مثليو تونس - رحلة البحث عن حقوق دستورية غير قانونية!
كثر الجدل في تونس مؤخرا حول موضوع المثلية الجنسية بعد أن أطلق ناشطون حملة للمطالبة بحقوقهم واستعراض معاناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "فحوص العار لوقتاش؟" (فحوصات العار إلى متى؟) للتنديد بما تعرض له الشاب مروان من فحص طبي قسري لإثبات مثليته والحكم عليه بالسجن. ومن الفضاء الافتراضي تحولت الحملة إلى الفضاء العام عبر تنظيم اجتماع مفتوح وسط دعم لافت من قبل فعاليات المجتمع المدني والحقوقي.
وحول هذه الحملة يقول الهادي ساحلي، نائب رئيس جمعية شمس لعدم تجريم المثلية الجنسية في تونس في حديث لـ DW عربية إن قضية الشاب مروان "فرضت علينا تقديمها بعد أن كانت مبرمجة بمناسبة اليوم العالمي للأموفوبيا للدفاع عن هذا الشاب الذي يقبع في السجن بسبب ميوله الجنسية. وقد وجدنا المساندة من قبل عديد من الجمعيات والأحزاب".
وتهدف الحملة لتعديل الفصل 230 من المجلة الجزائية والذي يخول للضابطة العدلية الإذن بفحوصات قصرية لإثبات المثلية الجنسية. ويؤكد الهادي الساحلي أن "ليس للدولة دخل في الشؤون الخاصة للناس ولا يجب عليها أن تدخل في تفاصيل حياتهم وفي ركنهم الحميمي".
الدستوريضمن حقوق المثليين والقانون يجرمها في تونس.
وانتظم اجتماع علني هو الأول من نوعه في تونس تم خلاله الإعلان عن مطالب المثليين في تونس بحضور عدد من الحقوقيين وناشطي الجمعيات المدنية "وتم خلاله الاتفاق على مواصلة التحرك للدفاع عن حقوق المثليين كمواطنين وإحداث لجنة تجمع فعاليات المجتمع المدني المناصرة لقضيتنا وإطلاق جملة من التحركات في الأسابيع القادمة" حسب الساحلي.
لماذا تعد المثلية جريمة؟
أما أهم مطالب المثليين الجنسية في تونس فتتعلق أساسا بإلغاء القانون الذي يجرّم المثلية الجنسية. ويقول الهادي الساحلي "لقد طالبنا بإلغاء هذا الفصل من قبل ولكن رد المجتمع السياسي كان رافضا، أما اليوم وأمام قضية الشاب مروان أصبحت عديد من الجمعيات والفعاليات السياسية تساندنا بعد أن تبينوا أن الفصل متعارض مع جوهر الدستور في حماية الحريات الشخصية ومع المعاهدات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان التي أمضت عليها بلادنا".
ولا تقف تحركات المثليين الجنسية عند هذا الطلب بل تتعداه للمطالبة بإطلاق سراح كل المسجونين على خلفية ميولهم الجنسي وإحداث لجنة محايدة للوقوف على الحقيقة في قضية الطالب مروان بعد أن اختلفت الروايات وتضاربت حول الفحص الذي أجري على هذا الشاب هل كان بطلب منه أم قسريا؟
فضيحة سجن الشاب مروان بعد فحص عذريته فجرت الازمة !
تعارض بين القانون والدستور الجديد
ويؤكد خبراء القانون في تونس أن الدستور التونسي الجديد الذي يحظى بتوافق كبير يضمن حرية الفرد الشخصية ويحفظ حياته الخاصة، ولكن القانون الذي لم يتغير بعد ما يزال يجرّم المثلية الجنسية. ويرى الباحث والناشط الحقوقي فرحات عثمان في تصريح لـ DW عربية، "أنه لا تعارض بين الدستور وبين المثلية، ولكن القانون الحالي بتونس يتعارض مع الدستور ومع المثلية في العديد من فصوله كالفصل 230 جنائي". ويؤكد أن "المثلي هو مواطن عادي لا يختلف عن غيره إلا بميوله الجنسية التي هي طبيعة فيه. وهي لا تهمه إلا هو ولا أحد غيره. لذا، فله كل حقوق المواطن العادي كما عليه كل واجبات المواطن العادي. والحال نفسها بالنسبة للدولة التي عليها حماية ورعاية حقوق كل مواطنيها حتى تحصل منهم على طاعة قوانينها."
ودفعت الحملة والجدل الدائر في تونس حول القانون الذي يجرّم المثلية، محمد صالح بن عيسى وزير العدل، للتصريح لإذاعة محلية "نحن حريصون على احترام الحريات الفردية والحياة الخاصة، إذ لا احد يمتلك حق التدخل في الحياة الخاصة. ولكن الجريمة موجودة في القانون ونحن اليوم في فترة يجب أن تتم فيها مراجعة عدد من القوانين أو إلغائها على ضوء الدستور الجديد الذي أقر مبادئ تحمي الحريات".
بين الرفض والقبول
وبيّن الوزير أنه يجب "التفكير في إلغاء الفصل 230 أو حذفه من القانون"، وأشار إلى "أن مسألة إلغاء القانون بيد المجتمع المدني والمشرّع". وقد أسال كلامه حبرا كثيرا وأثار جدلا واسعا. وأظهرت تصريحات عضو الحكومة الائتلافية، انقساما جليا حول مسألة المثلية في الساحة العامة بين مناصر ومعادي. فقد كتب العربي القاسمي، القيادي في حركة النهضة على صفحته على موقع فايسبوك بأنه "عار على تونس أن يصبح وزير العدل فيها عبدا خادما للغرائز المنحرفة ومجتهدا أمينا لتقنين ممارسة اللّواط والّذين يرتضون ممارسة المثليّة الجنسيّة ويدافعون عنها ويسعون إلى تقنينها مخالفون للدّستور محاربون للمجتمع بإشاعة ونشر الفاحشة فيه ووجب التّصدّي لهم ومقاومة دعوتهم الهدّامة كلّف ذلك ما كلّف".
وردّت الجامعية رجاء بن سلامة عليه فتساءلت "أيّ ديمقراطية لحزب ممثّل في الائتلاف الحاكم، ويناهض الكثير من المنتمين إليه الدّستور ومبادئه والدّيمقراطيّة وقيمها؟ أيّ تعايش ممكن مع أشخاص يعادون الدّولة وأجهزتها بعقليّة لا تختلف عن عقليّة الجهاديّين؟"
وتضيف الجامعية "تمتّع المتديّنون على نحو خاصّ بعد الثّورة بحرّية اللباس والتنظّم والتّعبير. قبلنا بوجودهم وبمواطنتهم التّامّة، ولكن عندما يتعلّق الأمر بحرّيّة المختلفين عنهم، وبحقوق أساسيّة تضمنها كلّ المواثيق الدّوليّة، يسقطون في أوّل اختبار، ويبرهنون على أنّنا نؤمن بمواطنتهم وهم لا يؤمنون بمواطنتنا".
حقوق المثليين- امتحان للفهم السائد للدين والأخلاق إزاء الحقوق والحريات الفردية
ولكن الرد الأقسى على تصريحات وزير العدل جاء من قبل الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية الذي أعلن من مصر "أن رأي وزير العدل لا يلزم إلا نفسه" وأن القانون لن يجري تعديله.
ويتواصل الجدل في تونس حول المثلية الجنسية بين الرفض والقبول وتبقى البدائل الممكنة قانونيا واجتماعيا لحماية المثليين جنسيا تتمثل حسب فرحات عثمان، الخبير القانوني في "إبطال الفصول المخالفة للدستور ولحقوق الإنسان علاوة على إساءتها للدين في فهمه الصحيح. ثم تنمية ثقافة حقوق الإنسان مع التأكيد على تناغمها التام مع الإسلام وسماحة تعاليمه ".
ويرى كثيرون أنّ محاكمة الطالب مروان في الأسابيع القادمة ستحدد ما إذا كانت تونس ستحترم دستورها والتزامها بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان أم ستخرقه وتبطل أهم مواده في أول امتحان يتعارض فيه الفهم السائد للدين والأخلاق مع الحقوق والحريات الفردية الكونية.
فيديو قد يعجبك: