجية بعد التنسيق والتشاور على مستوى السياسات أو التشريعات أو المؤسسات.

ثانياً: الإرساء المستدام للنهج الديمقراطي وضمان الحريات العامة ؛ لأنه يصعب تصور قدرة أي مجتمع على بلورة مشروعه الحضاري في غياب دستور متقدم يشترك الشعب في إعداده ويتم إقراره على أساس تعاقدي، حيث إن الدراسات تؤكد أن الفعل الثوري قد اجتاح بعض الأقطار العربية لا بسبب البعد الاقتصادي، وإنما من جراء الاستبداد السياسي، وهناك دراسات عديدة تشير إلى أن الربيع العربي أمسى من أكبر العوامل المؤكدة لضرورة انتقال أقطار الخليج العربي إلى ''الملكية الدستورية'' بدلاً من '' الملكية المطلقة''.

ثالثاً: الإسراع في تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد: إذ يؤكد متخصصون في الشأن الخليجي على ضرورة تحقيق مستويات مُرضية من العدالة في توزيع الثروة والسلطة؛ لأن ذلك مطلب شعبي مشروع ، كما أنه أداة لتجنب النزاع والشقاق، كما يجب التخلص من فكرة أن ''السلطة غنيمة'' وهي فكرة وممارسة سياسية لها آثار تدميرية، حيث لا يمكن تحقيق قدر كاف من العدالة الاجتماعية من محاربة جادة للفساد بكل أنواعه ، بعد أن ثبت أن الفساد معوق كبير للتنمية بكل أبعادها.

رابعاً: الإصلاح الجذري للفكر الحكومي ومؤسساته؛ فقد أضحى الربيع العربي ضاغطاً باتجاه إجراء إصلاحات بنيوية في البعد التشريعي والقانوني وبناء مؤسسات قادرة على التطبيق الصارم للقانون، ويشدد البعض على إعادة الهيكلة الذكية للقطاعات الحكومية والعامة وفق مبادئ الكفاءة الإنتاجية والإدارية بغية التخلص من الترهل البيروقراطي وترشيد الإنفاق العام، وإعادة جدولة إنفاقه وفق خارطة أولويات التنمية المستدامة في ضوء المشروع الحضاري وطنياً وخليجياً.

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى كتاب ''سر سقوط الأمم: بحث في جذور السلطة والثروة والفاقه'' للكاتب دارون عاصم أوغلون أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتقنية، ولجيمس روبنسون أستاذ نظم الحكم في جامعة هارفارد، والصادر في نيويورك - كراون للنشر 2012 - والذي يجيب على السؤال الكبير حول سر نهوض بعض الأمم وتداعي بعضها الآخر، وذلك بالإشارة إلى أنه من ضمن متطلبات التنمية المستدامة: الاقتصاد السياسي للتنمية ، والمؤسسات الجامعة، والمؤسسات الاستحواذية ، ضرورة ''الهدم الخلاق''''.

ويؤكد كتاب (سر سقوط الأمم) أن طريق الوصول إلى تنمية مستدامة يتطلب بناء مؤسسات سياسية تمتلك المرونة للاستجابة لمطالب المواطنين ، والمقدرة على التوسيع المطرد لشريحة المستفيدين من الأنشطة الاقتصادية التي تمارس في البلاد.

ويخلص الكتاب إلى أن كل أمة تسعى إلى البقاء وتحقيق تنمية مستدامة ، عليها أن تضحي من أجل خلق مؤسسات ذات استجابة لأصوات شعوبها ، لذلك يجب العمل الجاد على كسر احتكار القرارات السياسية والاقتصادية من قبل فئة قليلة من المتنفذين وأصحاب المصالح الشخصية.

خامساً: التنمية البشرية المستدامة المتكاملة. ثمة إجماع على أن الإنسان هو محور العملية التنموية، والإنسان هو قطعاً مبتدأها وخبرها على المستويين التكتيكي والاستراتيجي، ومن أهم انعكاسات الربيع العربي واستحقاقاته، بلورة رؤية إدارية شاملة لتحقيق تنمية بشرية مستدامة متكاملة بكافة أبعادها، متضمنة تكوين القدرات ورأس المال البشري والعمل على حسن توظيفها وتفعيلها بما يزيد من الرفاه الإنساني والاجتماعي.

وتخلص بعض الدراسات الخليجية إلى أن جزءاً من الشباب بات يؤمن بأحقية أن يكون جزءاً من العملية السياسية والتنموية، وإذا تقرر أن التنمية البشرية المستدامة هي إحدى المعضلات التنموية التي تواجه الأقطار كافة، مع وجود اختلافات جلية في كيفية معالجتها، فإنه يتعين التشديد على الدور القيادي للفكر الإداري في إدارة المعضلة التنموية البشرية، بطريقة تتجاوز الحلول السطحية المعلبة التي تكتفي بمجرد تأسيس وزارة أو كيان إداري يعني بتنفيذ البرامج التنموية.

ويبقى في النهاية التأكيد على ضرورة تشجيع المؤسسات العلمية في دول الخليج على تناول موضوعات تفصيلية ذات علاقة بالتنمية والشرعية السياسية، في سياق تلك التحولات الإقليمية وفق منظور استراتيجي كلي نقدي وإتاحة هوامش كافية من الحرية الفكرية والبحثية، بما يعينهم على التناول العلمي النقدي الشفاف للمشكل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي والتنموي، وفق ذلك المنظور.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان