اتفاق روما - بداية لحل الأزمة في ليبيا أم مظلة هدف آخر؟
بون، ألمانيا (دويشته فيله)
رحب المجتمع الدولي باتفاق روما الذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، فهل يمهد هذا الاتفاق الطريق لإنهاء الأزمة هناك؟ أم أنه مظلة حراك عسكري ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" على الساحل الليبي وبالتالي على أبواب أوروبا؟
بعد سنوات من الفوضى العارمة والجمود السياسي وسط انقسامات عميقة يبدو أن بوادر أمل في حل الأزمة الليبية بدأت تلوح في الأفق: فبعد أسبوع من إعلان التوصل إلى اتفاق مبدئي، وُصف بـ"التاريخي"، بين فرقاء ليبيين في تونس، هاهو المجتمع الدولي - ممثلا عبر نحو عشرين دولة ومنظمة دولية - يعلن في روما عن توصل الفصائل الليبية، ممثلة عبر 15 مندوبا، إلى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
تم الاعلان عن الاتفاق في ختام اجتماع ترأسته ايطاليا والولايات المتحدة، حيث من المفترض أن يوقعه ممثلو عدة فصائل ليبية يوم الأربعاء (16 من ديسمبر 2015) في مدينة الصخيرات بالمغرب. وينص الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون مقرها في طرابلس في غضون 40 يوما.
اتفاق بين المعتدلين فقط؟
للوهلة الأولى توحي هذه التطورات بحدوث تحول نحو انفراج الأزمة الليبية. لكن عند الفحص الدقيق يتضح أنه اتفاق غير مكتمل، حسب فولفرام لاخر، الخبير في الشؤون الليبية من المؤسسة الألمانية للدراسات السياسية في برلين.
ويقول الخبير الألماني في حوار مع إذاعة ألمانيا نشر يوم الاثنين (14 من ديسمبر 2015) على موفقها الإلكتروني: "إنه اتفاق بين القوى المعتدلة فقط، إذ أنه لم يتم إشراك الكثير من القوى الفاعلة القوية، وخاصة منها الجماعات المسلحة. لقد دعي فقط الممثلون السياسيون المنتخبون إلى طاولة المفاوضات، بيد أن تأثير هؤلاء يكون في أحيان كثيرة ضعيف جدا".
ويضيف قائلا: "في الواقع، فإن الاتفاق هو عبارة عن حل وسط بين البرلمانين اللذين يتخاصمان حول الشرعية البرلمانية: برلمان طبرق الذي تم انتخابه في يونيو عام 2014 وبرلمان طرابلس الذي اُنتخب عام 2012."
منذ أكثر من عام شهدت ليبيا نزاعا مسلحا على السلطة تسبب في انقسام البلاد بين سلطتين: فمن جهة هناك حكومة وبرلمان معترف بهما من طرف المجتمع الدولي شرق البلاد، ومن جهة أخرى هناك حكومة وبرلمان غير معترف بهما يديران العاصمة طرابلس بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت أسم "فجر ليبيا".
وتسبب النزاع في إحداث فوضى أمنية في ليبيا، مهدت الطريق لجماعات متطرفة، من بينها تنظيم "الدولة الاسلامية" ليكون لها موطئ قدم في هذا البلد الغني بالنفط.
اتفاق تحت ضغوط دولية؟
هذا التطور دفع بالمجتمع الدولي للضغط على الأطراف الليبية وتجاوز انقساماتها وتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما يقول رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف (CAPARS).
ويضيف في حوار مع DWعربية: "هناك عدة عوامل داخلية وخارجية دفعت للضغط على الفرقاء الليبيين، وهم متعددون. ومن أهم هذه العوامل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" في سرت وتمددها إلى مناطق أخرى في ليبيا (...) بل إن هناك أنباء عن أنه بصدد إعداد طيارين انتحاريين."
يقدر عدد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل، بينهم 1500 في سرت. وبين هؤلاء المقاتلين ليبيون قاتلوا في سوريا وعادوا الى بلادهم، إضافة إلى أجانب قدموا من تونس والسودان واليمن، بحسب تقديرات للأمم المتحدة.
ووفقا لوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان في تصريح لإذاعة "ار.تي.ال" الفرنسية، فإن مقاتلي تنظيم "داعش" " في سرت يعملون على توسيع نفوذهم الممتد على مسافة 250 كلم على الساحل، لكنهم بدأوا التوغل نحو الداخل ويحاولون الوصول إلى آبار النفط والاحتياطات النفطية".
وحسب ديبلوماسي فرنسي، فإن التنظيم الإرهابي بدأ "يتوغل" باتجاه مدينة أجدابيا ومحيطها، الواقعة على بعد 350 كلم شرقي سرت، وهي منطقة تتركز فيها معظم حقول وآبار النفط والغاز في البلاد، "لوضع يده على الموارد النفطية".
يعني ذلك أن هذا التنظيم الإرهابي يبحث عن موارد لتمويل شراء الأسلحة وتجنيد مقاتلين جدد لتنفيذ عمليات إرهابية في عدة مناطق من العالم. إنه أمر لا يثير قلق دول جوار ليبيا على غرار مصر وتونس فقط، بل أيضا الدول الأوروبية.
وفي سياق متصل، يقول الخبير الألماني في الشؤون الليبية فولفرام لاخر: "(...) منذ هجمات باريس تبلور شعور لدى المجتمع الدولي بأن الإطار الزمني للبحث عن حل للأزمة الليبية تغير بشكل مفاجئ فقد نفذ الصبر بشأن المفاوضات المتواصلة (منذ زمن ودون نتائج ملموسة)." فهل يشكل الاتفاق المعلن عنه في روما بداية لتشكيل حكومة مركزية ليبية وبالتالي بهدف سحب البساط من تحت أقدام تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا؟
بداية ضرب "داعش" في ليبيا؟
"الوضع معقد جدا في ليبيا ولا أعتقد أن مجرد توقيع اتفاق على الورق سيشكل الوصفة السحرية النهائية للأزمة في هذا البلد"، كما يصرح رياض الصيداوي في حديث لـDWعربية.
ويضيف أن ليبيا - على عكس غيرها من دول الجوار العربية- تفتقد لهياكل الدولة، "أولا غياب جيش وطني وأجهزة أمنية مركزية توحد البلد وتجمع الأسلحة من كل المليشيات. ثانيا، غياب الثقافة الديمقراطية في ليبيا التي هي جديدة العهد تماما على صناديق الاقتراع، على عكس تونس أو مصر مثلا".
ويضيف قائلا: "أعتقد أن المشاكل ستتواصل في هذا البلد، لكن الاتفاق خطوة تعكس تطور وعي سياسي بضرورة وضع حد لحالة الفوضى التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أربع سنوات."
الخبير الألماني لاخر، هو أقل تفاؤل بشأن تداعيات هذا الاتفاق، حيث يصرح في حديث لإذاعة ألمانيا: " ليس من الواضح حتى الآن معرفة من سيوقع يوم الأربعاء على الاتفاق ومن سيمتنع. لكن الخطر يكمن في أن يتم، عن عجل وتحت ضغط دولي، إبرام اتفاق لا يطبق على أرض الواقع وأن يتم تشكيل حكومة (صورية) تفتقد للسلطة".
ويوضح قائلا: إذن " الهدف يكمن أيضا في تشكيل حكومة من المرجح أن تدعو بدورها إلى عمليات عسكرية دولية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
فيديو قد يعجبك: