"الحكم بعودة طابا".. صراع بدون سلاح
كتب ـ محمد الصاوي:
26 عام على إصدار حكم المحكمة الدولية في جنيف بالزام اسرائيل برد ارض طابا الى وطنها مصر، وتأكيدها على مصرية طابا الخالصة، حيث حاولت إسرائيل البقاء في طابا، بأي وسيلة وأي ثمن، وحالوا المساومة عليها الا أن القيادة المصرية رفضت المساومة على الارض الذي بذل من اجلها الغالي والنفيس.
وأمتد مسلسل عودة الارض من الكفاح العسكري الى النضال السياسي، والجلوس على مائدة المفاوضات التي لم تثمر شيئًا مع إسرائيل، فأصرت مصر إلى اللجوء لطاولة التحكيم الدولي رغم مماطلة الجانب الإسرائيلي وتأجيل الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي المصرية الذي كان مقرراً له ابريل 1982حتي لا تكون "طابا" نواة مفاوضات جديدة.
وبعد اصرار مصر على اللجوء الى القضاء ومحاولة الصهاينة جر مصر الى م المفاوضات المطاطية، قامت اسرائيل بالشروع فى بناء فندق "سنوستا" فى محاولة منها لإثبات تبعية طابا لأراضيها وأن العلامة 91 تقع ضمن نطاق الاراضي الإسرائيلية .
وبالفعل بدأت اولى جولات الصراع القضائي بين مصر والصهاينة منذ 1986 تخللها كفاح واصرار من جانب الفريق المصري لاسترداد طابا، سنوات من البحث و التفتيش وراء اي مستند فى صالح القضية المصرية سفر الى جميع الدول التي من الممكن أن تفيد الجانب المصري امام المحكمة الدولية.
الى أن قضت المحكمة الدولية في جنيف بالزام اسرائيل برد ارض طابا الى السلطات المصرية .
وفى هذا الشأن قال اللواء حسام سويلم الخبير العسكري أن استرداد "طابا" هو أخر مرحلة في حرب أكتوبر 73 وتعد استكمالا لها.
وأوضح سويلم في تصريح خاص لمصراوي، أنه بعد العوان على الراضي العربية فى حرب 67 تم احتلال أربعة دول وهي غزة فى فلسطين وهضبة الجولان فى سوريا والضفة الغربية بالأردن وسيناء في مصر، الا أن هذه الدول لم تستطيع تحرير اراضيها الى الان، فمصر هي الدولة الوحيدة التي استطاعت تحرير اراضيها الى اخر حبة رمل بقوة السلاح فى حرب اكتوبر والدهاء السياسي والقانوني فى استرداد طابا 1988.
وأضاف سويلم أن الخلاف بين مصر وإسرائيل كان محصورا على 15 نقطة حدودية تم الحصول على 11 نقطة لصلحنا و4 نقاط لإسرائيل، وبفضل الجهود المشتركة بين رجال القانون ورجال المساحة العسكرية الذين كشفوا كذب اسرائيل واوضحوا تغييرها لكثير من المعالم فى طابا اثناء احتلالها، الا أن رجال المساحة العسكرية تمكنوا بفضل الله من تحديد العلامات واستخراجها من "جذرها" من باطن الارض اما لجنة التحكيم.
وذكر نبيل العربي امين عام جامعة الدول العربية فى كتابه "طابا.. كامب ديفيد.. والجدار العازل ــ صراع الدبلوماسية من مجلس الأمن إلى المحكمة الدولية"، كواليس استرداد طابا التي يعتبرها افضل انجاز فى حياته المهنية، حيث اوضح العربي أنه كان المسؤول عن هذا الملف لمدة خمس سنوات.
وأشار العربي في كتابه إلى محاولات إسرائيل تضليل الرأي العام العالمي ــ بل وربما المصري ــ بالقول إن العلامات التى تم الاتفاق عليها فى 1906 تم تعديلها فى 1915 بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطاني الذى كان له دور فى الثورات العربية على الدولة العثمانية، كما يشير كذلك إلى ما قامت به إسرائيل من إزالة لمعالم العلامة 90 بعد أن تركتها فى موقعها لإيهام مصر بانها العلامة 91.
كما أن إن إسرائيل اخفت عن عمد ما قامت به من إزالة جزء من هضبة شرق وادى طابا سرا لتشق طريقا يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع مصر، رغم علم مصر بقيام إسرائيل بشق هذا الطريق وببناء فندق هناك فهى لم تكن تعلم بمسألة إزالة العلامة.
ويقول العربى إن إسرائيل لم تكن فقط ترفض الانسحاب من طابا بل كانت أيضا ترفض اللجوء للتحكيم الدولي وأنها سعت لأن يكون حسم مصير الخلاف حول طابا من خلال التفاوض الهادف للتوفيق، مشيرا إلى أن أحد المقترحات التى طرحت فى هذا الشأن فى إطار البحث عن التوفيق كان قبول إسرائيل الموقف المصري كاملا حول طابا على أن تقوم مصر بالموافقة على تأجير طابا والفندق الذى كانت إسرائيل قد بنته عليها للحكومة الإسرائيلية لمدة 99 عاما "وهو الاقتراح الذى رفضته فورا ودون الرجوع إلى القاهرة لأن مبدأ التأجير يتعارض مع سيادة مصر من جهة وتخوفا من الانزلاق إلى هاوية المساومة حول مدة التأجير بالرغم من الإغراء الظاهري بأن العرض ينطوي على الاعتراف بموقع العلامة المصرية".
وأوضح العربي أن مصر حددت موقعها بكل وضوح بالإحداثيات والمقاييس العلمية، ولم تستطيع إسرائيل أن تفعل ذلك وكانوا يعتمدون على أن المصريين سيخطئون، مؤكدا أن المعركة مع اسرائيل في ذلك الوقت معركة حضارية وليست عسكرية، وبالفعل رجحت الكفة المصرية ونجح المصريين فى استرداد اخر قطعة ارض لهم وقاموا بدفع ثمن الفندق من ميزانية الدولة رغم مغالاة الجانب الاسرائيلي فى تقدير المبلغ .
وأورد المؤرخ الراحل الدكتور يونان لبيب رزق الذي تم تكريمه منذ شهور بوسام الجمهورية من الرئيس الاسبق عدلي منصور ـ في كتابه "طابا.. قضية العصر" أن الإسرائيليون كانوا يؤكدون استحالة عودتها لمصر، كما عجز المصريون لوقت طويل عن إثبات حقهم في طابا وكان رهان المصريين على الحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية، وعمد الإسرائيليون للتضليل وتزييف الحقائق، وقاموا بتغيير معالمها الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو.
وأوضح يونان في كتابه أنه تم تشكيل "اللجنة القومية العليا لطابا" وضمت أبرز الكفاءات القانونية والتاريخية والجغرافية، وهي اللجنة التي تحولت بعد ذلك إلى هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا، والتي أخذت على عاتقها إدارة الصراع في هذه القضية من الألف إلى الياء مستخدمة كل الحجج لإثبات الحق، ومن أهمها الوثائق التاريخية التي مثلت نسبة 61% من إجمالي الأدلة المادية.
الى أن قضت هيئة المحكمة على رأسها القاضي السويدي "جونارلاجرجرين" في 29 سبتمبر 1988 بأحقية مصرفي السيادة على طابا المتنازع عليها مع إسرائيل وعودة الأرض لأصحابها في حكم تاريخي بأغلبية 4 أصوات.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: