تقرير - المغتربون في مسابقة التعليم.. "يتمرغون في تراب الميري"!
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
تقرير - ياسمين محمد:
في الثامن من سبتمبر عام 2014، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية يوم المعلم المصري، كبادرة خير، اعتبرها الكثيرون بداية لإعادة الاهتمام بالمعلم مرة أخرى.
ولما كان عجز وزارة التربية والتعليم من المعلمين وصل إلى 55 ألف معلم، أعلن الرئيس السيسي عن مسابقة لتعيين 30 ألف معلم لتقليل العجز وفي نفس الوقت توفير فرص عمل للكثيرين من خريجي كليات التربية.
أكثر من مليون معلم تقدموا للمسابقة، التي اعتبروها فرصة لن تعوض للتعيين في الجهاز الحكومي، في وقت أصبح فيه من الصعب الحصول على وظيفة.
وعلى الرغم من أن المسابقة هدفها تقليل نسبة البطالة بين الخريجين، وكذلك تقليل نسبة عجز المعلمين في المدارس، إلا أنها ولدت مشكلة ربما لم تكن في مخيلة صانعي القرار في وزارة التربية والتعليم، وكذلك لم يتخليها المتقدمين للمسابقة، وهي مشكلة "الاغتراب".
مسابقة استمرت عام كامل مابين اختبارات، تقديم أوراق، وفحص أوراق، مر عليها ثلاثة وزراء للتربية والتعليم محمود أبو النصر، محب الرافعي، وأخيرا الهلالي الشربيني، وانتهت إلى "تغريب" 11 ألف معلم تم تسكينهم خارج محافظاتهم.
"من القاهرة إلى أسيوط، من الدقهلية إلى قنا، من الشرقية إلى شمال سيناء، من أسيوط إلى الوادي الجديد"، نماذج للمحافظات التي انتقل منها وإليها المعلمون الذين يبحثون عن فرصة عمل بالجهاز الحكومي.
من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب بحثًا عن وظيفة، واجه هؤلاء المعلمون الكثير من المشكلات التي لم تكن في حسبانهم يومًا ما.
بُعد محافظات التسكين، دفع البعض للتنازل عن الوظائف، وقام البعض بإمضاء العقود ولكنهم رأوا استحالة الذهاب إلى العمل في تلك المحافظات البعيدة فلم يستلموا وظائفهم، والآن هم مهددون بالفصل.
تبرير وزارة التربية والتعليم للاغتراب:
في بداية الإعلان عن المسابقة، قررت وزارة التربية والتعليم اتباع نظام المركزية، بحيث يكون التقدم للمسابقة والتوزيع على مستوى الجمهورية، وليس على مستوى المحافظات وفقًا لنسبة العجز في كل منها.
وبررت الوزارة لهذا القرار، بأنه حرصًا منها على مبدأ تكافؤ الفرص بين المتقدمين، بحيث لا يحصل معلم على وظيفة نظرًا للعجز في محافظته ولا يحصل آخر أعلى منه في التقدير على وظيفة لعدم وجود ذلك العجز في محافظته.
لم تضع الوزارة شرط التسكين خارج المحافظة ضمن الشروط الواجب الإقرار بها قبل التقدم للمسابقة، ولكن أعلنت عنه قبل إعلان النتيجة النهائية، أي بعد قرابة عام قضاه المتقدمون في الاستعداد للاختبارات وتجهيز الأوراق.
حين أعلنت الوزارة نتائج المسابقة تم تسكين 60% من المقبولين في محافظاتهم، و40% خارج تلك المحافظات دون أي امتيازات، معتبرة أن الوظيفة فرصة ومن لا تتناسب ظروفه مع التسكين خارج المحافظة يتنازل عنها لغيره، فهناك الآلاف الذين يتمنون مثلها.
المغتربات "اغتصاب وتشرد ومخاطر طرق":
كان البعض يتصور أن مشكلة الاغتراب تكمن في بعد المسافة عن محل الإقامة فقط، ولكنهم حين وافقوا على تلك الوظيفة وانتقلوا إلى المحافظة الجديدة واجهوا مشكلات عدة مثل توفير السكن، رعاية الأطفال الصغار، صعوبة المواصلات، مخاطر السكن في محافظة تختلف عاداتها وتقاليدها ولهجتها أيضًا، وأخيرًا التحرش والاغتصاب.
بدأت مشكلة المغتربات في لفت الانظار حينما تعرضت إحدى المغتربات بمحافظة الإسكندرية لحادث اغتصاب، حيث تتبعها ثلاثة بلطجية أثناء خروجها من المدرسة واختطفوها واغتصبوها.
الأمر الذي أدى إلى خوف الكثير من الفتيات المغتربات، دفعهم لتنظيم أنفسهن والنزول في تظاهرات للمطالبة بالعودة إلى محافظاتهم الأصلية خاصة في ظل وجود عجز بتخصصاتهم في محل إقامتهم،متسائلين: لما الاغتراب؟
إلى جانب الخوف من مخاطر الطريق، كان البحث عن محل إقامة، تقول فاطمة محمد من المحلة ومسكنة بقنا، أنها حين ذهبت إلى محافظتها الجديدة بدأت في البحث عن شقة لها وابنها الرضيع، حيث وجدت شقة بإيجار 500 جنيه في الشهر، ولا يوجد بها أي تجهيزات للمعيشة ما يجعلها تنام وابنها على "الأرض" في غرفة واحدة، حيث رأت صاحبة الشقة أن غرفة واحدة تكفيها، وتأخذ هي الثانية لتربية "الحمام"، فضلًا عن الحشرات والدود التي وجدتهم في انتظارها حين دخلت الشقة الجديدة.
فقدت مرام المقيمة في الوادي الجديد ومسكنة في سيوة جنينها وهو في عمر شهرين، لأن وسيلة المواصلات المتاحة لها "التروسيكل" فقط.
وآثر والد رنا زهدي من محافظة الاسكندرية والمسكنة في سوهاج، السكن مع ابنته في محافظتها الجديدة في شقة غير مجهزة إيجارها 1000 جنيه في الشهر "قيمة المرتب"، فيما بقت والدتها في الإسكندرية وحدها.
بمجرد كتابة محرر مصراوي منشورًا على صفحة المغتربين على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" للبحث عن احد المغتربين لشرح الأزمة التي تواجهه توالت قصص لا نهاية لها للمغتربات والمغتربين أيضًا تركوا بيوتهم وذويهم وأولادهم، بحثًا عن وظيفة هم في أمس الحاجة إليها، ولكن الظروف تأبى أن تكمل لهم حلم العمل وتهددهم بين الحين والآخر بترك الوظيفة.
للنساء نصيب من المشكلات وللرجال أيضًا:
طبيعة مجتمعنا تجعلنا نتعاطف مع النساء المغتربات، حيث السكن في مكان بعيد عن الأهل وربما الاولاد أيضًا، ومخاطر الطرق وضعف الطاقة، إلا أن مشكلة الاغتراب هنا لم تفرق بين الرجال والنساء فقصص الرجال لا تقل مأساوية عن النساء.
كان محمد عبد العزيز المقيم في كفر الشيخ ومسكن في الشرقية، يعمل في السعودية وحين علم بأمر المسابقة قرر العودة إلى مصر للتخلص من الغربة والحصول على وظيفة حكومية آمنة، ولكنه حين عاد انتقل من غربة إلى غربة بمرتب أقل.
أما عيون الذي رأي في الوظيفة الحكومية أملا في الاستقرار والمعاش في نهاية العمر، قدم في المسابقة ووجد نفسه في نهاية المطاف مسكنًا في القاهرة ومحافظته أسيوط، فاستأجر شقة بـ500 جنيه، وادخر خمسمائة – وهم النصف الثاني من المرتب – للمواصلات، ولا مجال "للأكل والشرب"، ولا للدروس الخصوصية أيضًا فتخصصه "تربية رياضية".
ويضطر أحمد أبو العنين المقيم بكفر الشيخ ومسكن بقارة أم الصغير بسيوة بمحافظة مطروح، لاستقلال صندوق سيارة ربع نقل، وسيلة المواصلات المتاحة، لمسافة 130 كيلو متر وسط الرمال والهواء والبرد القارص، من أجل الذهاب إلى المدرسة. هذا إضافةً إلى عدم وجود وسائل اتصال سوى القمر الصناعى، ولا مجال لزيارة الأقارب فالذهاب إلى هذا المكان يتطلب تصريحًا من "المخابرات".
ويحمد علي جمال - مسؤول حملة "لا للإغتراب" المقيم في الجيزة ومسكن بالشرقية، ربه على ظروفه التي يراها أفضل قليلًا عن غيره من المغتربين، فهو يستيقظ فجرًا للذهاب إلى مدرسته ويعود بعد العصر، ومسؤول عن أسرة ولم يقبض راتبه حتى الآن، ولكن محافظة تسكينه ربما تكون أقرب قليلًا من البعض، فحمدًا لله.
"إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه":
ربما يراود البعض بعد قراءة هذه تساؤل "لما قبل هؤلاء تلك الوظائف رغم كل المشاق التي تواجههم؟" وكان هذا التساؤل موجهًا للمعلمين بعد أن قالت وزارة التربية والتعليم لمن يأبي استلام مهام عمله خارج محافظته تنازل عنها لغيرك، إلا أن الإجابة كانت "احتاج الوظيفة".
لا يتمنى أحد أن يتغرب عن أهله، ولكنه حلم الاستقرار بعيدًا عن المدارس الخاصة التي تستغنى عن المعلمين في الوقت الذي يحلو لمالكها، وحلم المعاش الذي ينتظرونه بعد 40 عامًا من الخدمة ليس لهم ولكن ربما يحتاجه أبنائهم، وأخيرًا حلم أن يكون الاغتراب مؤقتًا ويسعى صاحب القرار للم شمل الأسر عن قريب.
محو الأمية هم آخر:
من ضمن الشروط التي وضعتها وزارة التربية والتعليم في عقود المعلمين الجدد بند "محو أمية 10 مواطنين خلال العام الأول من العقد"، ولكنها غفلت عن وضع الآليات التي تخول لهم القيام بتلك المهمة.
فلم توفر الوزارة فصولًا لمحو الأمية يحاضر فيها المعلمون بعد انتهاء عملهم، ولكن على كل معلم البحث عن 10 مواطنين يطلب منهم أن يعلمهم القراءة والكتابة ويكتبون بما تعلمونه منه إقرارًا بذلك ليقدمه لوزارة التربية والتعليم.
الوزارة ترد:
بعد احتدام الأمر أمام وزارة التربية والتعليم بالنسبة للمغتربين، فتحت باب البدل بين المعلمين بعضهم وبعض، وبين المقبولين بالـ30 ألف وظيفة والـ75 ألف معلم مساعد الذين تم تعيينهم العام الماضي، إلا أن هذا الأمر لم يحل مشكلة سوى قرابة الـ3000، فيما يبقى الباقون مشردون.
ورغم ذلك قال الدكتور الهلالي الشربيني - وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، إن قضية 30 ألف معلم تم حل الجزء الأكبر منها، حيث إنه تم تعيين 15 ألف فى محافظاتهم وهناك عدد لم يتم تسكينه حتى الآن والمتبقى تم توزيعهم على المحافظات وفقا للوظائف الشاغرة، وقد وافق المعلمين على ذلك كأحد شروط الحصول على وظيفة.
وأضاف إن بداية العام الدراسى تحول دون نقل مدرس من محافظة إلى أخرى لكن مع بداية العام المقبل سيتم إعادة النظر في شكاوى المعلمين المتضررين، وذلك خلال لقاءه مع نواب مجلس النواب الجديد أمس الثلاثاء.
وقال هاني كمال - المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، لمصراوي، إن إعادة المعلمين المغتربين إلى محافظاتهم حاليًا صعب جدا نظرًا لكثرة عددهم، وأن أي إجراء يؤخذ الآن سيربك العلمية التعليمية المستقرة، ويؤدي إلى حدوث خلل وفراغات في الكثير من المدارس.
وبالنسبة لاقتراح منح المعلمين المغتربين بدل اغتراب أو توفير مساكن لهم، قال كمال إن هذا المقترح لابد من عرضه على المستشار القانوني للوزارة، لأن الوائح المالية لا بد أن تخضع للقوانين المنظمة.
مظاهرة:
لم يجد المعلمون المغتربون بدًا من ترك وزارة التربية والتعليم التي لا تسعى للنظر في أزمتهم، واللجوء إلى مجلس الوزراء ربما يفيد.
ونظم المغتربون مظاهرة الخميس الماضي في محيط مجلس الوزراء، لرفع الأمر إلى المهندس شريف إسماعيل، وحولت رئاسة الوزراء الأمر للوزارة من جديد موجهة إياها بالنظر في مشكلة المغتربين.
ويصر المغتربين على إنهاء الاغتراب آجلًا أو عاجلًا، فبعضهم يوافق على العودة إلى محافظاتهم مع نهاية العام الدراسي كما وعد الوزير، ولكنهم يخشون التصريحات التي تصدر دون قرارات لتهدئتهم، خاصة مع التعديل الوزاري الموشك بعد استكمال الانتخابات البرلمانية، والذي قد يسفر عن استبعاد الدكتور الهلالي الشربيني، وتبدأ الأزمة من جديد.
لذا ينظم المغتربون وقفة احتجاجية ثانية غدًا الخميس، في محيط مجلس الوزراء أيضًا للبحث عن حل جازم لمشكلتهم، وإلا سيتجهون للاعتصام.
المسابقة التي بات المعلمون يحلمون بها سنوات طويلة، واستعد بعضهم لها بالدراسات العليا، والتقدير العالي، أصبحت محل عذاب يعيشه المغتربون منهم، يتجرعونه كل يوم، مابين الابتعاد عن الأهل، وتشريد الأبناء، والمواصلات الكثيرة، وفي النهاية الذهاب إلى المدرسة مدغدغين الأنفس وعليهم الوقوف أمام الطلاب لآداء واجبهم الذي شبهه الشاعر برسالة الانبياء "قم للمعلم وافه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا".
فيديو قد يعجبك: